خلفية تأسيس الحزب
في تسعينيات القرن التاسع عشر، انقسم الحزب الديمقراطي بشدة حول قضية المال. كان أنصار “المال الحر” أو “الفضة الحرة”، بقيادة ويليام جينينغز بريان، يؤيدون السماح بسك عملات الفضة بحرية بنسبة 16 إلى 1 مقابل الذهب. كان هذا من شأنه أن يزيد المعروض النقدي ويؤدي إلى التضخم، وهو ما كان يعتقدون أنه سيساعد المزارعين والعمال المثقلين بالديون. ومع ذلك، كان “الديمقراطيون الذهبيون”، الذين يمثلون في الغالب المصالح التجارية والمالية في الشمال الشرقي، يعارضون بشدة الفضة الحرة. كانوا يعتقدون أن معيار الذهب كان ضروريًا للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والتجارة الدولية.
في المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 1896 في شيكاغو، فاز بريان بترشيح الحزب للرئاسة على برنامج فضي حر. ألقى بريان خطابه الشهير “تاج الشوك”، الذي هاجم فيه معيار الذهب ودافع عن مصالح “الشعب الكادح”. أثار خطاب بريان حماسًا كبيرًا بين المندوبين الشعبويين وأنصار الفضة الحرة، لكنه أثار أيضًا استياء عميقًا بين الديمقراطيين المحافظين.
بعد ترشيح بريان، قرر العديد من الديمقراطيين البوربون البارزين، بمن فيهم الرئيس جروفر كليفلاند، عدم دعم حملته. شعروا أن بريان كان متطرفًا جدًا وأن سياساته ستضر بالاقتصاد. شكل هؤلاء الديمقراطيون حزبًا سياسيًا جديدًا، أطلقوا عليه اسم الحزب الديمقراطي الوطني، لتقديم مرشح بديل للرئاسة.
تأسيس الحزب الديمقراطي الوطني
تم تأسيس الحزب الديمقراطي الوطني رسميًا في 2 سبتمبر 1896، في اجتماع في إنديانابوليس، إنديانا. تم اختيار السيناتور جون بالمر من إلينوي، وهو جندي مخضرم في الحرب الأهلية ومؤيد قوي لمعيار الذهب، ليكون مرشح الحزب للرئاسة. تم اختيار الجنرال سيمون بولكنر من كنتاكي، وهو أيضًا جندي مخضرم في الحرب الأهلية، ليكون مرشح الحزب لمنصب نائب الرئيس.
كان برنامج الحزب الديمقراطي الوطني يركز بشكل أساسي على الدفاع عن معيار الذهب. كما دعا الحزب إلى حكومة محدودة، والتجارة الحرة، والإدارة المالية السليمة. كان الحزب يأمل في جذب الديمقراطيين المحافظين الذين شعروا بالنفور من سياسات بريان الشعبوية.
حملة 1896
لم يكن للحزب الديمقراطي الوطني الكثير من الوقت لتنظيم حملة وطنية كاملة. كان الحزب يعاني من نقص التمويل وكان لديه القليل من الدعم الشعبي خارج الشمال الشرقي. ومع ذلك، شن الحزب حملة نشطة، وحاول بالمر وبولكنر الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناخبين.
أدرك قادة الحزب أن فرصهم في الفوز بالرئاسة ضئيلة للغاية، لكنهم كانوا يأملون في تحقيق هدفين رئيسيين. أولاً، كانوا يأملون في منع بريان من الفوز بالرئاسة. كانوا يعتقدون أن فوز بريان سيكون كارثة على الاقتصاد والأمة. ثانيًا، كانوا يأملون في الحفاظ على وجود الديمقراطيين المحافظين في السياسة الأمريكية. كانوا يعتقدون أن هناك حاجة إلى صوت معقول ومسؤول في السياسة الأمريكية لمواجهة الشعبوية والتطرف.
في النهاية، لم ينجح الحزب الديمقراطي الوطني في تحقيق أي من هذين الهدفين. فاز ويليام ماكينلي، المرشح الجمهوري، بالرئاسة بأغلبية ساحقة. حصل بالمر على أقل من 1% من الأصوات الشعبية، وفشل الحزب في الفوز بأي ولاية.
حل الحزب وإرثه
بعد انتخابات عام 1896، حل الحزب الديمقراطي الوطني بسرعة. عاد معظم أعضاء الحزب إلى الحزب الديمقراطي، على الرغم من أن بعضهم انضم إلى الحزب الجمهوري. لم يكن للحزب الديمقراطي الوطني تأثير كبير على السياسة الأمريكية، لكنه يظل مثالًا مثيرًا للاهتمام لحزب سياسي قصير الأجل تشكل استجابة لقضايا مثيرة للانقسام.
