نشأته وبداياته
ولد يفيم كارسكي في قرية ليتفينوفيتشي، مقاطعة مينسك، في الإمبراطورية الروسية (بيلاروسيا الحالية). تلقى تعليمه الابتدائي في المنزل، ثم التحق بمدرسة مينسك الثانوية. أظهر اهتمامًا مبكرًا باللغات والأدب، وخاصةً اللغات السلافية. في عام 1878، التحق بجامعة سانت بطرسبرغ لدراسة اللغات الشرقية، ولكن سرعان ما تحول إلى دراسة الفيلولوجيا السلافية، حيث درس تحت إشراف أساتذة بارزين مثل فيكتور جريجورييفيتش أوموتوف.
خلال دراسته الجامعية، بدأ كارسكي في جمع المواد المتعلقة باللغة والثقافة البيلاروسية، بما في ذلك الأغاني الشعبية والأساطير والأمثال. كان هذا العمل الميداني المبكر بمثابة الأساس لأبحاثه المستقبلية. تخرج كارسكي من الجامعة عام 1884 بدرجة المرشح في الفيلولوجيا السلافية.
مسيرته المهنية
بعد تخرجه، عمل كارسكي كمعلم في عدد من المؤسسات التعليمية، بما في ذلك مدرسة مينسك اللاهوتية. في عام 1885، بدأ التدريس في جامعة سانت بطرسبرغ، حيث أصبح أستاذًا مساعدًا في عام 1893، وأستاذًا في عام 1903. خلال هذه الفترة، نشر العديد من المقالات والأبحاث حول اللغة والأدب البيلاروسي والروسي القديم. أصبح كارسكي معروفًا بـ دقة بحثه وشموليته.
كان لكارسكي اهتمام كبير بدراسة الكتابة السيريلية، وتاريخها، وتطورها. وقد قام بتحليل النصوص المكتوبة باللغة السلافية الشرقية القديمة، وقارنها بالنصوص من اللغات السلافية الأخرى. كما درس أصول الأبجدية السيريلية وكيفية انتشارها في المنطقة السلافية الشرقية.
بالإضافة إلى عمله الأكاديمي، كان كارسكي نشطًا في الحركات الثقافية البيلاروسية. دعم تطوير اللغة البيلاروسية الحديثة، وشارك في الجهود المبذولة لتعزيز الهوية الوطنية البيلاروسية. ساهم في تأسيس “الجمعية البيلاروسية للعلوم” في سانت بطرسبرغ، والتي هدفت إلى تعزيز البحث العلمي والثقافي في بيلاروسيا.
أعماله الرئيسية ومساهماته
كان لكارسكي العديد من المؤلفات الهامة التي تركت بصمة واضحة في مجال الدراسات السلافية. من بين أهم أعماله:
- “دراسات عن اللغة البيلاروسية” (Очерки белорусского языка): هذه الدراسة الشاملة، المنشورة في ثلاثة مجلدات بين عامي 1886 و 1922، تعتبر العمل الأساسي في دراسة اللغة البيلاروسية. حلل كارسكي فيها الصوتيات والصرف والنحو والمعجم للغة البيلاروسية، وقدم وصفًا تفصيليًا للهجات المختلفة.
- “تاريخ الحروف الهجائية الروسية” (Русский алфавит): بحث قيم يدرس تاريخ تطور الأبجدية السيريلية في روسيا، مع التركيز على التغيرات التي طرأت عليها عبر العصور.
- “الأعمال الأدبية البيلاروسية” (Белорусские народные произведения): مجموعة من الفولكلور البيلاروسي، بما في ذلك الأغاني الشعبية والأساطير والحكايات والأمثال. قدم كارسكي هذه المجموعة مع تعليقات شاملة وتحليلات لغوية وثقافية.
ساهمت أبحاث كارسكي في تحديد اللغة البيلاروسية كلغة مستقلة، وفي وضع الأسس لدراسة الأدب البيلاروسي. وقد استخدم في عمله المنهج العلمي الدقيق، وقدم تحليلات مفصلة وموثوقة.
كان كارسكي مؤرخًا للغة والأدب، وساهم في توثيق تاريخ الشعب البيلاروسي. وقدّم مساهمات كبيرة في مجال الفولكلور، حيث جمع وحلل كمية كبيرة من المواد الشعبية، مما ساعد على الحفاظ على التراث الثقافي البيلاروسي.
التقدير والتكريم
حظي كارسكي بتقدير كبير خلال حياته وبعد وفاته. حصل على العديد من الجوائز والأوسمة، بما في ذلك وسام القديس ستانيسلاوس من الدرجة الثالثة. انتُخب كعضو في عدد من الجمعيات العلمية المرموقة، بما في ذلك أكاديمية العلوم في روسيا. وقد أُطلق اسمه على العديد من المؤسسات التعليمية والمكتبات في بيلاروسيا تكريمًا له.
بعد وفاته، استمرت أعمال كارسكي في التأثير على الباحثين والعلماء. لا تزال دراساته حول اللغة والأدب البيلاروسي تُستخدم على نطاق واسع حتى اليوم. يعتبر كارسكي أحد أبرز الشخصيات في تاريخ الثقافة البيلاروسية.
الحياة الشخصية
تزوج يفيم كارسكي من صوفيا ميخائيلوفنا، وأنجبا ابنتين. كان كارسكي شخصًا هادئًا ومثقفًا، ويتمتع بعلاقات جيدة مع زملائه وطلابه. كان يهتم بالثقافة والتراث البيلاروسي، وكان يسعى دائمًا إلى نشر المعرفة حول هذا الموضوع.
السنوات الأخيرة والوفاة
في السنوات الأخيرة من حياته، واصل كارسكي الكتابة والبحث على الرغم من صحته المتدهورة. توفي في لينينغراد (سانت بطرسبرغ حاليًا) في 29 أبريل 1931، ودُفن في مقبرة فولكوفو.
تعتبر مساهمات كارسكي في مجال الدراسات السلافية لا تقدر بثمن. فقد ساعد في الحفاظ على اللغة والثقافة البيلاروسية، ووفر فهمًا أعمق للتاريخ اللغوي والأدبي للشعب البيلاروسي.
إرثه
يُذكر كارسكي كشخصية بارزة في تاريخ الأدب واللغة البيلاروسية. لا تزال أعماله تدرس على نطاق واسع، ويستمر الباحثون في الاعتماد عليها. يعتبر كارسكي رمزًا للفخر الوطني البيلاروسي، وإسهاماته لا تزال تلهم الأجيال القادمة.
خاتمة
يفيم كارسكي كان عالم لغويات وباحثًا في الفولكلور ومؤرخًا أدبيًا بيلاروسيًا/روسيًا، ترك إرثًا دائمًا في مجال الدراسات السلافية. ساهمت أبحاثه في تحديد اللغة البيلاروسية كلغة مستقلة، وفي وضع الأسس لدراسة الأدب البيلاروسي. يعتبر كتابه “دراسات عن اللغة البيلاروسية” العمل الأساسي في هذا المجال. كان له دور كبير في الحفاظ على التراث الثقافي البيلاروسي. يُذكر كارسكي كشخصية بارزة في تاريخ الأدب واللغة البيلاروسية، ولا تزال أعماله تُدرس على نطاق واسع.
المراجع
- صفحة يفيم كارسكي على ويكيبيديا البيلاروسية
- مقالة عن يفيم كارسكي في موسوعة بريتانيكا
- مقالة عن يفيم كارسكي في مجلة حول العالم
- مؤلفات يفيم كارسكي على موقع بوك سايت
“`