مقدمة
يوحنا 20: 19 هو الآية التاسعة عشرة من الفصل العشرين من إنجيل يوحنا في العهد الجديد. تصف هذه الآية حدثًا مفصليًا في قصة القيامة، حيث يظهر يسوع لتلاميذه في العلية في يوم الأحد، وهو اليوم الذي قام فيه من بين الأموات. تحمل هذه اللحظة أهمية لاهوتية كبيرة، إذ تؤكد على حقيقة قيامة يسوع، وتمنح التلاميذ السلام، وتفوضهم بالرسالة.
السياق الكتابي
لفهم يوحنا 20: 19 بشكل كامل، من الضروري النظر إلى السياق الأوسع لإنجيل يوحنا والفصل العشرين على وجه الخصوص. يركز إنجيل يوحنا على هوية يسوع اللاهوتية كابن الله، وعلى علاقته بالآب، وعلى عمله الخلاصي من أجل البشرية. الفصل العشرون، بدوره، هو جوهر قصة القيامة، حيث نرى روايات عن القبر الفارغ، وظهور يسوع لمريم المجدلية، وأخيراً ظهوره للتلاميذ.
قبل يوحنا 20: 19، نجد مريم المجدلية تكتشف القبر الفارغ وتخبر بطرس ويوحنا. يركض الاثنان إلى القبر، ويجدانه فارغًا، لكنهما لا يفهمان تمامًا ما حدث. بعد ذلك، يظهر يسوع لمريم المجدلية ويعطيها رسالة لتنقلها إلى التلاميذ.
نص الآية
نص يوحنا 20: 19 كما هو موجود في ترجمة فان دايك للكتاب المقدس هو:
“ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو الأحد، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: «سلام لكم!»”
تحليل الآية
دعونا نحلل الآية كلمة كلمة لفهم معناها بشكل أعمق:
- “ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو الأحد”: يشير هذا إلى نهاية اليوم الذي قام فيه يسوع من بين الأموات. من المهم ملاحظة أن القيامة حدثت في يوم الأحد، وهو اليوم الأول من الأسبوع، الذي أصبح فيما بعد يوم الرب بالنسبة للمسيحيين.
- “وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود”: هذا يعطينا لمحة عن حالة التلاميذ النفسية. كانوا خائفين من السلطات اليهودية التي صلبوا يسوع، وكانوا يخشون أن يلقوا نفس المصير. يشير إغلاق الأبواب إلى رغبتهم في الاختباء والحماية.
- “جاء يسوع ووقف في الوسط”: على الرغم من الأبواب المغلقة، ظهر يسوع فجأة في وسطهم. هذا يدل على قوته وسلطته المطلقة، وأنه لا توجد حواجز مادية يمكن أن تمنعه من الوصول إلى تلاميذه.
- “وقال لهم: «سلام لكم!»”: هذه هي أول كلمات يسوع للتلاميذ بعد قيامته. إنها ليست مجرد تحية، بل هي إعلان للسلام الحقيقي الذي يأتي من خلاله. السلام هنا يشير إلى المصالحة مع الله، والتغلب على الخوف والقلق، واليقين في حضور يسوع.
الأهمية اللاهوتية
تحمل يوحنا 20: 19 أهمية لاهوتية كبيرة لعدة أسباب:
- تأكيد القيامة: ظهور يسوع للتلاميذ هو دليل قاطع على قيامته من بين الأموات. هذا يؤكد أن يسوع قد انتصر على الموت، وأنه هو المسيح المنتظر.
- منح السلام: السلام الذي يمنحه يسوع للتلاميذ هو أكثر من مجرد غياب الصراع. إنه سلام داخلي عميق يأتي من خلال الثقة في يسوع ومحبته. هذا السلام يمكّن المؤمنين من مواجهة صعوبات الحياة بثقة ورجاء.
- تفويض التلاميذ: في الآيات اللاحقة (يوحنا 20: 21-23)، يفوض يسوع التلاميذ لنشر رسالة المصالحة وغفران الخطايا. هذا التفويض يمتد إلى جميع المؤمنين، الذين مدعوون لمشاركة محبة المسيح وسلامه مع العالم.
