مقدمة
فرناندو دي سيزلو فالديلومار (5 يوليو 1925 – 9 أكتوبر 2017) كان رسامًا ونحاتًا وطابعًا ومعلمًا بيروفيًا، يُعتبر أحد أهم الفنانين التجريديين في أمريكا اللاتينية. ساهم بشكل كبير في تطوير الفن التجريدي في بيرو وقدم مساهمات كبيرة في المشهد الفني العالمي. تميزت أعماله باستخدام الألوان الغنية والأشكال الهندسية والرموز المستوحاة من ثقافات أمريكا اللاتينية القديمة.
نشأته وتعليمه
ولد فرناندو دي سيزلو في ليما، بيرو، لعائلة ذات جذور أوروبية وبيروفية. كان والده فيكتور دي سيزلو، بولندي الأصل، ووالدته ماريا فالديومار بينيا، بيروفية من أصل إسباني. تلقى دي سيزلو تعليمه المبكر في ليما، وفي عام 1944 التحق بالجامعة البابوية الكاثوليكية في بيرو لدراسة الهندسة المعمارية. ومع ذلك، سرعان ما اكتشف شغفه بالفن وترك الهندسة المعمارية لمتابعة دراسة الفنون الجميلة.
في عام 1947، التحق بمدرسة الفنون الجميلة في ليما، حيث درس تحت إشراف الفنانين البيروفيين البارزين مثل ريكاردو جراو وخوسيه سابوجال. خلال فترة دراسته، بدأ دي سيزلو في استكشاف مختلف الأساليب الفنية، بما في ذلك الواقعية والانطباعية والتعبيرية. ومع ذلك، سرعان ما انجذب إلى الفن التجريدي، الذي سمح له بالتعبير عن أفكاره ومشاعره بطريقة أكثر حرية وتجريدًا.
تأثيرات الفنية
تأثر دي سيزلو بالعديد من الحركات الفنية والفنانين العالميين، بما في ذلك:
- الفن التجريدي: كان للفن التجريدي تأثير كبير على دي سيزلو، حيث استلهم من أعمال فنانين مثل بيت موندريان وفاسيلي كاندينسكي وخوان ميرو.
- السريالية: استلهم دي سيزلو أيضًا من الحركة السريالية، التي شجعته على استكشاف اللاوعي والتعبير عن الأحلام والرؤى.
- فن ما قبل كولومبوس: تأثر دي سيزلو بشدة بفن وثقافة حضارات أمريكا اللاتينية القديمة، مثل الإنكا والمايا، ودمج عناصر من هذا الفن في أعماله.
- الرسم الإسباني: درس دي سيزلو أعمال الرسامين الإسبان مثل فرانسيسكو جويا ودييغو فيلاثكيث، واستلهم من استخدامهم للألوان والضوء والظل.
قام دي سيزلو برحلات عديدة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث زار المتاحف والمعارض الفنية واطلع على أحدث الاتجاهات في الفن الحديث. أثرت هذه التجارب في تطوره الفني وساعدته على تطوير أسلوبه الخاص.
أسلوبه الفني
تميز أسلوب دي سيزلو الفني بالتجريد والرمزية واستخدام الألوان الغنية والأشكال الهندسية. غالبًا ما استوحى إلهامه من ثقافات أمريكا اللاتينية القديمة، مثل الإنكا والمايا، ودمج عناصر من هذا الفن في أعماله. استخدم دي سيزلو مجموعة متنوعة من التقنيات والمواد في أعماله، بما في ذلك الزيت والأكريليك والألوان المائية والطباعة الحجرية.
يمكن تقسيم تطور أسلوب دي سيزلو الفني إلى عدة مراحل:
- المرحلة الأولى (1950s): في هذه المرحلة، ركز دي سيزلو على استكشاف الأشكال الهندسية والألوان الأساسية. تأثر بأعمال بيت موندريان وفاسيلي كاندينسكي.
