نشأتها وتعليمها
ولدت ماري بالمفورد في فولبورن، كامبريدجشير، في عام 1907. درست في كلية سلايد للفنون الجميلة في لندن من عام 1929 إلى عام 1932. خلال هذه الفترة، تلقت تدريبًا تقليديًا في الرسم والنحت، لكنها بدأت في استكشاف أساليب أكثر تجريدية بعد تعرفها على أعمال فنانين مثل بيت موندريان وخوان جريس.
في عام 1930، التقت ماري بكنث مارتن، وهو أيضًا فنان، وتزوجا في عام 1941. كان زواجهما بمثابة شراكة فنية عميقة، حيث أثر كل منهما على عمل الآخر بشكل كبير. في البداية، عملت ماري بشكل أساسي في المناظر الطبيعية والتصوير التمثيلي، لكنها سرعان ما انجذبت إلى التجريد الهندسي، وهو الأسلوب الذي سيصبح علامة مميزة لها.
التطور الفني
في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، بدأت ماري مارتن في تطوير أسلوبها التجريدي الخاص. كانت أعمالها المبكرة تتأثر بشدة بحركة De Stijl الهولندية، التي أكدت على استخدام الخطوط المستقيمة والأشكال الهندسية البسيطة والألوان الأساسية. ومع ذلك، سرعان ما بدأت ماري في الابتعاد عن هذه التأثيرات، وتجريب أشكال وألوان أكثر تعقيدًا.
بدأت ماري في استخدام مواد غير تقليدية في عملها، مثل الخشب والزجاج والبلاستيك. كانت مهتمة باستكشاف العلاقة بين الفن والهندسة المعمارية، وغالبًا ما كانت تصمم أعمالها لتندمج مع البيئة المحيطة بها.
في عام 1951، شاركت ماري مارتن في معرض “ستة فنانين تجريديين” الذي أقيم في لندن. كان هذا المعرض بمثابة نقطة تحول في مسيرتها المهنية، حيث ساعد في ترسيخ مكانتها كواحدة من أبرز الفنانين التجريديين في بريطانيا.
أهم أعمالها
تتميز أعمال ماري مارتن بالتوازن الدقيق بين الدقة الهندسية والإحساس الجمالي. تشمل بعض أعمالها البارزة:
- “الاحتمالات اللانهائية” (Infinite Possibilities): عبارة عن سلسلة من الأعمال التي تستكشف إمكانيات الترتيبات المختلفة للأشكال الهندسية. غالبًا ما كانت ماري تستخدم الألوان الزاهية في هذه الأعمال، مما يخلق إحساسًا بالحيوية والطاقة.
- “الدوران” (Rotation): سلسلة من المنحوتات التي تعتمد على مبدأ الدوران. تتكون هذه المنحوتات عادةً من مجموعة من الصفائح المعدنية التي يتم ترتيبها بطريقة تسمح لها بالدوران حول محور مركزي.
- “الإنشاءات” (Constructions): عبارة عن مجموعة من الأعمال التي تجمع بين الرسم والنحت. تتكون هذه الأعمال عادةً من خلفية مرسومة عليها مجموعة من الأشكال الهندسية، بالإضافة إلى مجموعة من العناصر النحتية التي تبرز من الخلفية.
- “النقوش” (Reliefs): سلسلة من الأعمال ثلاثية الأبعاد التي تعتمد على مبدأ الإغاثة. غالبًا ما كانت ماري تستخدم الخشب أو البلاستيك في هذه الأعمال، وتقوم بنحت الأشكال الهندسية في السطح لإنشاء تأثير بصري مثير للاهتمام.
تعتبر أعمال ماري مارتن جزءًا من العديد من المجموعات العامة والخاصة، بما في ذلك تيت غاليري في لندن ومتحف الفن الحديث في نيويورك.
التعاون مع كينيث مارتن
كان التعاون بين ماري مارتن وزوجها كينيث مارتن جزءًا أساسيًا من مسيرتهما الفنية. غالبًا ما كانا يعملان معًا في المشاريع، ويتبادلان الأفكار والتقنيات. كان كينيث مارتن أيضًا فنانًا تجريديًا، لكن أعماله كانت تميل إلى أن تكون أكثر هندسية وأقل زخرفة من أعمال ماري.
أحد أبرز المشاريع التي تعاونا فيها هو تصميم سلسلة من اللوحات الجدارية لمبنى جامعة ساسكس في عام 1967. كانت هذه اللوحات الجدارية مثالًا رائعًا على كيفية دمج الفن والهندسة المعمارية، حيث تم تصميمها لتندمج مع البيئة المحيطة بها.
على الرغم من أن ماري وكينيث كانا يعملان بشكل وثيق معًا، إلا أن لكل منهما أسلوبه الفني الخاص. كانت ماري تميل إلى أن تكون أكثر تجريبية وأكثر استعدادًا للمخاطرة، بينما كان كينيث أكثر تحفظًا وأكثر اهتمامًا بالدقة الهندسية.
الفن الحركي والفن البنائي
تعتبر ماري مارتن شخصية مهمة في تطور الفن الحركي والفن البنائي في بريطانيا. الفن الحركي هو نوع من الفن يعتمد على الحركة، سواء كانت حركة حقيقية أو وهمية. غالبًا ما كانت ماري تستخدم الحركة في أعمالها لإنشاء تأثيرات بصرية مثيرة للاهتمام.
أما الفن البنائي فهو نوع من الفن يعتمد على استخدام المواد الصناعية لإنشاء أعمال فنية مجردة. كانت ماري مهتمة باستكشاف إمكانيات المواد الصناعية، وغالبًا ما كانت تستخدمها في أعمالها لإنشاء أشكال هندسية معقدة.
كانت ماري مارتن رائدة في استخدام المواد والتقنيات الجديدة في الفن. كانت دائمًا تبحث عن طرق جديدة لتحدي حدود الفن، واستكشاف إمكانيات التعبير البصري.
تأثيرها وإرثها
تركت ماري مارتن إرثًا دائمًا في عالم الفن. ألهمت أعمالها العديد من الفنانين الآخرين، وساعدت في تغيير الطريقة التي يفكر بها الناس في الفن التجريدي. تعتبر ماري مارتن شخصية مهمة في تاريخ الفن البريطاني، وستظل أعمالها موضع تقدير للأجيال القادمة.
كانت ماري مارتن فنانة ملتزمة ومبتكرة. كانت دائمًا تبحث عن طرق جديدة لتحدي حدود الفن، واستكشاف إمكانيات التعبير البصري. كان لديها رؤية فنية فريدة من نوعها، وقد تركت بصمة لا تمحى على عالم الفن.
خاتمة
ماري مارتن فنانة بريطانية رائدة في مجال الفن التجريدي الهندسي. من خلال استكشافها الدقيق للأشكال والألوان والمواد، ساهمت بشكل كبير في تطور الفن الحركي والفن البنائي. تعاونها المثمر مع زوجها كينيث مارتن وأعمالها المبتكرة تركت إرثًا دائمًا في عالم الفن، مما يجعلها شخصية بارزة في تاريخ الفن البريطاني.