<![CDATA[
نشأته وبداياته
ولد فيليب جونسون-ليرد في مدينة سيل، تشيشاير، إنجلترا. تلقى تعليمه في مدرسة أوشتون في تشيشاير، ثم في كلية إيتون، حيث برز في دراسته للأدب الكلاسيكي. حصل على منحة دراسية في كلية ترينيتي، كامبريدج، حيث درس علم النفس. حصل على درجة البكالوريوس في علم النفس عام 1958. ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1962، عن أطروحته حول “العمليات الذهنية في فهم اللغة”.
بدأ مسيرته المهنية كمساعد باحث في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون. في عام 1964، عاد إلى المملكة المتحدة، حيث عمل في البداية في جامعة كامبريدج، ثم انتقل إلى جامعة ساسكس في عام 1965، حيث أسس وحدة علم النفس المعرفي. في عام 1973، عاد إلى جامعة كامبريدج كأستاذ لعلم النفس، وهو المنصب الذي شغله حتى تقاعده في عام 2003.
مساهماته في الفلسفة وعلم النفس المعرفي
يُعتبر جونسون-ليرد من أبرز المفكرين في مجال علم النفس المعرفي والفلسفة التحليلية. قدم مساهمات كبيرة في فهمنا لعمليات التفكير، واللغة، والاستدلال. يتميز عمله بالجمع بين الأساليب التجريبية والنظرية، ويهدف إلى بناء نماذج حاسوبية للعمليات الذهنية.
نظرية النماذج الذهنية: ربما تكون مساهمته الأكثر شهرة هي تطويره لنظرية النماذج الذهنية. تقترح هذه النظرية أن الناس لا يقومون بالاستدلال من خلال تطبيق قواعد منطقية مجردة، كما هو مفترض في بعض النظريات التقليدية. بدلاً من ذلك، يقومون ببناء “نماذج” عقلية للعالم، وهي تمثيلات ذهنية مجسمة للوضعيات. ثم يتلاعبون بهذه النماذج لاستخلاص الاستنتاجات. تعتبر نظرية النماذج الذهنية من النظريات الرائدة في مجال التفكير والاستدلال البشري.
وفقًا لهذه النظرية، عندما يواجه الشخص مشكلة منطقية أو موقفًا يتطلب التفكير، فإنه يبدأ ببناء نموذج ذهني يمثل المعلومات المقدمة. يمثل هذا النموذج العناصر والعلاقات الموجودة في المشكلة. بعد ذلك، يقوم الشخص بمعالجة هذا النموذج، أي أنه يغيره ويعدله بناءً على المعلومات المتاحة. يؤدي هذا التلاعب بالنموذج إلى استخلاص استنتاجات جديدة. تعتبر هذه العملية عملية استدلالية.
تتميز النماذج الذهنية بأنها:
- مجسمة: فهي تمثل العالم بطريقة تشبه إلى حد كبير الطريقة التي ندرك بها العالم من خلال حواسنا.
- تعبيرية: فهي قادرة على تمثيل مجموعة متنوعة من المعلومات، بما في ذلك الحقائق، والافتراضات، والفرضيات، والاحتمالات.
- مرنة: فهي قابلة للتكيف والتغيير، بحيث يمكن تحديثها وتعديلها بناءً على معلومات جديدة.
التفكير الشرطي: قدم جونسون-ليرد مساهمات مهمة في دراسة التفكير الشرطي، وهو النوع من التفكير الذي يتضمن عبارات “إذا…إذن…”. أظهرت أبحاثه أن الناس غالبًا ما يجدون صعوبة في التفكير الشرطي، وأنهم يرتكبون أخطاء منهجية في استخلاص الاستنتاجات من هذه العبارات. يعزو جونسون-ليرد هذه الصعوبات إلى مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك طبيعة النماذج الذهنية، والتأثيرات السياقية، والتحيزات المعرفية.
