مقدمة
الكنائس المستمرة هي تسميات مسيحية تنشأ عندما يحدث اتحاد كنسي بين طوائف مختلفة، ويرفض أعضاء من بعض هذه الطوائف الاندماج، ويفضلون الاستمرار في ممارسة شعائرهم وتقاليدهم بشكل مستقل. غالبًا ما يكون هذا الرفض مدفوعًا بمخاوف بشأن التغييرات اللاهوتية أو الليتورجية أو الأخلاقية التي تأتي مع الاتحاد. وتسعى هذه الكنائس إلى الحفاظ على ما تعتبره العقيدة والسلوك والممارسة المسيحية الأصيلة، وغالبًا ما تنظر إلى الكنائس التي اندمجت على أنها قد انحرفت عن هذه المعايير.
أسباب الانشقاق وتشكيل الكنائس المستمرة
تتعدد الأسباب التي تدفع المسيحيين إلى الانشقاق عن كنائسهم الأم وتشكيل كنائس مستمرة. من بين هذه الأسباب:
- الخلافات اللاهوتية: قد تنشأ خلافات حول تفسير الكتاب المقدس أو العقائد الأساسية، مثل طبيعة الثالوث أو الخلاص أو سر التناول المقدس. إذا شعرت مجموعة من المؤمنين أن كنيستهم الأم قد تبنت موقفًا لاهوتيًا يتعارض مع فهمهم للكتاب المقدس، فقد يختارون الانفصال وتشكيل كنيسة تحافظ على عقائدهم التقليدية.
- التغييرات الليتورجية: يمكن أن تكون التغييرات في ممارسات العبادة، مثل إدخال ترانيم جديدة أو تغييرات في طقوس القربان المقدس، سببًا للانشقاق. قد يشعر بعض الأعضاء أن هذه التغييرات تقوض الطبيعة المقدسة للعبادة أو أنها تتعارض مع التقاليد الراسخة.
- القضايا الأخلاقية: غالبًا ما تكون القضايا الأخلاقية، مثل موقف الكنيسة من الإجهاض أو زواج المثليين أو دور المرأة في القيادة، نقطة خلاف حادة. إذا شعرت مجموعة من الأعضاء أن كنيستهم الأم قد تبنت موقفًا أخلاقيًا غير مقبول، فقد يختارون الانفصال وتشكيل كنيسة تلتزم بقيمهم الأخلاقية.
- السلطة الكنسية: قد ينشأ صراع على السلطة داخل الكنيسة، مما يؤدي إلى انقسام. إذا شعرت مجموعة من الأعضاء أنهم مهمشون أو أن صوتهم لا يُسمع، فقد يختارون الانفصال وتشكيل كنيسة حيث يكون لديهم المزيد من السيطرة على شؤون الكنيسة.
أمثلة على الكنائس المستمرة
هناك العديد من الأمثلة على الكنائس المستمرة في مختلف الطوائف المسيحية. بعض الأمثلة البارزة تشمل:
الكنائس الأنغليكانية المستمرة
نشأت الكنائس الأنغليكانية المستمرة في المقام الأول نتيجة لمعارضة التغييرات الليتورجية واللاهوتية التي حدثت في الكنيسة الأسقفية (الولايات المتحدة الأمريكية) والكنيسة الأنغليكانية في كندا في السبعينيات. كان من بين هذه التغييرات تنقيح كتاب الصلاة المشتركة، وسيامة النساء ككهنة، والمواقف الأكثر ليبرالية بشأن القضايا الجنسية. تشكلت هذه الكنائس للحفاظ على العقيدة والعبادة الأنغليكانية التقليدية، كما فهموها قبل هذه التغييرات.
تشمل بعض أكبر الكنائس الأنغليكانية المستمرة ما يلي:
- الكنيسة الأنغليكانية في أمريكا الشمالية (ACNA): وهي أكبر تجمع للكنائس الأنغليكانية المستمرة في أمريكا الشمالية، تأسست في عام 2009.
- الأسقفية الأنجليكانية: تعتبر نفسها استمرارًا للكنيسة الأسقفية التاريخية قبل التغييرات الليبرالية.
- الكنيسة الأنجليكانية التقليدية: تركز على الحفاظ على التقاليد الأنغليكانية الأرثوذكسية.
الكنائس المشيخية المستمرة
نشأت بعض الكنائس المشيخية المستمرة نتيجة لمعارضة التوجهات الليبرالية في الكنيسة المشيخية (الولايات المتحدة الأمريكية) وغيرها من الكنائس المشيخية الرئيسية. كانت هذه الكنائس قلقة بشأن قضايا مثل تفسير الكتاب المقدس، وسيامة النساء، والمواقف من المثلية الجنسية. سعت إلى الحفاظ على العقيدة المشيخية التقليدية والتفسير الحرفي للكتاب المقدس.
