حياتها وتعليمها
ولدت ماري لويز برات عام 1948، وأظهرت اهتمامًا مبكرًا باللغات والثقافات. حصلت على درجة البكالوريوس من جامعة تورنتو، ثم تابعت دراساتها العليا في جامعة ستانفورد، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن. خلال فترة وجودها في ستانفورد، تأثرت برات بالاتجاهات النظرية الناشئة في النقد الأدبي والدراسات الثقافية، مثل البنيوية وما بعد البنيوية.
بعد حصولها على الدكتوراه، بدأت برات مسيرتها الأكاديمية في جامعة ستانفورد، ثم انتقلت لاحقًا إلى جامعة نيويورك، حيث عملت كأستاذة حتى تقاعدها. خلال مسيرتها المهنية، قامت بتدريس مجموعة متنوعة من الدورات الدراسية حول الأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني، والنظرية الأدبية، والدراسات الثقافية. أشرفت أيضًا على العديد من طلاب الدراسات العليا، الذين أصبحوا بدورهم باحثين مؤثرين في مجالاتهم.
منطقة التماس (Contact Zone)
ربما يكون مفهوم “منطقة التماس” هو المساهمة الأكثر شهرة لماري لويز برات في مجال الدراسات الثقافية. قدمت برات هذا المفهوم في كتابها المؤثر “عيون إمبراطورية: السفر والكتابة عبر الحدود الاستعمارية” (Imperial Eyes: Travel Writing and Transculturation) الذي نُشر عام 1992. تعرف برات منطقة التماس بأنها “المساحات الاجتماعية التي تلتقي فيها الثقافات المتباينة، وتتصادم، وتصارع بعضها البعض، غالبًا في سياقات علاقات غير متكافئة للقوة، مثل الاستعمار والعبودية وتأثيراتهما المستمرة كما نشهدها في العالم المعاصر.”
تؤكد برات على أن مناطق التماس ليست مجرد مواقع للتبادل الثقافي السلمي، بل هي أيضًا أماكن للصراع وعدم التكافؤ. في هذه المناطق، غالبًا ما يتم تهميش أو إسكات أصوات وثقافات الفئات المهمشة، بينما تهيمن أصوات وثقافات الفئات المهيمنة. يسمح مفهوم منطقة التماس للباحثين بتحليل ديناميكيات القوة المعقدة التي تتشكل بها التفاعلات الثقافية.
تم تطبيق مفهوم منطقة التماس على نطاق واسع في مختلف المجالات، بما في ذلك الأدب والتاريخ والأنثروبولوجيا والتعليم. لقد كان له تأثير خاص في دراسة الاستعمار وما بعد الاستعمار، حيث ساعد الباحثين على فهم الطرق التي تتشكل بها الهويات الثقافية من خلال التفاعل مع القوى الاستعمارية.
أوتوغرافيا (Autoethnography)
مفهوم آخر مهم طورته ماري لويز برات هو “أوتوغرافيا”، والذي يشير إلى شكل من أشكال التعبير الذاتي أو التمثيل الذي تحاول فيه الشعوب المستعمرة أو المهمشة أن تمثل نفسها بطرق تتحدى وجهات النظر الاستعمارية المهيمنة. الأوتوغرافيا هي نوع من الكتابة أو الفن الذي يجمع بين السيرة الذاتية والإثنوغرافيا، حيث يقوم الفرد بتحليل تجربته الشخصية في سياق ثقافي أوسع.
تجادل برات بأن الأوتوغرافيا يمكن أن تكون أداة قوية للمقاومة والتمكين. من خلال كتابة قصصهم الخاصة، يمكن للشعوب المستعمرة أن تستعيد السيطرة على هوياتهم وتحدي الروايات الاستعمارية التي غالبًا ما صورتهم على أنهم متخلفون أو متوحشون. يمكن أن تكون الأوتوغرافيا أيضًا وسيلة للأشخاص المهمشين للتعبير عن تضامنهم مع الآخرين الذين عانوا من أشكال مماثلة من القمع.