يُعد الحزب الديمقراطي الوطني مثالًا على الانقسامات الداخلية التي يمكن أن تواجهها الأحزاب السياسية الرئيسية. كما أنه يسلط الضوء على أهمية المال في السياسة، حيث كان نقص التمويل أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في فشل الحزب. على الرغم من قصر مدة وجوده، يُذكر الحزب الديمقراطي الوطني كدليل على أن الانقسامات العميقة يمكن أن تؤدي إلى تشكيل أحزاب سياسية جديدة، حتى لو كانت هذه الأحزاب قصيرة الأجل.
الأيديولوجيا والمبادئ
كانت أيديولوجية الحزب الديمقراطي الوطني محافظة نسبيًا مقارنة بالحزب الديمقراطي في ذلك الوقت. كان الحزب يمثل مصالح رجال الأعمال والمصرفيين والمحامين الذين شعروا بالقلق إزاء السياسات الشعبوية التي دعا إليها ويليام جينينغز بريان.
- معيار الذهب: كان المبدأ الأساسي للحزب هو الحفاظ على معيار الذهب. كان الحزب يعتقد أن معيار الذهب كان ضروريًا للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والتجارة الدولية. عارض الحزب بشدة الفضة الحرة، التي كان يعتقد أنها ستؤدي إلى التضخم وتضر بالاقتصاد.
- حكومة محدودة: دعا الحزب إلى حكومة محدودة ذات تدخل قليل في الاقتصاد. كان الحزب يعتقد أن الحكومة يجب أن تركز على توفير الدفاع الوطني وإنفاذ القانون وحماية حقوق الملكية.
- التجارة الحرة: كان الحزب يؤيد التجارة الحرة ويعارض التعريفات الجمركية. كان الحزب يعتقد أن التجارة الحرة ستفيد الاقتصاد من خلال زيادة المنافسة وخفض الأسعار.
- الإدارة المالية السليمة: دعا الحزب إلى إدارة مالية سليمة، بما في ذلك ميزانية متوازنة وديون عامة منخفضة. كان الحزب يعتقد أن الإدارة المالية السليمة ضرورية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
باختصار، كان الحزب الديمقراطي الوطني حزبًا محافظًا نسبيًا دافع عن معيار الذهب، وحكومة محدودة، والتجارة الحرة، والإدارة المالية السليمة.
الشخصيات الرئيسية
على الرغم من أن الحزب الديمقراطي الوطني كان قصير الأجل، إلا أنه ضم بعض الشخصيات البارزة في السياسة الأمريكية في ذلك الوقت:
- جون بالمر: مرشح الحزب للرئاسة في عام 1896. كان سيناتورًا من إلينوي وجنديًا مخضرمًا في الحرب الأهلية ومؤيدًا قويًا لمعيار الذهب.
- سيمون بولكنر: مرشح الحزب لمنصب نائب الرئيس في عام 1896. كان جنرالًا سابقًا وحاكم ولاية كنتاكي.
- جروفر كليفلاند: الرئيس السابق للولايات المتحدة الذي دعم الحزب الديمقراطي الوطني بشكل غير مباشر. كان يعارض سياسات بريان الشعبوية وكان يعتبر شخصية مؤثرة في الحزب.
هؤلاء الأفراد، على الرغم من اختلاف خلفياتهم وخبراتهم، اتحدوا في معارضتهم لسياسات بريان ودعمهم لمعيار الذهب.
تأثير الحزب على السياسة الأمريكية
على الرغم من قصر مدة وجوده، كان للحزب الديمقراطي الوطني بعض التأثير على السياسة الأمريكية. أظهر الحزب أن هناك انقسامات عميقة داخل الحزب الديمقراطي حول قضية المال. كما ساهم الحزب في هزيمة ويليام جينينغز بريان في انتخابات عام 1896. على الرغم من أن بالمر لم يحصل إلا على نسبة صغيرة من الأصوات، إلا أن وجوده أدى إلى تقسيم الأصوات الديمقراطية وساعد ماكينلي على الفوز.
بالإضافة إلى ذلك، ساعد الحزب الديمقراطي الوطني في الحفاظ على وجود الديمقراطيين المحافظين في السياسة الأمريكية. حتى بعد حل الحزب، استمر العديد من أعضائه في لعب دور في السياسة، سواء داخل الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري.
خاتمة
كان الحزب الديمقراطي الوطني، المعروف أيضًا باسم الديمقراطيين الذهبيين، حزبًا سياسيًا قصير الأجل ظهر في عام 1896 كرد فعل على ترشيح ويليام جينينغز بريان للرئاسة وبرنامجه المؤيد للفضة الحرة. على الرغم من أن الحزب فشل في الفوز بأي ولاية أو الحصول على دعم شعبي كبير، إلا أنه يظل بمثابة تذكير بالانقسامات داخل الأحزاب السياسية الرئيسية وأهمية القضايا الاقتصادية في تشكيل التحالفات السياسية.