نشأته وتعليمه
ولد كلايف ستابلز لويس في بلفاست، أيرلندا (أيرلندا الشمالية حاليًا)، لعائلة من الطبقة المتوسطة. كان والده ألبرت جيمس لويس محاميًا، ووالدته فلورنس أوغستا لويس (ني هاميلتون) ابنة قس. كان لديه أخ أكبر اسمه وارن هاميلتون لويس، والذي أصبح لاحقًا مؤرخًا.
تلقى لويس تعليمه المبكر في المنزل من قبل والدته، التي شجعته على القراءة والكتابة منذ صغره. بعد وفاة والدته عندما كان في العاشرة من عمره، التحق بمدرسة داخلية. تنقل بين عدة مدارس قبل أن يلتحق بكلية مالفيرن، حيث لم يكن سعيدًا، ثم انتقل إلى الاستعداد للدخول إلى جامعة أكسفورد تحت إشراف معلم خاص، ويليام توماس كيركباتريك، وهو ملحد أثر بشكل كبير على فكره في تلك الفترة.
في عام 1917، التحق لويس بجامعة أكسفورد، لكن دراسته توقفت بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى. انضم إلى الجيش البريطاني وخدم في فرنسا. أصيب في المعركة وعاد إلى أكسفورد لاستكمال دراسته بعد الحرب.
تخرج لويس من جامعة أكسفورد بدرجة مزدوجة مع مرتبة الشرف الأولى في الأدب الكلاسيكي والفلسفة الإنجليزية. أصبح زميلًا في كلية ماجدالين بأكسفورد، حيث قام بتدريس الأدب الإنجليزي لمدة تقرب من ثلاثين عامًا.
حياته الأدبية والفكرية
بدأ لويس الكتابة في سن مبكرة، ونشر أول كتاب له، وهو مجموعة شعرية بعنوان “الأرواح السجينة”، تحت اسم مستعار “كلايف هاميلتون” في عام 1919. لم يحقق هذا الكتاب نجاحًا كبيرًا، لكنه لم يثبط عزيمته.
خلال فترة وجوده في أكسفورد، انضم لويس إلى مجموعة أدبية غير رسمية تسمى “إنكلينجز” (The Inklings)، والتي ضمت كتابًا ومفكرين بارزين مثل ج. ر. ر. تولكين، مؤلف “سيد الخواتم”، وتشارلز ويليامز وأوين بارفيلد. اجتمع أعضاء المجموعة بانتظام لمناقشة الأدب والفلسفة واللاهوت، وتبادلوا مسودات أعمالهم وقدموا النقد البناء لبعضهم البعض. كان لهذه المجموعة تأثير كبير على تطور فكر لويس وأسلوبه الكتابي.
مر لويس بتحول ديني هام في حياته. نشأ في كنيسة أيرلندا، لكنه أصبح ملحدًا في شبابه. بعد نقاشات مطولة مع تولكين وبارفيلد وغيرهم، اقتنع بصحة المسيحية وعاد إلى الإيمان في عام 1931. أثر هذا التحول بشكل كبير على كتاباته اللاحقة، حيث أصبحت ذات طابع ديني وأخلاقي واضح.
أعماله الروائية
أشهر أعمال لويس الروائية هي سلسلة “سجلات نارنيا”، المكونة من سبعة كتب للأطفال نُشرت بين عامي 1950 و 1956. تروي هذه الكتب قصة أطفال يكتشفون عالمًا سحريًا يسمى نارنيا، حيث الحيوانات تتكلم وتوجد مخلوقات أسطورية، ويحكمه أسد عظيم اسمه أصلان، يمثل المسيح. تجمع السلسلة بين عناصر الفانتازيا والأساطير والرمزية المسيحية، وقد ترجمت إلى عشرات اللغات وبيعت منها ملايين النسخ في جميع أنحاء العالم.
تشمل أعمال لويس الروائية الأخرى:
- “خارج الكوكب الصامت” (Out of the Silent Planet): أول رواية في ثلاثية الفضاء.
