مقدمة
في عام 2006، قدم المخرج الوثائقي البريطاني الشهير نيك برومفيلد فيلمًا أثار جدلاً واسعًا بعنوان “ذاته البيضاء الكبيرة” (His Big White Self). يعتبر هذا الفيلم تكملة لفيلمه السابق “القائد، هو…” (The Leader, His…)، حيث يعود برومفيلد لاستكشاف شخصية الزعيم الإفريقي الأبيض المثير للجدل يوجين تيربلانش، زعيم حركة مقاومة الأفريقانر (Afrikaner Resistance Movement) في جنوب أفريقيا. يهدف الفيلم إلى الغوص في أعماق شخصية تيربلانش، وفهم أيديولوجياته المتطرفة، وتأثيره على المجتمع الجنوب أفريقي بعد سنوات من نهاية نظام الفصل العنصري.
خلفية عن نيك برومفيلد
نيك برومفيلد هو مخرج وثائقي بريطاني معروف بأسلوبه المباشر والجريء في صناعة الأفلام. يتميز برومفيلد بقدرته على الاقتراب من الشخصيات المثيرة للجدل، وطرح الأسئلة الصعبة، والكشف عن جوانب خفية من حياتهم وأفكارهم. من بين أبرز أعماله الوثائقية: “هايدي فليس: هوليوود مادام” (Heidi Fleiss: Hollywood Madam)، و”كورت وكورتني” (Kurt & Courtney)، و”أيلين ورنوس: بيع قاتل متسلسل” (Aileen Wuornos: Selling of a Serial Killer).
يوجين تيربلانش وحركة مقاومة الأفريقانر
يوجين تيربلانش كان شخصية بارزة في جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري وبعدها. أسس حركة مقاومة الأفريقانر (AWB) في عام 1973، وهي منظمة يمينية متطرفة تهدف إلى الحفاظ على تفوق البيض في جنوب أفريقيا، وإعادة تأسيس جمهورية بوير المستقلة. اشتهرت الحركة بتبنيها أيديولوجيات عنصرية متطرفة، واستخدام العنف لتحقيق أهدافها. كان تيربلانش شخصية كاريزمية تجذب الآلاف من المؤيدين، ولكنه أيضًا كان شخصية مكروهة من قبل الكثيرين بسبب آرائه العنصرية وتاريخه العنيف.
ملخص فيلم “ذاته البيضاء الكبيرة”
“ذاته البيضاء الكبيرة” هو فيلم وثائقي يتبع نيك برومفيلد وهو يحاول فهم يوجين تيربلانش، الرجل الذي يعتبره الكثيرون رمزًا للكراهية والعنصرية. يقضي برومفيلد وقتًا مع تيربلانش في مزرعته، ويحضر اجتماعات حركة مقاومة الأفريقانر، ويجري مقابلات مع أنصاره ومعارضيه. يحاول برومفيلد فهم كيف يمكن لرجل أن يؤمن بمثل هذه الأيديولوجيات المتطرفة، وما هو تأثير ذلك على المجتمع الجنوب أفريقي.
تحليل الفيلم
يتميز فيلم “ذاته البيضاء الكبيرة” بعدة جوانب تجعله فيلمًا وثائقيًا مهمًا ومثيرًا للتفكير:
- الوصول الحصري: يتمتع برومفيلد بوصول حصري إلى يوجين تيربلانش وأنصاره، مما يمنحه فرصة فريدة لتقديم صورة قريبة وشخصية عن حياتهم وأفكارهم.
- الأسلوب المباشر: يتبنى برومفيلد أسلوبًا مباشرًا وصريحًا في صناعة الفيلم، حيث يطرح الأسئلة الصعبة ولا يتردد في تحدي آراء تيربلانش المتطرفة.
- التركيز على الشخصية: يركز الفيلم بشكل كبير على شخصية يوجين تيربلانش، محاولًا فهم دوافعه وأفكاره ومعتقداته.
- استكشاف العنصرية: يتناول الفيلم موضوع العنصرية بشكل مباشر وصريح، ويحاول فهم جذورها وتأثيرها على المجتمع الجنوب أفريقي.