من بين الكنائس المشيخية المستمرة:
- الكنيسة المشيخية في أمريكا (PCA): تأسست في عام 1973 للحفاظ على الأرثوذكسية المشيخية.
- الكنيسة المشيخية الكتابية في أمريكا (OPC): تأسست في عام 1936، وتؤكد على سلطة الكتاب المقدس وعقيدة الإصلاح.
الكنائس الميثودية المستمرة
في السنوات الأخيرة، ظهرت حركات انفصالية داخل الكنيسة الميثودية المتحدة (UMC) بسبب الخلافات حول قضايا المثليين. أسفرت هذه الخلافات عن تشكيل كنائس ميثودية مستمرة جديدة تسعى إلى الحفاظ على المواقف الميثودية التقليدية بشأن الجنس والزواج. من أبرزها الكنيسة الميثودية العالمية، التي تأسست حديثًا استجابة للتغييرات في الكنيسة الميثودية المتحدة.
التحديات التي تواجه الكنائس المستمرة
تواجه الكنائس المستمرة عددًا من التحديات، بما في ذلك:
- الحجم الصغير: غالبًا ما تكون الكنائس المستمرة صغيرة نسبيًا، مما قد يجعل من الصعب عليها الحفاظ على نفسها ماليًا وتوفير مجموعة واسعة من البرامج والخدمات.
- الاعتراف: قد تواجه الكنائس المستمرة صعوبة في الحصول على اعتراف من الكنائس الأخرى أو من المجتمع الأوسع.
- القيادة: قد يكون من الصعب على الكنائس المستمرة العثور على قادة مؤهلين وملتزمين.
- الوحدة: حتى داخل حركة الكنائس المستمرة، يمكن أن يكون هناك خلافات حول العقيدة والممارسة. قد يكون من الصعب الحفاظ على الوحدة في مواجهة هذه الخلافات.
أهمية الكنائس المستمرة
على الرغم من التحديات التي تواجهها، تلعب الكنائس المستمرة دورًا مهمًا في المشهد المسيحي. فهي توفر ملاذًا للمسيحيين الذين يشعرون أنهم لا يستطيعون البقاء في كنائسهم الأم بسبب الخلافات اللاهوتية أو الليتورجية أو الأخلاقية. تسعى الكنائس المستمرة إلى الحفاظ على التقاليد المسيحية الأصيلة وتقديم بديل للمسيحيين الذين يبحثون عن كنيسة تلتزم بعقيدتهم وقيمهم.
من خلال الحفاظ على وجهات نظر لاهوتية تقليدية، تساهم الكنائس المستمرة في الحفاظ على التنوع اللاهوتي داخل المسيحية. كما أنها توفر صوتًا بديلاً في المناقشات حول القضايا الأخلاقية والاجتماعية، وغالبًا ما تتحدى التوجهات الثقافية السائدة.
مستقبل الكنائس المستمرة
مستقبل الكنائس المستمرة غير مؤكد. ومع ذلك، فمن الواضح أن هناك حاجة مستمرة إلى الكنائس التي تقدم بديلًا للمسيحيين الذين يشعرون أنهم لا يستطيعون البقاء في كنائسهم الأم. طالما استمرت الخلافات اللاهوتية والليتورجية والأخلاقية في تقسيم الكنائس المسيحية، فمن المرجح أن تستمر الكنائس المستمرة في الوجود والنمو.
مع استمرار الكنائس المسيحية الرئيسية في التطور والتغير، قد تجد الكنائس المستمرة نفسها في وضع فريد لجذب المسيحيين الذين يبحثون عن الاستقرار والتقاليد والالتزام بالعقيدة المسيحية التاريخية. ومع ذلك، ستحتاج هذه الكنائس أيضًا إلى التكيف مع الظروف المتغيرة، مثل التغيرات الديموغرافية والتحولات الثقافية، من أجل البقاء ذات صلة وفعالية.
خاتمة
الكنائس المستمرة هي تسميات مسيحية تنشأ استجابة للانقسامات داخل الطوائف القائمة. إنها تسعى إلى الحفاظ على التقاليد المسيحية الأصيلة وتقديم بديل للمسيحيين الذين يشعرون أنهم لا يستطيعون البقاء في كنائسهم الأم. على الرغم من التحديات التي تواجهها، تلعب الكنائس المستمرة دورًا مهمًا في المشهد المسيحي، ومن المرجح أن تستمر في الوجود والنمو في المستقبل.