مقدمة
إنجيل متى هو أول أسفار العهد الجديد في الكتاب المقدس المسيحي، ويقدم سردًا لحياة يسوع المسيح وتعليمه وموته وقيامته. يعتبر الفصل الثالث عشر من إنجيل متى فصلًا هامًا لأنه يتضمن سلسلة من الأمثال التي استخدمها يسوع لتعليم الجموع حول طبيعة ملكوت السماوات. هذه الأمثال، التي تشمل مثل الزارع، ومثل الحنطة والزوان، ومثل حبة الخردل، ومثل الخميرة، تقدم رؤى عميقة حول كيفية عمل ملكوت الله وكيف يجب على المؤمنين أن يستجيبوا له.
سياق الفصل
يأتي الفصل الثالث عشر بعد سلسلة من الأحداث التي تظهر سلطة يسوع وتعليمه. لقد قام بمعجزات شفاء، وطرد الأرواح الشريرة، وعلم تعاليم جديدة تتحدى المفاهيم الدينية السائدة في عصره. ومع ذلك، فقد واجه أيضًا معارضة متزايدة من القادة الدينيين الذين رفضوا الاعتراف به كمخلص. في هذا السياق، يبدأ يسوع في استخدام الأمثال كوسيلة لتعليم الجموع، ولكنه يشرحها لتلاميذه بشكل خاص، مما يشير إلى أن فهم هذه الحقائق الروحية يتطلب قلبًا مستعدًا للتجاوب مع دعوة الله.
أمثال الفصل الثالث عشر
مثل الزارع (Matthew 13:3-9, 18-23)
يبدأ يسوع الفصل بمثل الزارع الذي خرج ليزرع. سقط بعض البذور على الطريق، فأكلتها الطيور. وسقط بعضها على أماكن صخرية، فنمت بسرعة، ولكنها يبست لعدم وجود عمق للتربة. وسقط بعضها بين الشوك، فخنقه الشوك. أما البذور التي سقطت على الأرض الجيدة، فقد أثمرت، بعضها مئة ضعف، وبعضها ستين، وبعضها ثلاثين.
شرح المثل: يشرح يسوع لتلاميذه أن البذور تمثل كلمة الله، والأرض تمثل قلوب الناس. فالذين يسمعون الكلمة ولا يفهمونها، يأتي الشرير ويخطف ما زُرع في قلوبهم. والذين يسمعون الكلمة بفرح، ولكنهم لا يثبتون فيها، لأنهم يرتدون عند الضيق والاضطهاد. والذين يسمعون الكلمة، ولكن هموم الدنيا وغرور الغنى يخنقان الكلمة، فلا تثمر. أما الذين يسمعون الكلمة ويفهمونها، فإنهم يثمرون.
مثل الحنطة والزوان (Matthew 13:24-30, 36-43)
ثم قدم يسوع مثلًا آخر: “يشبه ملكوت السماوات رجلاً زرع زرعًا جيدًا في حقله. وبينما كان الناس نائمين، جاء عدوه وزرع زوانًا بين الحنطة ومضى. فلما طلع النبات وأثمر، ظهر الزوان أيضًا. فجاء عبيد صاحب الحقل وقالوا له: يا سيد، أليس زرعًا جيدًا زرعته في حقلك؟ فمن أين جاء الزوان؟ فقال لهم: إنسان عدو فعل هذا. فقال له العبيد: أتريد أن نذهب ونجمعه؟ فقال: لا! لئلا وأنتم تجمعون الزوان تقلعون الحنطة معه. دعوهما ينموان كلاهما معًا إلى الحصاد. وفي وقت الحصاد أقول للحصادين: اجمعوا أولاً الزوان وأحزموه حزمًا ليحرق، وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني.”
شرح المثل: يشرح يسوع أن الزارع الجيد هو ابن الإنسان (يسوع)، والحقل هو العالم، والزرع الجيد هم بنو الملكوت، والزوان هم بنو الشرير، والعدو الذي زرع الزوان هو إبليس، والحصاد هو انقضاء الدهر، والحصادون هم الملائكة. في نهاية الزمان، سيفصل الملائكة الأشرار من الأبرار، ويطرحون الأشرار في أتون النار، حيث يكون البكاء وصرير الأسنان. أما الأبرار، فيضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم.
مثل حبة الخردل (Matthew 13:31-32)
قال يسوع: “يشبه ملكوت السماوات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله. وهي أصغر جميع البذور، ولكن متى نمت فهي أكبر البقول، وتصير شجرة، فتأتي طيور السماء وتتآوى في أغصانها.”