- “بيريلاندرا” (Perelandra): الرواية الثانية في ثلاثية الفضاء.
- “تلك القوة البغيضة” (That Hideous Strength): الرواية الثالثة في ثلاثية الفضاء.
- “حتى نحصل على وجوه” (Till We Have Faces): إعادة سرد لأسطورة كيوبيد وسايكي.
أعماله اللاهوتية والفلسفية
بالإضافة إلى رواياته، كتب لويس العديد من الكتب اللاهوتية والفلسفية التي تهدف إلى شرح وشرح الدفاع عن العقيدة المسيحية. من بين أشهر هذه الأعمال:
- “مجرد مسيحية” (Mere Christianity): مجموعة من المحاضرات الإذاعية التي ألقاها لويس خلال الحرب العالمية الثانية، والتي تشرح أساسيات الإيمان المسيحي بطريقة واضحة ومقنعة.
- “مشكلة الألم” (The Problem of Pain): يتناول هذا الكتاب مسألة الشر والألم في العالم، ويقدم حججًا لاهوتية وفلسفية لتبرير وجودهما في ظل وجود إله كلي القدرة وكلي الخير.
- “رسائل من الشيطان” (The Screwtape Letters): سلسلة من الرسائل الخيالية بين شيطان كبير وابن أخيه الشيطان الصغير، والتي تقدم رؤية ساخرة ومثيرة للتفكير حول الإغراء والخطيئة.
- “العجائب” (Miracles): يدافع هذا الكتاب عن إمكانية حدوث المعجزات في العالم الحديث، ويقدم حججًا فلسفية وعلمية لدعم هذا الادعاء.
- “تأملات في المزامير” (Reflections on the Psalms): تحليل وتفسير شخصي للمزامير الكتابية.
تأثيره وإرثه
ترك سي. إس. لويس إرثًا أدبيًا وفكريًا كبيرًا. أثرت أعماله في أجيال من القراء، ولا تزال تحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم. يُعتبر لويس واحدًا من أهم المدافعين عن المسيحية في القرن العشرين، وقد ساهم في إحياء الاهتمام بالدين المسيحي في الغرب.
تُرجمت كتبه إلى عشرات اللغات، وتُدرس في المدارس والجامعات حول العالم. ألهمت رواياته العديد من الكتاب والفنانين، وتم تحويلها إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية ومسرحيات.
بالإضافة إلى تأثيره الديني والأدبي، كان لويس مفكرًا عميقًا ومثيرًا للتفكير، وقد أثارت كتاباته نقاشات وجدالات حول مجموعة واسعة من القضايا الفلسفية والأخلاقية والاجتماعية.
حياته الشخصية
تزوج لويس من جوي ديفيدمان في عام 1956. كانت ديفيدمان كاتبة أمريكية يهودية اعتنقت المسيحية. كان زواجهما في البداية زواجًا مدنيًا، لكنهما تزوجا لاحقًا في الكنيسة بعد تشخيص إصابة ديفيدمان بالسرطان. توفيت ديفيدمان في عام 1960، وتأثر لويس بشدة بوفاتها. كتب عن تجربته في التعامل مع الحزن والفقدان في كتابه “حزن مُراقب” (A Grief Observed).
توفي سي. إس. لويس في 22 نوفمبر 1963، في نفس اليوم الذي اغتيل فيه الرئيس الأمريكي جون إف. كينيدي. دُفن في مقبرة هولي ترينيتي تشيرش في هيدنجتون، أكسفورد.
خاتمة
كان سي. إس. لويس شخصية بارزة في القرن العشرين، بفضل مساهماته الأدبية واللاهوتية والفلسفية. ترك إرثًا دائمًا من خلال رواياته الخيالية، وخاصة “سجلات نارنيا”، وأعماله اللاهوتية التي تشرح وتدافع عن العقيدة المسيحية. لا تزال كتاباته تلهم القراء في جميع أنحاء العالم، وتثير نقاشات حول القضايا الدينية والأخلاقية الأساسية.