اللغة والمعنى: بالإضافة إلى عمله في مجال التفكير، قدم جونسون-ليرد مساهمات مهمة في دراسة اللغة والمعنى. يرى أن اللغة ليست مجرد نظام رمزي مجرد، بل هي أداة للتفكير والتواصل. يؤكد على أهمية فهم كيفية بناء الناس للمعنى من خلال استخدام اللغة، وكيف تؤثر عمليات التفكير على فهمنا للغة.
أعماله ونشراته
نشر جونسون-ليرد العديد من الكتب والمقالات المؤثرة. من بين أبرز أعماله:
- النماذج الذهنية: نحو نظرية للغة والتفكير والاستدلال (Mental Models: Towards a theory of language, thought, and inference)
- الاستدلال العقلي: بناء نماذج ذهنية (Mental Models: Inference and Cognitive Skills)
- المنطق واللغة والذاكرة (Logic and Language and Memory)
- كيف نفكر (How We Reason)
تتميز كتاباته بالوضوح والعمق، وهي متاحة لجمهور واسع من القراء، من العلماء المتخصصين إلى الطلاب والمهتمين. ساهمت كتاباته بشكل كبير في نشر الأفكار حول النماذج الذهنية والتفكير، وجعلتها جزءًا أساسيًا من مجال علم النفس المعرفي والفلسفة.
الجوائز والتكريمات
حصل فيليب جونسون-ليرد على العديد من الجوائز والتكريمات لمساهماته في علم النفس والفلسفة. انتُخب زميلاً في الجمعية الملكية (FRS) في عام 1986، وزميلاً في الأكاديمية البريطانية (FBA) في عام 1990. حصل أيضًا على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعات مختلفة.
التأثير والإرث
أثرت أفكار فيليب جونسون-ليرد بعمق على مجالات علم النفس المعرفي، والفلسفة، والذكاء الاصطناعي. ألهم عمله عددًا كبيرًا من الباحثين، وأحدث ثورة في فهمنا لعمليات التفكير البشري. لا تزال نظرية النماذج الذهنية تحظى باهتمام كبير، ويتم تطويرها وتطبيقها في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك علم النفس السريري، والتعليم، والتصميم.
ساهم جونسون-ليرد في تغيير طريقة تفكيرنا حول العقل، من خلال التأكيد على أهمية التفكير التصويري والتمثيلات المجسمة. يمثل عمله تحولًا من النظريات التي تركز على القواعد المنطقية المجردة إلى النماذج التي تركز على العمليات الذهنية والتمثيلات الحسية.
التوجهات المستقبلية للبحث
لا يزال البحث في مجال النماذج الذهنية والتفكير مستمرًا، مع التركيز على عدد من القضايا الرئيسية:
- العلاقة بين النماذج الذهنية والذاكرة: كيف تؤثر الذاكرة على بناء النماذج الذهنية، وكيف تؤثر النماذج الذهنية على استرجاع الذاكرة؟
- التطبيق العملي لنظرية النماذج الذهنية: كيف يمكن استخدام نظرية النماذج الذهنية لتحسين التعليم، والتصميم، والتشخيص النفسي؟
- التفكير العاطفي والاجتماعي: كيف يمكن تطبيق نظرية النماذج الذهنية على فهم التفكير العاطفي والاجتماعي، بما في ذلك فهم المشاعر، والتفكير في الآخرين، وحل النزاعات؟
من المتوقع أن يستمر عمل جونسون-ليرد في إلهام الأجيال القادمة من الباحثين، والمساهمة في فهمنا العميق للعقل البشري.
خاتمة
فيليب جونسون-ليرد هو شخصية بارزة في علم النفس المعرفي والفلسفة، اشتهر بتطويره لنظرية النماذج الذهنية. قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للتفكير، واللغة، والاستدلال. أثرت أعماله على العديد من المجالات، ولا يزال إرثه ملموسًا في الأبحاث الجارية حول العقل البشري.