- إثارة الجدل: يثير الفيلم العديد من الأسئلة الجدلية حول العنصرية والهوية والذاكرة التاريخية، مما يجعله فيلمًا مثيرًا للتفكير والنقاش.
ردود الفعل النقدية
تلقى فيلم “ذاته البيضاء الكبيرة” ردود فعل متباينة من النقاد. أشاد البعض بالفيلم لجرأته وصراحته في تناول موضوع العنصرية، وقدرته على تقديم صورة معقدة ومتوازنة عن يوجين تيربلانش. بينما انتقد البعض الآخر الفيلم لتركيزه الشديد على شخصية تيربلانش، وعدم تقديم سياق تاريخي واجتماعي كافٍ لفهم حركة مقاومة الأفريقانر. بشكل عام، يعتبر الفيلم إضافة مهمة إلى الأفلام الوثائقية التي تتناول موضوع العنصرية في جنوب أفريقيا.
تأثير الفيلم
أثار فيلم “ذاته البيضاء الكبيرة” نقاشًا واسعًا حول العنصرية والهوية والذاكرة التاريخية في جنوب أفريقيا. ساهم الفيلم في تسليط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه المجتمع الجنوب أفريقي في التغلب على تركة الفصل العنصري. كما ساهم الفيلم في فهم أفضل لشخصية يوجين تيربلانش وحركة مقاومة الأفريقانر، ودورهم في تاريخ جنوب أفريقيا.
وفاة يوجين تيربلانش
في عام 2010، قُتل يوجين تيربلانش في مزرعته على يد اثنين من العمال الزراعيين. أثارت وفاته ردود فعل غاضبة من أنصاره، الذين اتهموا الحكومة بالتواطؤ في قتله. بينما اعتبره البعض الآخر نهاية حقبة مظلمة في تاريخ جنوب أفريقيا. تبقى شخصية تيربلانش مثيرة للجدل حتى بعد وفاته، وتعتبر رمزًا للعنصرية والكراهية في نظر الكثيرين.
الفيلم في سياق أوسع
يمكن النظر إلى فيلم “ذاته البيضاء الكبيرة” في سياق أوسع للأفلام الوثائقية التي تتناول موضوع العنصرية والهوية والذاكرة التاريخية. يساهم الفيلم في فهم أفضل للتحديات المستمرة التي تواجه المجتمعات التي عانت من العنصرية والتمييز. كما يساهم الفيلم في تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة، وبناء مجتمعات أكثر عدلاً ومساواة.
دروس مستفادة من الفيلم
يقدم فيلم “ذاته البيضاء الكبيرة” العديد من الدروس المستفادة حول العنصرية والهوية والذاكرة التاريخية. من بين هذه الدروس:
- العنصرية مدمرة: يوضح الفيلم كيف يمكن للعنصرية أن تدمر حياة الأفراد والمجتمعات، وتخلق انقسامات وصراعات لا نهاية لها.
- أهمية الذاكرة التاريخية: يؤكد الفيلم على أهمية تذكر الماضي وعدم نسيان الفظائع التي ارتكبت باسم العنصرية، وذلك لتجنب تكرارها في المستقبل.
- الحاجة إلى الحوار والتفاهم: يوضح الفيلم أن الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة ضروريان لبناء مجتمعات أكثر عدلاً ومساواة.
- أهمية التسامح والمصالحة: يؤكد الفيلم على أهمية التسامح والمصالحة بين الضحايا والجناة، وذلك لتحقيق السلام والاستقرار في المجتمعات التي عانت من العنصرية.
خاتمة
فيلم “ذاته البيضاء الكبيرة” هو فيلم وثائقي مهم ومثير للتفكير، يقدم صورة معقدة ومتوازنة عن يوجين تيربلانش وحركة مقاومة الأفريقانر. يثير الفيلم العديد من الأسئلة الجدلية حول العنصرية والهوية والذاكرة التاريخية، ويساهم في فهم أفضل للتحديات المستمرة التي تواجه المجتمع الجنوب أفريقي في التغلب على تركة الفصل العنصري. يعتبر الفيلم إضافة قيمة إلى الأفلام الوثائقية التي تتناول موضوع العنصرية في جنوب أفريقيا، ويوفر رؤى قيمة حول طبيعة العنصرية وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات.