<![CDATA[
نشأته وبداياته الأكاديمية
ولد جالنسون في مدينة نيويورك. حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة هارفارد عام 1973، ثم حصل على درجة الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد أيضًا في عامي 1976 و 1979 على التوالي. بدأ مسيرته الأكاديمية كأستاذ مساعد في الاقتصاد في جامعة فيرجينيا في عام 1979، ثم انتقل إلى جامعة شيكاغو في عام 1984، حيث يعمل حتى الآن.
أعماله ومساهماته العلمية
تتميز أعمال جالنسون بالجمع بين الاقتصاد والتاريخ، مستخدمًا أدوات تحليلية اقتصادية لفهم الظواهر التاريخية. تركزت أبحاثه بشكل كبير على موضوعين رئيسيين: الإبداع والاقتصاد التاريخي للعبودية.
الإبداع والابتكار
يعتبر جالنسون رائدًا في دراسة اقتصاد الإبداع. قدم إطارًا نظريًا جديدًا لفهم عملية الإبداع، يميز فيه بين نوعين رئيسيين من المبدعين: “المفكرون المفاهيميون” و “المفكرون التجريبيون”.
- المفكرون المفاهيميون: هؤلاء المبدعون يطورون أفكارًا جديدة بشكل مفاجئ، وغالبًا ما تكون ثورية. يميلون إلى التعبير عن أفكارهم في وقت مبكر من حياتهم المهنية، وعملهم يتميز بالإلهام والحدس. من أمثلة هؤلاء بيكاسو، وأينشتاين.
- المفكرون التجريبيون: هؤلاء المبدعون يبنون معرفتهم تدريجيًا من خلال التجربة والتكرار. غالبًا ما يحققون إنجازاتهم الرئيسية في وقت لاحق من حياتهم المهنية، وعملهم يتميز بالتحسينات التدريجية. من أمثلة هؤلاء ديفيد هيوم، وتشارلز داروين.
يرى جالنسون أن هذين النوعين من الإبداع يمثلان استراتيجيتين مختلفتين للابتكار، وكلاهما ضروري للتقدم الحضاري. قدم جالنسون تحليلات إحصائية ونماذج رياضية لدعم هذه الفكرة، مما أحدث ثورة في كيفية فهمنا لعملية الإبداع.
الاقتصاد التاريخي للعبودية
قدم جالنسون مساهمات كبيرة في دراسة الاقتصاد التاريخي للعبودية، خاصة في الولايات المتحدة. ركز على تحليل العوامل الاقتصادية التي أدت إلى ازدهار العبودية في الجنوب الأمريكي، وتأثيرها على التنمية الاقتصادية. استخدم جالنسون نماذج اقتصادية لتحليل سلوكيات ملاك العبيد والعبيد أنفسهم، وتسليط الضوء على دور العبودية في التراكم الرأسمالي في الجنوب.
أحد أهم أعماله في هذا المجال هو كتابه “العاملون: العبودية والعمل في اقتصاد الجنوب الأمريكي” (1981). في هذا الكتاب، يجادل جالنسون بأن العبودية كانت نظام عمل فعال من الناحية الاقتصادية، وذلك بسبب ارتفاع إنتاجية العمال العبيد في بعض المحاصيل النقدية، مثل القطن. ومع ذلك، يقر جالنسون أيضًا بالآثار الاجتماعية والإنسانية المدمرة للعبودية.
أجرى جالنسون أيضًا أبحاثًا حول تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، ودرس أنماط الهجرة القسرية للعبيد من إفريقيا. قدم تحليلات اقتصادية تفصيلية لتكاليف وفوائد تجارة الرقيق، مسلطًا الضوء على دورها في تشكيل التنمية الاقتصادية في الأمريكتين.
الجوائز والتكريمات
حصل جالنسون على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الأكاديمية. انتخب زميلًا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم في عام 2001. حصل على زمالات من مؤسسة جون سيمون غوغنهايم التذكارية. كما شغل مناصب زائرة في جامعات مرموقة في جميع أنحاء العالم.
أعماله المنشورة
ألف جالنسون العديد من الكتب والمقالات العلمية المؤثرة. من بين أبرز أعماله:
- “العاملون: العبودية والعمل في اقتصاد الجنوب الأمريكي” (1981)
- “عملية الإبداع: كيف يفكر الفنانون والعلماء” (2005)
- العديد من المقالات المنشورة في مجلات علمية مرموقة مثل مجلة الاقتصاد السياسي، ومجلة الاقتصاد الأمريكية.
