نساء يخلقن (Mujeres Creando)

خلفية وتأسيس

شهدت بوليفيا في أوائل التسعينيات فترة من التحولات السياسية والاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على حياة المواطنين، وخاصة النساء. في ظل هذه الظروف، أدركت ماريا غاليوندو، مع مجموعة من النساء الأخريات، الحاجة إلى صوت نسوي قوي ومستقل قادر على معالجة القضايا الاجتماعية الملحة، وتحديداً تلك التي تؤثر على النساء المهمشات. كان الهدف الأساسي هو بناء حركة نسوية قادرة على تجاوز القيود المفروضة على الحركات النسوية التقليدية، والعمل بشكل مباشر على تغيير الواقع المعيشي للنساء.

تأسس “نساء يخلقن” على مبادئ الفوضوية، التي تؤمن بالحرية الفردية، والمساواة، والعمل المباشر. يعكس هذا النهج رؤية واضحة لرفض الهياكل السلطوية التقليدية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. يعتمد التجمع على التنظيم الذاتي، والتضامن المتبادل، واتخاذ القرارات بالإجماع. هذا النموذج التنظيمي يسمح للمشاركات بالمشاركة الفعالة في جميع جوانب العمل، ويعزز الشعور بالملكية والمسؤولية الجماعية.

أهداف وأنشطة

تتركز أهداف “نساء يخلقن” على عدة محاور رئيسية:

مكافحة الفقر: من خلال توفير الدعم المادي والمعنوي للنساء المهمشات، وتدريبهم على المهارات اللازمة لتحقيق الاستقلال المالي.
مناهضة العنف ضد المرأة: من خلال توعية المجتمع حول قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتقديم الدعم للناجيات.
الدفاع عن حقوق الإنسان: من خلال المشاركة في النضالات من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، والتصدي للتمييز والظلم بجميع أشكاله.
تعزيز الوعي النسوي: من خلال تنظيم ورش العمل، والندوات، والمؤتمرات التي تهدف إلى تثقيف النساء حول قضايا النوع الاجتماعي، والتمكين، والقيادة.

يقوم التجمع بتنفيذ مجموعة متنوعة من الأنشطة لتحقيق هذه الأهداف. وتشمل هذه الأنشطة:

المطبخ الجماعي: حيث يتم توفير وجبات غذائية صحية للنساء والأطفال في الأحياء الفقيرة.
ورش العمل التدريبية: التي تهدف إلى تزويد النساء بالمهارات اللازمة للحصول على فرص عمل وتحسين أوضاعهن الاقتصادية.
مراكز الدعم النفسي: التي تقدم الدعم النفسي والعاطفي للناجيات من العنف.
الحملات الإعلامية والتوعوية: التي تهدف إلى رفع الوعي حول قضايا النوع الاجتماعي، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية.
المشاركة في الاحتجاجات والمظاهرات: للتعبير عن التضامن مع الحركات الاجتماعية، والمطالبة بالتغيير.
إنتاج الفن والثقافة: يستخدم التجمع الفن والثقافة كوسيلة للتعبير عن القضايا النسوية، وتحدي الأعراف الاجتماعية السائدة. يشمل ذلك المسرح، والموسيقى، والفنون البصرية، والكتابة.

الفكر والمنهجية

يتميز “نساء يخلقن” بمنهجية فريدة تجمع بين الفكر النسوي الفوضوي والعمل الميداني. يعتمد التجمع على مجموعة من المبادئ الأساسية:

الفوضوية: باعتبارها إطاراً نظرياً وعملياً للتحرر من جميع أشكال السلطة والسيطرة.
العمل المباشر: كأداة رئيسية لتحقيق التغيير الاجتماعي، من خلال المشاركة الفعالة في القضايا التي تؤثر على حياة النساء.
النسوية التقاطعية: التي تأخذ في الاعتبار التقاطع بين القضايا الاجتماعية المختلفة، مثل العرق، والطبقة، والتوجه الجنسي، والدين.
المرأة كصانعة للتغيير: يؤمن التجمع بقدرة النساء على قيادة التغيير الاجتماعي، وتحقيق العدالة والمساواة.
رفض المؤسسات الرسمية: يفضل التجمع العمل خارج إطار المؤسسات الرسمية، والتركيز على بناء مجتمعات بديلة تقوم على مبادئ التضامن والتعاون.

