<![CDATA[
نشأته وبداياته المهنية
ولد فيليكس بريسارت في إيلغاف، وهي مدينة تقع في بروسيا الشرقية (الآن في بولندا). بدأ شغفه بالتمثيل في سن مبكرة، وبدأ التدرب في المسارح الألمانية. ظهر لأول مرة على المسرح في أوائل العشرينيات من عمره، وسرعان ما اكتسب شهرة لموهبته الطبيعية وقدرته على التواصل مع الجمهور.
في بداية حياته المهنية، عمل بريسارت في عدد من المسارح في جميع أنحاء ألمانيا، حيث أتقن حرفته وطور أسلوب تمثيله المميز. اشتهر بقدرته على أداء مجموعة واسعة من الأدوار، من الكوميديا إلى التراجيديا، مما جعله ممثلاً مطلوبًا للغاية.
الانتقال إلى السينما وأعماله المبكرة
بدأ بريسارت مسيرته السينمائية في عشرينيات القرن العشرين، وظهر في عدد من الأفلام الصامتة الألمانية. مع صعود السينما الناطقة، وجد بريسارت نفسه يتمتع بميزة إضافية، حيث كان صوته الرخيم ولهجته الألمانية المميزة مناسبة تمامًا للسينما. استمر في العمل بجدية في ألمانيا، وأثبت نفسه كممثل سينمائي رائد.
أحد أبرز أفلامه في تلك الفترة كان “المرأة على القمر” (Frau im Mond) عام 1929، وهو فيلم خيال علمي صامت أخرجه فريتز لانغ. لعب بريسارت دورًا داعمًا في هذا الفيلم، مما ساعد على ترسيخ مكانته في السينما الألمانية.
صعود النازية ورحلة إلى المنفى
مع صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا في عام 1933، أصبح الوضع صعبًا بشكل متزايد للفنانين اليهود مثل بريسارت. بسبب أصوله اليهودية، تم منعه تدريجياً من العمل في السينما الألمانية. نتيجة لذلك، أُجبر على الفرار من ألمانيا بحثًا عن حياة جديدة.
غادر بريسارت ألمانيا أولاً إلى باريس، حيث واصل العمل في الأفلام الفرنسية. ومع ذلك، مع اقتراب الحرب العالمية الثانية، أصبح من الواضح أن عليه أن يجد ملاذًا آمنًا آخر. في عام 1937، هاجر بريسارت إلى الولايات المتحدة.
مسيرته في هوليوود
وصل بريسارت إلى هوليوود في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، وبدأ مسيرته المهنية في السينما الأمريكية. على الرغم من أنه بدأ من جديد، إلا أن موهبته وسحره سرعان ما لفت انتباه صانعي الأفلام. كان لديه القدرة على تجسيد مجموعة واسعة من الشخصيات، غالبًا ما كان يؤدي أدوارًا مساعدة، لكنه ترك بصمة لا تمحى على كل فيلم شارك فيه.
ظهر بريسارت في عدد كبير من الأفلام خلال فترة وجوده في هوليوود. غالبًا ما كان يؤدي دور الرجل الحكيم، أو الأب الحنون، أو حتى الشرير الماكر. من بين أبرز أفلامه في هذه الفترة: “نيتشكا” (Ninotchka) عام 1939 مع غريتا غاربو، و”متجر على الزاوية” (The Shop Around the Corner) عام 1940 مع جيمس ستيوارت ومارغريت ساليفان، و”كوني أتساءل إلى أين ذهب كل هذا” (I Wonder Where I Got This) عام 1944، و”الرجل الذي أتى للعشاء” (The Man Who Came to Dinner) عام 1942. لعب دورًا بارزًا في العديد من الأفلام الأخرى، غالبًا ما كان يضيف لمسة من الرقي والفكاهة إلى كل مشهد.
أعماله البارزة
تميزت مسيرة بريسارت بالعديد من الأعمال البارزة التي أظهرت تنوعه كممثل. بعض من أبرز أفلامه تشمل:
- نيتشكا (Ninotchka) (1939): في هذا الفيلم الكوميدي الرومانسي الكلاسيكي، لعب بريسارت دورًا داعمًا كأحد رفاق النبلاء الروس.