شرح المثل: هذا المثل يوضح كيف أن ملكوت الله قد يبدأ صغيرًا وغير ملحوظ، ولكنه سينمو ويتوسع ليغطي العالم كله، ويصبح مكانًا يلجأ إليه الكثيرون.
مثل الخميرة (Matthew 13:33)
قال يسوع: “يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع.”
شرح المثل: يوضح هذا المثل كيف أن ملكوت الله يعمل بهدوء وبشكل خفي، ولكنه يؤثر تأثيرًا عميقًا وكاملاً على كل شيء يلمسه.
مثل الكنز المخفي واللؤلؤة الثمينة (Matthew 13:44-46)
“أيضًا يشبه ملكوت السماوات كنزًا مخفيًا في حقل، وجده إنسان فأخفاه، ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل. أيضًا يشبه ملكوت السماوات تاجرًا يطلب لآلئ حسنة. فلما وجد لؤلؤة واحدة ثمينة، مضى وباع كل ما كان له واشتراها.”
شرح المثل: هذه الأمثال توضح قيمة ملكوت الله وأنه يستحق التضحية بكل شيء من أجله. فالشخص الذي يجد الكنز المخفي أو اللؤلؤة الثمينة، يكون مستعدًا للتخلي عن كل ممتلكاته من أجل الحصول عليه.
مثل الشبكة (Matthew 13:47-50)
“أيضًا يشبه ملكوت السماوات شبكة مطروحة في البحر، وجمعت من كل نوع. فلما امتلأت أصعدوها إلى الشاطئ، وجلسوا وجمعوا الجياد إلى أوعية، وأما الأردياء فطرحوها خارجًا. هكذا يكون في انقضاء الدهر: يخرج الملائكة ويفرزون الأشرار من بين الأبرار، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.”
شرح المثل: هذا المثل يشبه مثل الحنطة والزوان، حيث يوضح أن في نهاية الزمان سيكون هناك دينونة، وسيتم فصل الأبرار عن الأشرار.
تطبيق أمثال متى 13 في حياتنا
تقدم أمثال متى 13 دروسًا قيمة للمؤمنين في كل زمان ومكان. فهي تعلمنا عن طبيعة ملكوت الله، وكيف يعمل، وكيف يجب علينا أن نستجيب له. فيما يلي بعض التطبيقات العملية لهذه الأمثال في حياتنا:
- الاستعداد لقبول كلمة الله: يجب أن نكون مستعدين لقبول كلمة الله في قلوبنا، وأن نسمح لها بأن تنمو وتثمر. يجب أن نتجنب أن نكون مثل الأرض الصلبة أو الصخرية أو المليئة بالشوك.
- التمييز بين الحق والباطل: يجب أن نكون قادرين على التمييز بين الحق والباطل، وأن نرفض الأفكار والمعتقدات الخاطئة التي تحاول أن تفسد إيماننا.
- التضحية من أجل ملكوت الله: يجب أن نكون مستعدين للتضحية بكل شيء من أجل ملكوت الله، وأن نضعه في المقام الأول في حياتنا.
- العيش في نور الحق: يجب أن نسعى للعيش في نور الحق، وأن نكون شهودًا للمسيح في العالم.
- الاجتهاد في الخدمة: يجب علينا أن نجتهد في خدمة الآخرين، وأن نكون أدوات في يد الله لنشر ملكوته.
تأثير أمثال متى 13 على الفن والأدب
كانت أمثال متى 13 مصدر إلهام للفنانين والأدباء على مر العصور. فقد تم تصوير هذه الأمثال في العديد من اللوحات والمنحوتات والأفلام والمسرحيات. كما أنها ألهمت العديد من الكتاب والشعراء لكتابة قصص وأشعار تعبر عن معانيها العميقة. على سبيل المثال، ألهم مثل الزارع العديد من الفنانين لرسم صور للزارع وهو يذر البذور في الحقل، بينما ألهم مثل الحنطة والزوان العديد من الكتاب لكتابة قصص عن الصراع بين الخير والشر.
خاتمة
الفصل الثالث عشر من إنجيل متى يقدم مجموعة من الأمثال التي تكشف عن طبيعة ملكوت السماوات وكيفية عمله. تعلمنا هذه الأمثال عن أهمية الاستماع إلى كلمة الله وفهمها، والتمييز بين الحق والباطل، والتضحية من أجل ملكوت الله، والعيش في نور الحق. إن فهم هذه الأمثال وتطبيقها في حياتنا يمكن أن يساعدنا على النمو في إيماننا وأن نصبح شهودًا فعالين للمسيح في العالم.