مقدمة
متى 10 هو الفصل العاشر من إنجيل متى في قسم العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يمثل هذا الفصل لحظة حاسمة في خدمة يسوع المسيح، حيث يختار ويفوض رسله الاثني عشر للذهاب والتبشير بملكوت السماوات. يتضمن الفصل تعليمات محددة للرسل حول كيفية أداء خدمتهم، والرسالة التي يجب عليهم مشاركتها، والتحديات التي سيواجهونها، والوعود التي سيحصلون عليها. يعتبر متى 10 نصًا أساسيًا لفهم طبيعة الرسالة المسيحية والتكاليف المصاحبة لاتباع يسوع.
اختيار الرسل الاثني عشر
يبدأ الفصل بتحديد يسوع للرسل الاثني عشر. إن اختيار هؤلاء الرجال ليس عشوائيًا؛ بل هو اختيار دقيق ومقصود. يمثل الرسل الاثني عشر بداية الكنيسة المسيحية ونواة المجتمع الذي سيحمل رسالة الإنجيل إلى العالم. يذكر متى أسماء الرسل، وهم:
- سمعان الذي يدعى بطرس
- أندراوس أخوه
- يعقوب بن زبدي
- يوحنا أخوه
- فيلبس
- برثولماوس
- توما
- متى العشار
- يعقوب بن حلفى
- لباوس الملقب تداوس
- سمعان القانوي
- يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه
من المهم ملاحظة أن المجموعة تتكون من أفراد متنوعين بخلفيات مختلفة. كان بعضهم صيادي سمك، بينما كان متى عشارًا، وهي وظيفة مكروهة في المجتمع اليهودي. هذا التنوع يوضح أن دعوة يسوع مفتوحة للجميع بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية.
تفويض الرسل وتعليماتهم
بعد اختيارهم، يفوض يسوع الرسل بسلطان لشفاء المرضى وطرد الأرواح الشريرة وإعلان ملكوت السماوات. يعطيهم تعليمات محددة حول كيفية القيام بذلك. بعض هذه التعليمات تشمل:
- عدم الذهاب إلى طريق الأمم ولا الدخول إلى مدينة للسامريين: يركز يسوع في البداية على الشعب اليهودي، معتبرًا أنهم هم الضالون من بيت إسرائيل.
- الذهاب والتبشير قائلين: قد اقترب ملكوت السماوات: هذه هي الرسالة الأساسية التي يجب على الرسل مشاركتها.
- شفاء المرضى، تطهير البرص، إخراج الشياطين: هذه الأعمال هي علامات مادية ملموسة على قوة ملكوت السماوات.
- مجانا أخذتم مجانا أعطوا: يجب على الرسل أن يخدموا الآخرين دون توقع أي مقابل مادي.
- لا تقتنوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا في مناطقكم: يجب عليهم الاعتماد على كرم الضيافة من أولئك الذين يخدمونهم.
- ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا: يجب أن يكونوا مستعدين لقبول ما يقدمه لهم الآخرون.
- أية مدينة أو قرية دخلتموها فافحصوا من فيها مستحق: يجب عليهم البحث عن أولئك الذين هم منفتحون على رسالتهم.
- عندما تدخلون البيت سلموا عليه: يجب عليهم أن يقدموا السلام والبركة للمنزل.
- وإن كان البيت مستحقا فليأت سلامكم عليه: إذا كان المنزل مفتوحًا لرسالتهم، فسيستقبلون بركة.
- وإن لم يكن مستحقا فليرجع سلامكم إليكم: إذا رفض المنزل رسالتهم، فإن البركة لن تحل عليهم.
هذه التعليمات تؤكد على التواضع والاعتماد على الله والثقة في أن الله سيوفر لهم احتياجاتهم. كما أنها تؤكد على أهمية السلام والبركة التي يجلبها الرسل معهم.
التحديات والاضطهاد
يحذر يسوع الرسل من أنهم سيواجهون تحديات واضطهادًا بسبب خدمتهم. يصفهم بأنهم “كغنم بين ذئاب” ويخبرهم أنهم سيُسلمون إلى المجالس ويُجلدون في المجامع. كما يحذرهم من أنهم سيتعرضون للخيانة من قبل أقربائهم وأصدقائهم.
يوضح يسوع أن هذا الاضطهاد ليس علامة على الفشل، بل هو علامة على أنهم يشاركون في آلامه. يعدهم بأنه سيكون معهم أثناء المحاكمات وسيعطيهم الكلمات التي يجب أن يتكلموا بها. كما يؤكد لهم أنهم إذا صبروا إلى النهاية فسيخلصون.
من بين التحذيرات الهامة التي يقدمها يسوع:
- إِنَّ التِّلْمِيذَ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ: يجب أن يتوقعوا معاملة مماثلة لتلك التي تلقاها يسوع.
- لاَ تَخَافُوهُمُ: يجب ألا يخافوا من أولئك الذين يضطهدونهم.
- كُلُّ مَا أَقُولُهُ لَكُمْ فِي الظُّلْمَةِ، قُولُوهُ فِي النُّورِ: يجب أن يكونوا جريئين في إعلان رسالتهم.
- وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلَكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا: يجب أن يخافوا الله الذي له السلطان على الجسد والنفس.
قيمة الاعتراف بيسوع
يؤكد يسوع على أهمية الاعتراف به علانية. يقول: “مَنْ يُقِرُّ بِي قُدَّامَ النَّاسِ، أُقِرُّ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَمَنْ يُنْكِرُنِي قُدَّامَ النَّاسِ، أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”. هذا التأكيد يوضح أن الإيمان بيسوع ليس مجرد مسألة شخصية، بل هو التزام علني.
كما يشير يسوع إلى أن اتباعه قد يؤدي إلى انقسام في العائلات. يقول: “لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا”. هذا التحذير يوضح أن الولاء ليسوع يجب أن يكون أسمى من أي ولاء آخر، حتى الولاء للعائلة.
الأجر والمكافأة
يختتم يسوع هذا الفصل بالحديث عن الأجر والمكافأة التي سينالها أولئك الذين يستقبلون رسله ويخدمونهم. يقول: “مَنْ قَبِلَكُمْ فَقَدْ قَبِلَنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي فَقَدْ قَبِلَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. مَنْ قَبِلَ نَبِيًّا بِاسْمِ نَبِيٍّ فَأَجْرَ نَبِيٍّ يَأْخُذُ، وَمَنْ قَبِلَ بَارًّا بِاسْمِ بَارٍّ فَأَجْرَ بَارٍّ يَأْخُذُ. وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِاسْمِ تِلْمِيذٍ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرُهُ”. هذه الوعود تؤكد على أهمية خدمة الآخرين، حتى في الأمور الصغيرة.
خاتمة
متى 10 هو فصل محوري في إنجيل متى يقدم لنا نظرة ثاقبة على طبيعة الرسالة المسيحية والتكاليف المصاحبة لاتباع يسوع. يوضح الفصل اختيار الرسل الاثني عشر وتفويضهم، وتعليماتهم، والتحديات التي سيواجهونها، والوعود التي سيحصلون عليها. يؤكد الفصل على أهمية التواضع والاعتماد على الله والشجاعة في مواجهة الاضطهاد. كما يؤكد على قيمة الاعتراف بيسوع علانية وخدمة الآخرين. إن متى 10 هو دعوة لكل مؤمن للمشاركة في نشر ملكوت السماوات، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة التحديات والتضحيات.