مقدمة
بوريس إيفانوفيتش نيكولايفسكي (20 أكتوبر 1887 – 22 فبراير 1966) كان ناشطًا ماركسيًا روسيًا وأمين أرشيف ومؤرخًا. اشتهر نيكولايفسكي بجهوده المضنية في جمع وحفظ الوثائق التاريخية المتعلقة بالحركة الاشتراكية الدولية، وخاصة تلك المتعلقة بتاريخ روسيا في القرنين التاسع عشر والعشرين.
نشأته وحياته المبكرة
ولد بوريس إيفانوفيتش نيكولايفسكي في مدينة بيليبي في مقاطعة سامارا (روسيا آنذاك). انخرط في السياسة الاشتراكية في سن مبكرة، حيث انضم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي (RSDLP) في عام 1903، وهو الحزب الذي انقسم لاحقًا إلى فصيلين رئيسيين: البلاشفة والمناشفة. انضم نيكولايفسكي إلى فصيل المناشفة، الذي دعا إلى نهج أكثر تدريجيًا وإصلاحيًا لتحقيق الاشتراكية.
بسبب أنشطته السياسية، تعرض نيكولايفسكي للاعتقال والنفي عدة مرات خلال فترة الحكم القيصري. قضى فترات في السجن وفي المنفى في سيبيريا، حيث استمر في دراسة الأفكار الاشتراكية والتاريخ الروسي.
نشاطه السياسي قبل الثورة
قبل ثورة عام 1917، كان نيكولايفسكي نشطًا في حركة المناشفة، وشارك في تنظيم العمال والدعاية للأفكار الاشتراكية. لعب دورًا في الصحافة الاشتراكية وكتب العديد من المقالات والمنشورات التي تنتقد الحكم القيصري وتدعو إلى الإصلاحات السياسية والاجتماعية.
دوره بعد الثورة الروسية
بعد ثورة فبراير عام 1917، التي أطاحت بالحكم القيصري، شغل نيكولايفسكي مناصب مختلفة في الحكومة المؤقتة وفي مجالس السوفييت. ومع ذلك، بعد ثورة أكتوبر التي أوصلت البلاشفة إلى السلطة، اختلف نيكولايفسكي مع السياسات البلشفية واتخذ موقفًا معارضًا.
في السنوات الأولى من الحكم السوفيتي، عمل نيكولايفسكي في الأرشيف المركزي، حيث كان مسؤولاً عن جمع وحفظ الوثائق التاريخية. استغل هذا المنصب لإنقاذ العديد من الوثائق القيمة من التدمير أو المصادرة.
هجرته ونشاطه في المهجر
في عام 1922، سُمح لنيكولايفسكي بالهجرة إلى الخارج. استقر في برلين، حيث أسس “مكتب الأرشيف الاشتراكي الديمقراطي”. أصبح هذا المكتب مركزًا لجمع وحفظ الوثائق المتعلقة بالحركة الاشتراكية الدولية، وخاصة تلك المتعلقة بتاريخ روسيا. جمع نيكولايفسكي كمية هائلة من المواد، بما في ذلك الرسائل والمخطوطات والوثائق الرسمية والصور، التي تعتبر الآن ذات قيمة لا تقدر بثمن للباحثين.
بعد وصول النازيين إلى السلطة في عام 1933، انتقل نيكولايفسكي إلى باريس، حيث واصل عمله في جمع الوثائق وحفظها. خلال الحرب العالمية الثانية، تمكن من إخفاء العديد من الوثائق من الغزاة الألمان.
بعد الحرب، انتقل نيكولايفسكي إلى الولايات المتحدة، حيث انضم إلى معهد هوفر في جامعة ستانفورد. استمر في العمل على مجموعته الأرشيفية وكتب العديد من الكتب والمقالات حول التاريخ الروسي والحركة الاشتراكية.
مساهماته الأرشيفية والتاريخية
تعتبر مساهمة نيكولايفسكي الرئيسية في الحفاظ على التراث التاريخي للحركة الاشتراكية الدولية. جمع وحفظ كمية هائلة من الوثائق التي كانت ستفقد لولا جهوده. تشمل مجموعته الأرشيفية وثائق تتعلق بشخصيات بارزة مثل كارل ماركس وفريدريك إنجلز وجورجي بليخانوف وفلاديمير لينين وليون تروتسكي والعديد من القادة الاشتراكيين الآخرين.