- متجر على الزاوية (The Shop Around the Corner) (1940): أدى بريسارت دورًا لا يُنسى في هذه الكوميديا الرومانسية، التي تدور أحداثها في متجر هدايا في بودابست.
- الرجل الذي أتى للعشاء (The Man Who Came to Dinner) (1942): لعب بريسارت دورًا رئيسيًا في هذه الكوميديا المضحكة، التي استندت إلى مسرحية.
- كوني أتساءل إلى أين ذهب كل هذا (I Wonder Where I Got This) (1944): في هذا الفيلم الكوميدي الموسيقي، أظهر بريسارت قدرته على الغناء والتمثيل في وقت واحد.
بالإضافة إلى هذه الأفلام، ظهر بريسارت في عدد من المسرحيات التلفزيونية والإذاعية خلال الأربعينيات من القرن العشرين، مما عزز سمعته كممثل متعدد المواهب.
أسلوبه في التمثيل
كان أسلوب تمثيل بريسارت يتميز بالدقة والذكاء. كان لديه القدرة على إضفاء الحيوية على الشخصيات المعقدة، مع الحفاظ على جاذبية طبيعية. سواء كان يلعب دورًا كوميديًا أو دراميًا، فقد كان دائمًا يلتزم بالشخصية التي يؤديها، ويضيف عمقًا وواقعية إلى أدائه.
تمتع بريسارت بحس فكاهة فطري، والذي استخدمه ببراعة في العديد من أدواره. كان قادرًا على تقديم النكتة والكوميديا بأسلوب طبيعي وسهل، مما جعله ممثلاً محبوبًا لدى الجمهور. في الوقت نفسه، كان لديه القدرة على نقل المشاعر العميقة، مما سمح له بالتواصل مع المشاهدين على مستوى عاطفي.
إرثه وتأثيره
ترك فيليكس بريسارت إرثًا دائمًا كأحد الممثلين الأكثر موهبة وتنوعًا في عصره. على الرغم من أنه لم يحصل على النجومية المطلقة، إلا أن مساهماته في السينما والمسرح كانت كبيرة. أثبت أنه يمكن للممثلين اليهود أن ينجحوا في هوليوود، حتى في مواجهة التمييز والصعوبات.
ألهم بريسارت العديد من الممثلين الآخرين، وأظهر أن الموهبة الحقيقية يمكن أن تتجاوز الحدود الثقافية واللغوية. كان مثالاً يحتذى به للممثلين الذين يسعون إلى تحقيق النجاح في صناعة الترفيه، على الرغم من التحديات. لا يزال عمله يُحتفل به ويُدرس حتى يومنا هذا.
حياته الشخصية
كان بريسارت متزوجًا من الممثلة الألمانية إليزابيث ويلكر. كان زواجهما سعيدًا، وأنجبا طفلًا واحدًا. كان بريسارت شخصًا متواضعًا ومحبًا، واعتز بعائلته وأصدقائه. على الرغم من شهرته، ظل متواضعًا ومخلصًا لعمله.
توفي فيليكس بريسارت في 17 مارس 1949، في هوليوود، كاليفورنيا، عن عمر يناهز 57 عامًا. ترك وراءه إرثًا غنيًا من الأعمال التي لا تزال تثير إعجاب الجمهور حتى اليوم.
الخاتمة
فيليكس بريسارت كان ممثلاً لامعًا ترك بصمة لا تمحى على عالم الترفيه. من بداياته في المسارح الألمانية إلى نجاحه في هوليوود، أظهر بريسارت موهبة استثنائية وقدرة على التكيف مع أدوار مختلفة. على الرغم من التحديات التي واجهها في حياته، بما في ذلك الاضطهاد النازي، إلا أنه استمر في العمل بشغف ونجاح. أدواره في أفلام مثل “نيتشكا” و “متجر على الزاوية” و “الرجل الذي أتى للعشاء” جعلته شخصية محبوبة ومحترمة في صناعة السينما. سيظل إرثه كممثل موهوب ومتعدد الاستخدامات حيًا.