- المرحلة الثانية (1960s): في هذه المرحلة، بدأ دي سيزلو في دمج عناصر من فن ما قبل كولومبوس في أعماله. استخدم رموزًا وأشكالًا مستوحاة من حضارات الإنكا والمايا.
- المرحلة الثالثة (1970s-2017): في هذه المرحلة، طور دي سيزلو أسلوبه الخاص، الذي تميز باستخدام الألوان الغنية والأشكال الهندسية والرموز المستوحاة من ثقافات أمريكا اللاتينية القديمة.
أعمال دي سيزلو ليست مجرد تجريدات بصرية، بل هي تعبير عن تاريخ وثقافة وهوية أمريكا اللاتينية. من خلال فنه، سعى دي سيزلو إلى استكشاف العلاقة بين الماضي والحاضر، وبين الفرد والجماعة.
أعماله ومعارضه
أنتج دي سيزلو عددًا كبيرًا من الأعمال الفنية، بما في ذلك اللوحات والمنحوتات والمطبوعات. عُرضت أعماله في العديد من المعارض الفردية والجماعية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك:
- متحف الفن الحديث في نيويورك
- متحف غوغنهايم في نيويورك
- متحف الفن الحديث في باريس
- متحف رينا صوفيا في مدريد
- متحف الفن الحديث في مكسيكو سيتي
- بينالي ساو باولو
- بينالي البندقية
من بين أشهر أعماله:
- “مار دي لورين” (Mar de Lurín): سلسلة من اللوحات المستوحاة من ساحل بيرو.
- “إنترير كون ميسا” (Interior con Mesa): لوحة تجريدية تصور طاولة وكراسي.
- “كاسا دي إنتييرو” (Casa de Entierro): سلسلة من اللوحات المستوحاة من الطقوس الجنائزية في أمريكا اللاتينية.
- “إنجريد” (Ingrid): بورتريه تجريدي لزوجته إنجريد.
حصل دي سيزلو على العديد من الجوائز والأوسمة طوال حياته المهنية، بما في ذلك:
- جائزة بينالي ساو باولو
- جائزة بينالي البندقية
- وسام الاستحقاق من الحكومة البيروفية
- الدكتوراه الفخرية من الجامعة البابوية الكاثوليكية في بيرو
تأثيره وإرثه
كان لفرناندو دي سيزلو تأثير كبير على الفن البيروفي واللاتيني الأمريكي. ساهم في تطوير الفن التجريدي في بيرو وقدم مساهمات كبيرة في المشهد الفني العالمي. ألهم دي سيزلو العديد من الفنانين الشباب وشجعهم على استكشاف أساليب وتقنيات جديدة. يعتبر دي سيزلو أحد أهم الفنانين في تاريخ بيرو وأمريكا اللاتينية، وسيظل إرثه يلهم الأجيال القادمة.
بالإضافة إلى عمله كفنان، كان دي سيزلو أيضًا معلمًا ومثقفًا. قام بتدريس الفن في العديد من الجامعات والكليات في بيرو والخارج. كتب العديد من المقالات والكتب عن الفن والثقافة والتاريخ. كان دي سيزلو شخصية مؤثرة في الحياة الثقافية في بيرو وساهم في تعزيز الفن والثقافة في البلاد.
حياته الشخصية
تزوج فرناندو دي سيزلو من إنجريد آرتشر عام 1957، وأنجبا ابنين، فيليبي ولورينزو. كانت إنجريد مصدر إلهام كبير لدي سيزلو وظهرت في العديد من أعماله. توفيت إنجريد في عام 2015. توفي دي سيزلو في ليما في 9 أكتوبر 2017، عن عمر يناهز 92 عامًا.
خاتمة
كان فرناندو دي سيزلو فنانًا بيروفيًا بارزًا، يتميز بأسلوبه التجريدي الفريد الذي يجمع بين الأشكال الهندسية والألوان الغنية والرموز المستوحاة من ثقافات أمريكا اللاتينية القديمة. ساهم في تطوير الفن التجريدي في بيرو وألهم العديد من الفنانين. سيظل إرثه الفني والثقافي مؤثرًا للأجيال القادمة.