- طبيعة يسوع الممجدة: قدرة يسوع على الظهور على الرغم من الأبواب المغلقة تشير إلى طبيعته الممجدة بعد القيامة. لم يعد مقيدًا بالقيود المادية، ولكنه قادر على تجاوز الزمان والمكان.
تفسيرات مختلفة
على مر القرون، قدم العلماء واللاهوتيون تفسيرات مختلفة ليوحنا 20: 19. بعض هذه التفسيرات تركز على الجوانب التاريخية والثقافية للآية، بينما يركز البعض الآخر على الأبعاد اللاهوتية والروحية. من بين هذه التفسيرات:
- التركيز على الخوف: يرى بعض المعلقين أن الخوف الذي شعر به التلاميذ هو العامل الرئيسي الذي دفعهم إلى الاختباء. يشددون على أن ظهور يسوع هو استجابة مباشرة لخوفهم، وأنه جاء ليمنحهم الشجاعة والثقة.
- أهمية السلام: يؤكد آخرون على أهمية السلام الذي يمنحه يسوع. يرون أن هذا السلام هو مفتاح لفهم رسالة الإنجيل بأكملها، وأنه هو ما يمكّن المؤمنين من العيش حياة مسيحية حقيقية.
- الطبيعة السرمدية للقيامة: يركز البعض على أن ظهور يسوع على الرغم من الأبواب المغلقة يوضح أن القيامة ليست مجرد حدث تاريخي، ولكنها حقيقة سرمدية تتجاوز حدود الزمان والمكان.
التطبيق المعاصر
لا تزال يوحنا 20: 19 ذات صلة بحياة المؤمنين اليوم. يمكننا أن نتعلم منها دروسًا قيمة حول كيفية التعامل مع الخوف والقلق، وكيفية اختبار سلام المسيح، وكيفية مشاركة محبته مع الآخرين. فيما يلي بعض التطبيقات المعاصرة:
- التغلب على الخوف: تمامًا كما كان التلاميذ خائفين من اليهود، غالبًا ما نختبر الخوف في حياتنا. قد نخاف من الفشل، أو المرض، أو الموت، أو المستقبل. تذكرنا يوحنا 20: 19 بأن يسوع قادر على التغلب على كل مخاوفنا، وأنه يقدم لنا السلام الذي يفوق كل فهم.
- اختبار السلام: السلام الذي يمنحه يسوع ليس مجرد شعور عابر، ولكنه حقيقة دائمة يمكننا اختبارها في كل لحظة من حياتنا. يمكننا اختبار هذا السلام من خلال الصلاة، وقراءة الكتاب المقدس، والتواصل مع المؤمنين الآخرين، وخدمة الآخرين.
- مشاركة المحبة: تمامًا كما فوض يسوع تلاميذه لنشر رسالة المصالحة، نحن مدعوون لمشاركة محبته مع العالم. يمكننا القيام بذلك من خلال الكلام والأفعال، من خلال مشاركة الإنجيل، ومن خلال خدمة المحتاجين.
دراسات الحالة
دعونا نتأمل في بعض دراسات الحالة التي توضح كيف يمكن تطبيق يوحنا 20: 19 في الحياة الواقعية:
- حالة 1: امرأة تعاني من القلق المزمن. من خلال الصلاة المنتظمة وقراءة الكتاب المقدس، بدأت تختبر سلام المسيح بطريقة جديدة. أصبحت قادرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة ورجاء.
- حالة 2: رجل فقد وظيفته ووجد نفسه في وضع مالي صعب. من خلال التواصل مع كنيسته ومجتمعه، تلقى الدعم العاطفي والمادي الذي يحتاجه. وجد سلامًا في معرفة أن الله يعتني به.
- حالة 3: مجموعة من الشباب يشاركون في خدمة مجتمعية لمساعدة المحتاجين. من خلال أفعالهم اللطيفة، يشاركون محبة المسيح مع الآخرين ويجلبون الأمل إلى حياة الناس.
خاتمة
يوحنا 20: 19 هي آية قوية تذكرنا بحقيقة قيامة يسوع، وأهمية السلام الذي يمنحه، والتفويض الذي أعطاه لنا لمشاركة محبته مع العالم. من خلال فهم هذه الآية وتطبيقها في حياتنا، يمكننا أن نختبر قوة القيامة ونعيش حياة مسيحية حقيقية.