قدمت برات أمثلة عديدة للأوتوغرافيا في كتابها “عيون إمبراطورية”. على سبيل المثال، حللت رسائل فيليب غوايمان بوما، وهو كاتب من السكان الأصليين من بيرو، كتب إلى ملك إسبانيا في القرن السابع عشر. جادلت برات بأن رسائل بوما كانت شكلًا من أشكال الأوتوغرافيا، حيث حاول بوما أن يمثل نفسه وثقافة شعبه بطرق تتحدى وجهات النظر الاستعمارية الإسبانية.
مؤلفات أخرى
بالإضافة إلى “عيون إمبراطورية”، كتبت ماري لويز برات العديد من الكتب والمقالات الأخرى المؤثرة. تشمل بعض أعمالها البارزة ما يلي:
- Towards a Speech Act Theory of Literary Discourse (1977): يستكشف هذا الكتاب العلاقة بين اللغة والأدب، ويقترح تطبيق نظرية أفعال الكلام على تحليل النصوص الأدبية.
- Linguistic Theory and the Study of Literature (1986): يقدم هذا الكتاب نظرة عامة على الطرق المختلفة التي يمكن من خلالها تطبيق النظرية اللغوية على دراسة الأدب.
- What Is Second Language Acquisition? (1987): يقدم هذا الكتاب مقدمة موجزة لمجال اكتساب اللغة الثانية، ويستكشف العوامل المختلفة التي تؤثر على تعلم اللغة.
بالإضافة إلى هذه الكتب، نشرت برات العديد من المقالات في المجلات الأكاديمية وساهمت في العديد من المجلدات المحررة. غطت كتاباتها مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك الاستعمار، والعولمة، والنوع الاجتماعي، والهويات الثقافية، ودراسات أمريكا اللاتينية.
إسهاماتها وتأثيرها
كانت ماري لويز برات شخصية مؤثرة في مجال الدراسات الأدبية والنقد الثقافي لعقود. لقد ساهم عملها في مفاهيم “منطقة التماس” و “أوتوغرافيا” في تشكيل فهمنا للتفاعلات الثقافية وديناميكيات القوة في سياقات الاستعمار وما بعد الاستعمار. لقد ألهمت أبحاثها ومنشوراتها العديد من العلماء والطلاب، ولا تزال أفكارها ذات صلة اليوم.
بالإضافة إلى عملها الأكاديمي، كانت برات أيضًا ناشطة في مجال العدالة الاجتماعية. لقد تحدثت علنًا ضد الظلم والاستغلال، ودعمت حقوق الشعوب المهمشة. لقد كانت مثالاً يحتذى به للعلماء الذين يسعون إلى استخدام عملهم لإحداث تغيير إيجابي في العالم.
الجوائز والتكريمات
تقديراً لإسهاماتها البارزة في مجال الدراسات الأدبية والنقد الثقافي، حصلت ماري لويز برات على العديد من الجوائز والتكريمات المرموقة طوال حياتها المهنية. من بين هذه الجوائز:
- زمالة مؤسسة جون سيمون غوغنهايم.
- زمالة في المركز الوطني للعلوم الإنسانية.
- جائزة مجمع اللغات الحديثة (MLA) عن أفضل كتاب في مجال الدراسات الأدبية والثقافية.
بالإضافة إلى هذه الجوائز، تم تكريم برات من خلال دعوتها لإلقاء محاضرات رئيسية في العديد من المؤتمرات والجامعات المرموقة حول العالم. لقد كانت شخصية محترمة للغاية في الأوساط الأكاديمية، ويُنظر إليها على نطاق واسع كقائدة في مجالها.
خاتمة
تعتبر ماري لويز برات شخصية رائدة في مجال الدراسات الأدبية والنقد الثقافي، اشتهرت بعملها في مفاهيم “منطقة التماس” و “أوتوغرافيا”. لقد ساهمت أبحاثها ومنشوراتها في فهمنا للتفاعلات الثقافية وديناميكيات القوة في سياقات الاستعمار وما بعد الاستعمار. ألهمت برات العديد من العلماء والطلاب، ولا تزال أفكارها ذات صلة اليوم. بالإضافة إلى عملها الأكاديمي، كانت برات أيضًا ناشطة في مجال العدالة الاجتماعية، ودعمت حقوق الشعوب المهمشة. لقد كانت مساهماتها في المجال الأكاديمي وخارجه كبيرة ومستمرة.