بالإضافة إلى عمله الأرشيفي، كتب نيكولايفسكي العديد من الكتب والمقالات حول التاريخ الروسي والحركة الاشتراكية. تشمل أعماله البارزة:
- “حياة كارل ماركس”: دراسة شاملة لحياة وأعمال كارل ماركس.
- “أسرار قضية أزيف”: تحقيق في أنشطة يفنو أزيف، وهو عميل مزدوج عمل لصالح الشرطة القيصرية والحزب الاشتراكي الثوري.
- “القوى السرية”: دراسة عن دور الجمعيات السرية في التاريخ الروسي.
كما قام نيكولايفسكي بتحرير ونشر العديد من الوثائق التاريخية، بما في ذلك رسائل كارل ماركس وفريدريك إنجلز.
أهميته وتأثيره
يعتبر بوريس نيكولايفسكي شخصية مهمة في تاريخ الدراسات الاشتراكية والتاريخ الروسي. إن جهوده في جمع وحفظ الوثائق التاريخية جعلت من الممكن للباحثين دراسة تاريخ الحركة الاشتراكية بتفصيل أكبر. كما ساهمت كتاباته في فهم أعمق للتاريخ الروسي وتعقيداته.
تعتبر مجموعة نيكولايفسكي الأرشيفية في معهد هوفر مصدرًا لا يقدر بثمن للباحثين من جميع أنحاء العالم. وقد تم استخدامها في العديد من الدراسات والأبحاث حول التاريخ الروسي والحركة الاشتراكية.
الجدل حول أنشطته
على الرغم من تقديره الواسع كمؤرخ وأمين أرشيف، لم تخل حياة نيكولايفسكي من الجدل. واجه انتقادات بسبب آرائه السياسية المتحيزة، حيث اتهمه البعض بالتحيز ضد البلاشفة وتجميل صورة المناشفة. كما أثيرت تساؤلات حول مصادر بعض معلوماته وطرق التحقق منها.
من أهم الجدالات التي شارك فيها نيكولايفسكي كانت قضية “رسالة زينوفييف”، وهي وثيقة مزورة زُعم أنها صدرت عن غريغوري زينوفييف، رئيس الكومينترن، إلى الحزب الشيوعي البريطاني في عام 1924. لعب نيكولايفسكي دوراً في نشر هذه الرسالة، التي كان لها تأثير كبير على الانتخابات العامة في بريطانيا في ذلك العام. ومع ذلك، أثبتت لاحقاً أن الرسالة مزورة، مما أثار تساؤلات حول مصداقية نيكولايفسكي.
على الرغم من هذه الجدالات، لا يمكن التقليل من أهمية مساهمات نيكولايفسكي في الحفاظ على الوثائق التاريخية وفهم التاريخ الروسي والحركة الاشتراكية. يجب على الباحثين التعامل مع أعماله بحذر، مع الأخذ في الاعتبار خلفيته السياسية والجدالات المحيطة ببعض أنشطته.
حياته الشخصية
تزوج بوريس نيكولايفسكي من أنجيليكا بالابانوف، وهي أيضاً ناشطة اشتراكية ومؤرخة. كان للزوجين اهتمامات مشتركة في السياسة والتاريخ، وعملا معاً في العديد من المشاريع. ومع ذلك، انتهى زواجهما بالطلاق لاحقاً.
كان نيكولايفسكي يتمتع بشخصية قوية ومثابرة. كان ملتزماً بعمله في جمع الوثائق التاريخية وحفظها، وكان على استعداد لبذل جهود كبيرة لتحقيق أهدافه. كان يتمتع بشبكة واسعة من الاتصالات في الحركة الاشتراكية الدولية، وكان يحظى بتقدير كبير من قبل زملائه.
وفاته وإرثه
توفي بوريس نيكولايفسكي في 22 فبراير 1966 في مدينة نيويورك عن عمر يناهز 78 عامًا. ترك وراءه إرثًا كبيرًا كمؤرخ وأمين أرشيف. مجموعته الأرشيفية في معهد هوفر هي مصدر لا يقدر بثمن للباحثين من جميع أنحاء العالم، وكتاباته ساهمت في فهم أعمق للتاريخ الروسي والحركة الاشتراكية.
خاتمة
كان بوريس نيكولايفسكي شخصية بارزة في التاريخ الاشتراكي والبحث الأرشيفي. على الرغم من الجدالات التي أحاطت ببعض جوانب حياته، إلا أن مساهماته في جمع وحفظ الوثائق التاريخية تظل ذات قيمة كبيرة. لقد ترك إرثًا دائمًا سيستمر في إلهام الباحثين والمؤرخين لسنوات قادمة.