خلفية
في أوائل السبعينيات، كانت عمليات اختطاف الطائرات شائعة نسبيًا، وكانت المنظمات الفلسطينية تستخدمها كأداة للضغط السياسي والإفراج عن السجناء. كانت منظمة أيلول الأسود مسؤولة عن العديد من الهجمات البارزة، بما في ذلك مذبحة ميونيخ في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1972.
سابينا (Société Anonyme Belge d’Exploitation de la Navigation Aérienne) كانت شركة الطيران الوطنية البلجيكية من عام 1923 إلى عام 2001. كانت تعتبر رمزًا وطنيًا وكانت تلعب دورًا هامًا في ربط بلجيكا بالعالم.
تفاصيل الاختطاف
في 8 مايو 1972، انطلقت رحلة سابينا 571 من بروكسل متجهة إلى اللد، مع توقف في فيينا. بعد وقت قصير من إقلاع الطائرة من فيينا، سيطر أربعة خاطفين فلسطينيين على متنها. كان الخاطفون مسلحين بمسدسات وقنابل يدوية. هددوا بتفجير الطائرة إذا لم تتم تلبية مطالبهم.
قاد الخاطفين علي طه أبو سنينة، وتمكنوا من السيطرة على قمرة القيادة. أجبروا الطيار على تغيير مسار الطائرة والهبوط في مطار اللد في إسرائيل. فور هبوط الطائرة، بدأت المفاوضات بين الخاطفين والسلطات الإسرائيلية.
المفاوضات
أدار وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، موشيه ديان، المفاوضات مع الخاطفين. طالب الخاطفون بالإفراج عن 317 سجينًا فلسطينيًا وعربيًا محتجزين في السجون الإسرائيلية. هددوا بتفجير الطائرة مع جميع من فيها إذا لم تتم تلبية مطالبهم بحلول الساعة 9:00 صباحًا من اليوم التالي.
في ظل ضغط الوقت والتهديد بتصعيد الموقف، وافقت الحكومة الإسرائيلية مبدئيًا على التفاوض. ومع ذلك، كانت الحكومة تخطط في الوقت نفسه لعملية إنقاذ سرية.
عملية الإنقاذ
تم تكليف وحدة الكوماندوز الإسرائيلية سييرت ماتكال بتنفيذ عملية الإنقاذ. وضع الكوماندوز خطة جريئة تتضمن التسلل إلى الطائرة متنكرين في زي فنيي صيانة. كان من بين أعضاء الوحدة إيهود باراك وبنيامين نتنياهو، اللذين أصبحا فيما بعد رئيسي وزراء إسرائيليين.
في 9 مايو 1972، في تمام الساعة 4:00 مساءً، بدأ فريق الكوماندوز عمليته. اقتربوا من الطائرة متنكرين في زي فنيي صيانة وقاموا بفتح الأبواب بشكل سري. اندفعوا إلى الطائرة وبدأوا في الاشتباك مع الخاطفين.
كانت العملية سريعة وعنيفة. قُتل اثنان من الخاطفين، وأصيب خاطف آخر، بينما تم القبض على الخاطفة الرابعة، تيريزا هالسة. خلال تبادل إطلاق النار، قُتلت راكبة وأصيب آخرون.
استغرقت عملية الإنقاذ بأكملها بضع دقائق فقط. تم تحرير جميع الركاب وأفراد الطاقم الآخرين بأمان.
نتائج العملية
بعد عملية الإنقاذ الناجحة، تم احتجاز تيريزا هالسة وحوكمت في إسرائيل. حُكم عليها بالسجن المؤبد ولكن تم إطلاق سراحها لاحقًا في صفقة تبادل أسرى.
أشاد العالم بعملية الإنقاذ الجريئة. تم اعتبارها نجاحًا كبيرًا لإسرائيل وأظهرت تصميمها على مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، أثارت العملية أيضًا تساؤلات حول استخدام القوة في مثل هذه الحالات وعواقبها المحتملة.
تأثيرات لاحقة
- تعزيز الإجراءات الأمنية: أدت حادثة رحلة سابينا 571 إلى تعزيز الإجراءات الأمنية في المطارات وشركات الطيران حول العالم.
- تطوير تكتيكات مكافحة الإرهاب: ساهمت العملية في تطوير تكتيكات واستراتيجيات مكافحة الإرهاب، ولا سيما في مجال إنقاذ الرهائن.
- صعود نجم نتنياهو وباراك: ساهمت مشاركة بنيامين نتنياهو وإيهود باراك في العملية في صعودهما السياسي اللاحق.
- تأثير على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية: أدت الحادثة إلى تفاقم التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين وزيادة تعقيد جهود السلام.
تحليل العملية
تعتبر عملية إنقاذ رحلة سابينا 571 مثالًا كلاسيكيًا على عملية عسكرية ناجحة لمكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فإنها تثير أيضًا العديد من الأسئلة الأخلاقية والقانونية حول استخدام القوة في مثل هذه الحالات. يجب الموازنة بين ضرورة حماية حياة الرهائن واحتمال وقوع إصابات بين المدنيين. يجب أيضًا مراعاة العواقب السياسية والإنسانية الأوسع نطاقًا للعملية.
على الرغم من نجاحها الظاهري، لا تزال عملية رحلة سابينا 571 موضوعًا للجدل والنقاش. يرى البعض أنها ضرورية لحماية الأرواح وردع الإرهاب، بينما يرى البعض الآخر أنها مفرطة في القوة وغير ضرورية.
الدروس المستفادة
يمكن استخلاص العديد من الدروس من حادثة رحلة سابينا 571. تشمل هذه الدروس:
- أهمية الاستعداد والتدريب: كان نجاح عملية الإنقاذ يعتمد على الاستعداد والتدريب المكثفين لوحدة سييرت ماتكال.
- قيمة المعلومات الاستخباراتية: لعبت المعلومات الاستخباراتية الدقيقة دورًا حاسمًا في التخطيط لعملية الإنقاذ وتنفيذها.
- ضرورة اتخاذ القرارات الحاسمة: كانت الحكومة الإسرائيلية مطالبة باتخاذ قرارات صعبة وسريعة في ظل ضغط الوقت والتهديد بتصعيد الموقف.
- أهمية التواصل الفعال: كان التواصل الفعال بين مختلف الأطراف المعنية أمرًا ضروريًا لنجاح عملية الإنقاذ.
خاتمة
تظل رحلة سابينا 571 علامة فارقة في تاريخ مكافحة الإرهاب. كانت عملية إنقاذ جريئة وناجحة، ولكنها أثارت أيضًا أسئلة مهمة حول استخدام القوة وعواقبها. تظل الدروس المستفادة من هذه الحادثة ذات صلة حتى اليوم.