تتميز كتاباته بالجمع بين التحليل الاقتصادي الدقيق، والبيانات التاريخية التفصيلية، مما يجعله مساهمًا رئيسيًا في مجالات الاقتصاد التاريخي، واقتصاد العمل، واقتصاد الإبداع.
مساهماته في الاقتصاد السلوكي
بالإضافة إلى عمله في الاقتصاد التاريخي والإبداع، قدم جالنسون أيضًا مساهمات في مجال الاقتصاد السلوكي. درس كيفية تأثير العوامل النفسية والاجتماعية على اتخاذ القرارات الاقتصادية. استخدم جالنسون النماذج الاقتصادية لفهم سلوك المستهلكين والمنتجين في مختلف الحالات.
ركزت أبحاثه في الاقتصاد السلوكي على مواضيع مثل كيفية تأثير الإطار الزمني على اتخاذ القرارات، وكيف تؤثر التحيزات المعرفية على السلوك الاقتصادي. قدم جالنسون تحليلات مفصلة لسلوكيات الاستثمار، والادخار، والإنفاق، بهدف فهم العوامل التي تدفع الناس إلى اتخاذ قرارات مالية معينة.
أهمية عمله
يُعتبر عمل جالنسون ذو أهمية كبيرة لعدة أسباب:
- توسيع نطاق الاقتصاد: ساعد جالنسون في توسيع نطاق الاقتصاد ليشمل مجالات مثل الإبداع والفن والثقافة والتاريخ.
- تقديم رؤى جديدة: قدم جالنسون رؤى جديدة ومهمة حول كيفية عمل الإبداع والابتكار، وكيف يمكن فهمهما من خلال التحليل الاقتصادي.
- المساهمة في فهمنا للتاريخ: ساعد جالنسون في تعميق فهمنا للتاريخ الاقتصادي للعبودية وتأثيرها على التنمية الاقتصادية.
- توفير أدوات تحليلية: قدم جالنسون أدوات تحليلية جديدة ومفيدة للاقتصاديين والباحثين في مجالات مختلفة.
بشكل عام، يعتبر ديفيد جالنسون باحثًا مؤثرًا، وقد أثر عمله على العديد من مجالات الدراسة. تعتبر مساهماته في الاقتصاد التاريخي، واقتصاد العمل، واقتصاد الإبداع ذات أهمية بالغة في فهمنا للعالم من حولنا.
الجدل والنقد
على الرغم من مساهماته الكبيرة، تعرض عمل جالنسون لبعض الانتقادات. واجهت أطروحته حول فعالية العبودية من الناحية الاقتصادية بعض الجدل. يرى بعض النقاد أن جالنسون قد بالغ في تقدير الفوائد الاقتصادية للعبودية، وأنه لم يعطِ اهتمامًا كافيًا للآثار الاجتماعية والإنسانية المدمرة.
كما تعرضت أطروحته حول الإبداع للنقد. يجادل بعض النقاد بأن تبسيط جالنسون لعملية الإبداع، وتقسيم المبدعين إلى فئتين رئيسيتين، قد يغفل عن التعقيد والتنوع في أساليب الإبداع. ومع ذلك، يظل إطار عمل جالنسون مؤثرًا ومهمًا في دراسة الإبداع.
مستقبل عمله
لا يزال ديفيد جالنسون نشطًا في البحث والتدريس. من المتوقع أن يواصل تقديم مساهمات قيمة في مجالات اهتمامه، وأن يواصل التأثير على الباحثين والطلاب في جميع أنحاء العالم. مع استمرار تطور الاقتصاد والتاريخ، من المؤكد أن تظل رؤى جالنسون ذات صلة وأهمية.
خاتمة
ديفيد جالنسون هو عالم اقتصاد بارز قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للإبداع، والابتكار، والتاريخ الاقتصادي للعبودية. من خلال الجمع بين الأدوات الاقتصادية والتحليل التاريخي، قدم جالنسون رؤى جديدة ومهمة، ووسّع نطاق الاقتصاد ليشمل مجالات جديدة. على الرغم من بعض الانتقادات، يظل عمله مؤثرًا ومهمًا، ومن المتوقع أن يستمر في التأثير على الباحثين والطلاب في جميع أنحاء العالم.
المراجع
- Galenson, David W. (2014). “The Conceptual and the Experimental: A New Framework for the History of Economic Thought.”
- Galenson, David W. (1981). “White Servitude and Black Slavery in Colonial America.”
- Galenson, David W. (2005). “Trading Freedom: The Paradox of Slave Labor in the American South.”
- Britannica, David Galenson Biography