نشأته وتعليمه
ولد باري مايلز في سيربيتون، سري، إنجلترا. تلقى تعليمه في مدرسة كينغستون النحوية، حيث أظهر اهتمامًا مبكرًا بالأدب والفن. بعد الانتهاء من دراسته الثانوية، التحق بكلية ريد في بورتلاند، أوريغون، في الولايات المتحدة، حيث درس الأدب الإنجليزي. هذه الفترة في الولايات المتحدة كان لها تأثير كبير على رؤيته الفكرية والثقافية، حيث تعرض لأفكار جديدة وحركات فنية مختلفة.
دوره في حركة الثقافة المضادة
عاد مايلز إلى لندن في منتصف الستينيات، وهي فترة كانت تشهد فيها المدينة تحولات ثقافية واجتماعية كبيرة. انخرط بسرعة في المشهد الفني والأدبي الناشئ، وأصبح جزءًا من مجموعة من الفنانين والكتاب والموسيقيين الذين سعوا إلى تحدي الأعراف التقليدية واستكشاف أشكال جديدة من التعبير. كان مايلز قريبًا من العديد من الشخصيات البارزة في هذه الحركة، بما في ذلك الشعراء والكتاب والفنانين التشكيليين والموسيقيين.
أحد أبرز مساهمات مايلز في حركة الثقافة المضادة كانت تأسيسه لمكتبة انديكا (Indica Gallery) مع جون دنبار وبيتر آشر. افتتحت المكتبة في عام 1965 وسرعان ما أصبحت مركزًا حيويًا للفنون والثقافة البديلة في لندن. استضافت المكتبة معارض فنية وعروضًا شعرية ومحاضرات وفعاليات أخرى، مما ساهم في تعزيز الحوار والتفاعل بين الفنانين والجمهور. لعبت يوكو أونو دورًا مهمًا في هذه المكتبة قبل لقائها بجون لينون.
بالإضافة إلى مكتبة انديكا، شارك مايلز في تأسيس صحيفة “انترناشونال تايمز” (International Times)، وهي صحيفة بديلة لعبت دورًا هامًا في نشر أفكار الثقافة المضادة وتقديم تغطية للأحداث والمواضيع التي لم تكن تحظى باهتمام كبير في وسائل الإعلام التقليدية. كانت الصحيفة منبرًا للأصوات الشابة والمهمشة، وساهمت في تشكيل الرأي العام حول قضايا مثل السلام والحقوق المدنية وحماية البيئة.
كتاباته ومؤلفاته
اشتهر باري مايلز بشكل خاص بكتاباته ومؤلفاته التي توثق تاريخ الثقافة المضادة في الستينيات وما بعدها. كتب العديد من الكتب التي تناولت حياة وأعمال شخصيات بارزة في هذه الحركة، بالإضافة إلى دراسات تحليلية حول الظواهر الثقافية والاجتماعية التي ميزت تلك الفترة. من أبرز مؤلفاته:
- “مذكرات الستينيات” (The Sixties: Years of Hope, Days of Rage): يعتبر هذا الكتاب مرجعًا شاملاً لتاريخ الستينيات، حيث يقدم صورة مفصلة للأحداث والشخصيات والأفكار التي شكلت تلك الحقبة. يعتمد الكتاب على مصادر متنوعة، بما في ذلك المقابلات والوثائق الأرشيفية، ويتميز بأسلوبه السردي الشيق والتحليلي العميق.
- “بول مكارتني: سنوات عديدة من الآن” (Paul McCartney: Many Years From Now): سيرة ذاتية معتمدة لبول مكارتني، عضو فريق البيتلز الشهير. يقدم الكتاب نظرة حميمة على حياة مكارتني وأعماله الموسيقية، ويتضمن مقابلات حصرية مع مكارتني وأفراد عائلته وأصدقائه.
- “وليام بوروز: رفيق مصور” (William Burroughs: A Pictorial Companion): دراسة مصورة لحياة وأعمال الكاتب الأمريكي وليام بوروز، أحد أبرز رموز حركة “الجيل الضائع” (Beat Generation). يقدم الكتاب تحليلاً لأعمال بوروز الأدبية والفنية، ويتضمن صورًا نادرة ووثائق أخرى تلقي الضوء على حياته وشخصيته.
- “جاك كيرواك: ملك الدقات” (Jack Kerouac: King of the Beats): سيرة ذاتية للكاتب الأمريكي جاك كيرواك، مؤلف رواية “على الطريق” (On the Road) التي تعتبر من أهم أعمال أدب “الجيل الضائع”. يتناول الكتاب حياة كيرواك الشخصية والأدبية، ويحلل تأثير أعماله على الثقافة الأمريكية.
- “آلن غينسبيرغ: حياة” (Allen Ginsberg: A Biography): سيرة ذاتية للشاعر الأمريكي آلن غينسبيرغ، أحد أبرز رموز حركة “الجيل الضائع” والشعر الحديث. يقدم الكتاب نظرة شاملة على حياة غينسبيرغ وأعماله الشعرية، ويتناول قضايا مثل المثلية الجنسية والسياسة والروحانية.
بالإضافة إلى هذه الكتب، كتب مايلز العديد من المقالات والمراجعات والتقارير التي نشرت في مختلف الصحف والمجلات. كما شارك في إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية التي تناولت مواضيع تتعلق بالثقافة المضادة والفن والموسيقى.
تأثيره وإرثه
ترك باري مايلز بصمة واضحة على المشهد الثقافي والأدبي في إنجلترا والعالم. ساهمت كتاباته ومؤلفاته في توثيق تاريخ الثقافة المضادة والحفاظ على إرثها. كما ألهمت أعماله العديد من الكتاب والفنانين والمثقفين، وساهمت في تشكيل فهم أعمق للتحولات الثقافية والاجتماعية التي شهدها العالم في القرن العشرين.
يعتبر مايلز مرجعًا هامًا للباحثين والطلاب المهتمين بدراسة تاريخ الثقافة المضادة والفن والموسيقى والأدب في الستينيات وما بعدها. تظل أعماله ذات أهمية كبيرة في فهم السياق التاريخي والثقافي الذي نشأت فيه العديد من الحركات الفنية والفكرية المعاصرة.
حياته الشخصية
يعيش باري مايلز حاليًا في لندن، حيث يواصل الكتابة والمشاركة في الفعاليات الثقافية. تزوج مايلز عدة مرات ولديه أطفال. يظل نشطًا في الأوساط الأدبية والفنية، ويشارك في المناقشات والحوارات حول القضايا الثقافية والاجتماعية المعاصرة.
الجوائز والتكريمات
حصل باري مايلز على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لمساهماته في مجال الكتابة والثقافة. من بين هذه الجوائز:
- جائزة أفضل كتاب عن الموسيقى عن كتابه “بول مكارتني: سنوات عديدة من الآن”.
- جائزة الإنجاز مدى الحياة من مجلة “موجو” (Mojo) تقديرًا لمساهماته في مجال الكتابة عن الموسيقى.
تعتبر هذه الجوائز والتكريمات اعترافًا بأهمية أعمال مايلز وتأثيرها على الثقافة والمجتمع.
خاتمة
باري مايلز هو مؤلف ومؤرخ بارز، لعب دورًا حاسمًا في توثيق وفهم الثقافة المضادة في الستينيات. من خلال كتاباته ومشاركته في تأسيس مؤسسات ثقافية مهمة، ساهم في تشكيل المشهد الفني والأدبي في عصره. يظل إرثه حيًا حتى اليوم، حيث تستمر أعماله في إلهام الباحثين والفنانين والمثقفين حول العالم.