يسعى “نساء يخلقن” إلى بناء مجتمع بديل يقوم على مبادئ المساواة، والعدالة، والحرية. من خلال العمل الجماعي، والوعي الذاتي، والتمكين، تسعى النساء إلى تغيير الواقع المعيشي، وتحقيق التحرر الكامل من جميع أشكال الظلم.

التحديات والإنجازات

واجه “نساء يخلقن” العديد من التحديات منذ تأسيسه. وتشمل هذه التحديات:

الضغوط السياسية: تعرض التجمع للعديد من الهجمات من قبل السلطات الحكومية بسبب مواقفه السياسية الجريئة.
الموارد المالية المحدودة: يعتمد التجمع بشكل كبير على التبرعات والتمويل الذاتي، مما يحد من قدرته على تنفيذ المشاريع على نطاق واسع.
الصراعات الداخلية: مثل أي حركة اجتماعية، واجه التجمع صراعات داخلية حول الرؤية، والاستراتيجيات، والقيادة.
المقاومة المجتمعية: واجه التجمع مقاومة من بعض أفراد المجتمع، الذين يرفضون رؤية التغيير الاجتماعي الذي يطالب به.

على الرغم من هذه التحديات، حقق “نساء يخلقن” العديد من الإنجازات الهامة:

تمكين النساء: ساعد التجمع آلاف النساء على تحقيق الاستقلال المالي، وتعزيز الثقة بالنفس، والمشاركة الفعالة في المجتمع.
رفع الوعي: ساهم التجمع في رفع الوعي حول قضايا النوع الاجتماعي، والعنف ضد المرأة، وحقوق الإنسان في بوليفيا.
تغيير المواقف المجتمعية: نجح التجمع في تغيير بعض المواقف المجتمعية السلبية تجاه النساء.
بناء شبكات الدعم: قام التجمع ببناء شبكات دعم قوية للنساء، من خلال توفير الدعم النفسي، والاجتماعي، والقانوني.
الإلهام العالمي: ألهمت تجربة “نساء يخلقن” الحركات النسوية في جميع أنحاء العالم، وأصبحت نموذجاً للعمل الجماعي الذي يركز على تحقيق التغيير الاجتماعي الجذري.

التأثير والانتشار

تجاوز تأثير “نساء يخلقن” حدود بوليفيا، وأصبح معروفاً على نطاق واسع في أمريكا اللاتينية والعالم. يشارك التجمع في العديد من الشبكات والمنظمات النسوية الدولية، ويعمل على تبادل الخبرات والمعرفة مع الحركات النسوية الأخرى. يعتبر “نساء يخلقن” صوتًا مهمًا للنساء المهمشات في بوليفيا، ويلعب دورًا حاسمًا في النضال من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة.

ينشر التجمع بانتظام أفكاره ورؤاه من خلال وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك الكتب والمقالات والمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي. يساهم هذا الانتشار في نشر الوعي حول قضايا النوع الاجتماعي، وتعزيز التضامن مع الحركات النسوية في جميع أنحاء العالم.

الاستدامة والمستقبل

لكي يضمن “نساء يخلقن” استمرارية عمله، يركز التجمع على بناء القدرات المؤسسية، وتوسيع نطاق عمله، وتطوير استراتيجيات تمويل مستدامة. يعمل التجمع على تعزيز التعاون مع الحركات الاجتماعية الأخرى، وبناء تحالفات جديدة، وتوسيع شبكة الدعم الخاصة به. كما يولي التجمع اهتمامًا خاصًا لتدريب الأجيال الجديدة من الناشطات، لضمان استمرار رسالته وأهدافه.

يسعى “نساء يخلقن” إلى مواصلة دوره كقوة دافعة للتغيير الاجتماعي في بوليفيا، والعمل على تحقيق مجتمع أكثر عدالة ومساواة. من خلال العمل الجماعي، والتضامن، والإيمان بالقدرة على تغيير العالم، يواصل التجمع إلهام النساء والرجال على حد سواء للنضال من أجل عالم أفضل.

خاتمة

يمثل “نساء يخلقن” نموذجًا رائدًا للحركة النسوية في أمريكا اللاتينية. من خلال الجمع بين الفكر النسوي الفوضوي والعمل الميداني، تمكن التجمع من تحقيق إنجازات كبيرة في مجال تمكين المرأة، ومكافحة الفقر، والدفاع عن حقوق الإنسان. يواصل “نساء يخلقن” العمل على تحقيق مجتمع أكثر عدالة ومساواة، ويظل مصدر إلهام للحركات النسوية في جميع أنحاء العالم.

المراجع

“`