حياته
ولد أناكسيماندر في ميليتوس (باليونانية: Μίλητος)، وهي مدينة أيونية على الساحل الغربي لآسيا الصغرى (تركيا الحديثة). عاش في القرن السادس قبل الميلاد، ويُعتقد أنه كان أصغر من طاليس، الذي كان يُعتبر مؤسس مدرسة ميليتوس الفلسفية. لا يُعرف الكثير عن حياة أناكسيماندر، لكن يُعتقد أنه كان شخصية بارزة في مجتمعه. تشير بعض المصادر إلى أنه قاد مستعمرة ميليتوس إلى أبولونيا على البحر الأسود.
أعماله الفلسفية
على الرغم من أن كتابات أناكسيماندر لم تنجُ إلا في شظايا قليلة، إلا أن أفكاره كان لها تأثير عميق على الفلسفة والعلوم اللاحقة. يُنسب إليه العديد من الابتكارات والاكتشافات، بما في ذلك:
- الأبيرون (Apeiron): كان أناكسيماندر أول فيلسوف يقترح مبدأً غير محدود وغير محدد باعتباره أصل كل الأشياء. أطلق على هذا المبدأ اسم “الأبيرون”، والذي يُترجم غالبًا إلى “اللامحدود” أو “اللامتناهي”.
- علم الكونيات: قدم أناكسيماندر نموذجًا مبكرًا للكون يختلف اختلافًا كبيرًا عن التفسيرات الأسطورية السائدة. تصور الأرض على أنها أسطوانة معلقة في مركز الكون، محاطة بكرات من النار والنجوم.
- خريطة العالم: يُنسب إلى أناكسيماندر أنه أول من رسم خريطة للعالم. على الرغم من أن هذه الخريطة لم تنجُ، إلا أن المصادر القديمة تصفها بأنها تصور العالم المعروف في ذلك الوقت، بما في ذلك أوروبا وآسيا وليبيا (أفريقيا).
- التطور: اقترح أناكسيماندر فكرة مثيرة للدهشة مفادها أن الحياة نشأت في الماء وأن البشر تطوروا من حيوانات أخرى.
الأبيرون
الأبيرون هو المفهوم المركزي في فلسفة أناكسيماندر. إنه مبدأ غير محدود وغير محدد وغير قابل للتدمير يعتبر أصل كل الأشياء. يعتقد أناكسيماندر أن العالم لا يمكن أن ينشأ من مادة محددة، مثل الماء (كما اقترح طاليس)، لأن المواد المحددة ستتفاعل في النهاية مع بعضها البعض وتدمر بعضها البعض. بدلاً من ذلك، يجب أن ينشأ العالم من مبدأ غير محدود وغير قابل للتدمير يمكنه إنتاج جميع المواد المحددة دون استنفاد نفسه.
يصف أناكسيماندر الأبيرون بأنه “أصل الأشياء الموجودة، والأشياء التي تفسد فيها أيضًا، وفقًا للضرورة؛ لأنها تدفع العقاب لبعضها البعض عن ظلمها وفقًا لترتيب الزمن”. تشير هذه العبارة الغامضة إلى أن الأبيرون هو مصدر كل الوجود، وأنه أيضًا مسؤول عن الحفاظ على التوازن في الكون. عندما تسيطر مادة محددة على أخرى، فإنها ترتكب “ظلمًا”. في النهاية، ستتم معاقبة هذه المادة من خلال عودتها إلى الأبيرون، مما يسمح لمادة أخرى بالظهور والسيطرة.
علم الكونيات
قدم أناكسيماندر نموذجًا جديدًا للكون يختلف اختلافًا كبيرًا عن التفسيرات الأسطورية السائدة. تصور الأرض على أنها أسطوانة معلقة في مركز الكون، لا تدعمها أي شيء. يعتقد أن الأرض بقيت في مكانها لأنها كانت على مسافة متساوية من جميع الأشياء الأخرى في الكون.
وفقًا لأناكسيماندر، كانت الأرض محاطة بكرات من النار والنجوم. كانت النجوم عبارة عن فتحات في الكرة النارية تسمح لنا برؤية النار من الداخل. كان للشمس والقمر أيضًا فتحات، لكنها كانت أصغر من فتحات النجوم. اعتقد أن الشمس كانت أبعد من القمر، والنجوم أبعد من الشمس.
اقترح أناكسيماندر أيضًا أن الكون يخضع لدورة مستمرة من الخلق والتدمير. تتشكل عوالم جديدة من الأبيرون، وتستمر لفترة من الزمن، ثم تتحلل في النهاية وتعود إلى الأبيرون. هذه الدورة مستمرة إلى الأبد.
التطور
اقترح أناكسيماندر فكرة مثيرة للدهشة مفادها أن الحياة نشأت في الماء وأن البشر تطوروا من حيوانات أخرى. اعتقد أن الحيوانات الأولى ولدت في الماء، وكانت مغطاة بقشور شائكة. عندما نضجت هذه الحيوانات، انتقلت إلى الأرض وتخلصت من قشورها.
يعتقد أناكسيماندر أن البشر تطوروا من الأسماك. لقد استنتج أن الأطفال حديثي الولادة يحتاجون إلى فترة طويلة من الرعاية، وإلا فإنهم سيموتون. لذلك، يجب أن يكون البشر قد تطوروا من حيوانات يمكنها حماية صغارها لفترة طويلة. اعتقد أن الأسماك هي المرشح المثالي، لأنها تعيش في الماء ويمكنها حماية صغارها داخل أجسامها.
تأثيره
كان لأناكسيماندر تأثير عميق على الفلسفة والعلوم اللاحقة. كان من أوائل الفلاسفة الذين حاولوا تفسير الظواهر الطبيعية دون اللجوء إلى التفسيرات الأسطورية. قدم العديد من الابتكارات والاكتشافات، بما في ذلك مفهوم الأبيرون، ونموذج جديد للكون، وفكرة التطور.
أثرت أفكار أناكسيماندر على العديد من الفلاسفة والعلماء اللاحقين، بما في ذلك فيثاغورس، وإيمبيدوكليس، وديموقريطس، وأرسطو. يعتبر أحد أهم الفلاسفة ما قبل سقراط.
أقوال منسوبة إليه
على الرغم من أن القليل جدًا من كتابات أناكسيماندر الأصلية نجا، إلا أن بعض الأقوال تُنسب إليه من خلال مصادر لاحقة. من بين هذه الأقوال:
- “الأصل اللانهائي للأشياء الموجودة هو أيضًا ما تدخل إليه الأشياء عندما تتحلل”.
- “الأرض لها شكل أسطواني”.
- “من أين تأتي الأشياء، هناك أيضًا فسادها، وفقًا للضرورة؛ لأنها تدفع العقاب لبعضها البعض عن ظلمها وفقًا لترتيب الزمن”.
خاتمة
أناكسيماندر هو أحد أهم الفلاسفة ما قبل سقراط. قدم مساهمات كبيرة في الفلسفة والعلوم، بما في ذلك مفهوم الأبيرون، ونموذج جديد للكون، وفكرة التطور. أثرت أفكاره على العديد من الفلاسفة والعلماء اللاحقين، ويظل عمله ذا صلة حتى اليوم.