مقدمة
جون كايز، المعروف أيضًا باسم جون كايوس باللاتينية، هو شخصية بارزة في تاريخ الطب والتعليم في إنجلترا. ولد عام 1510 وتوفي عام 1573، وقد ترك إرثًا دائمًا كطبيب بارع ومؤسس مشارك لكلية جونفيل وكايوس بجامعة كامبريدج. لم تقتصر مساهماته على الجانب الطبي فحسب، بل امتدت لتشمل إحياء الدراسات الكلاسيكية والنهضة العلمية في عصره.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد جون كايز في نورويتش، إنجلترا، وتلقى تعليمه الأولي في مدرسة نورويتش النحوية. أظهر نبوغًا مبكرًا وشغفًا بالتعلم، مما دفعه للالتحاق بكلية جونفيل هول (التي تعرف الآن بكلية جونفيل وكايوس) في جامعة كامبريدج في عام 1529. حصل على درجة البكالوريوس في الآداب عام 1533، ثم ماجستير في الآداب عام 1536. خلال فترة دراسته، أظهر اهتمامًا خاصًا باللغات الكلاسيكية، وخاصة اليونانية، مما سيؤثر لاحقًا على عمله الطبي.
بعد إكمال دراسته في كامبريدج، سافر كايز إلى الخارج لمواصلة تعليمه الطبي. أمضى عدة سنوات في إيطاليا، حيث درس في جامعات بادوا وبولونيا، وهما من المراكز الرائدة للدراسة الطبية في أوروبا خلال عصر النهضة. في بادوا، درس علم التشريح تحت إشراف أندرياس فيزاليوس، رائد علم التشريح الحديث. حصل على درجة الدكتوراه في الطب من جامعة بادوا في عام 1541.
مسيرته المهنية
بعد عودته إلى إنجلترا، انضم كايز إلى كلية الأطباء في لندن عام 1547، وبدأ ممارسة مهنة الطب بنجاح كبير. سرعان ما اكتسب سمعة طيبة كطبيب ماهر ومثقف، وجذب إليه المرضى من جميع أنحاء البلاد. بالإضافة إلى ممارسته الطبية، كان كايز مهتمًا أيضًا بالبحث العلمي والكتابة.
في عام 1557، تم انتخاب كايز رئيسًا لكلية الأطباء، وهو منصب شغله لمدة سبع سنوات. خلال فترة رئاسته، عمل على تحسين معايير التعليم الطبي وتنظيم المهنة. كما لعب دورًا فعالًا في الحصول على ميثاق ملكي جديد للكلية من الملكة ماري الأولى.
مساهماته الطبية
ترك جون كايز بصمة واضحة في مجال الطب، من خلال كتاباته وممارسته. من أهم مساهماته:
- دراسة الحمى الإنجليزية (Sudor Anglicus): كتب كايز أحد أقدم وأشمل الدراسات عن الحمى الإنجليزية، وهي مرض غامض تفشى في إنجلترا عدة مرات خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر. قدم وصفًا تفصيليًا للأعراض وطرق انتشار المرض، واقترح بعض العلاجات الممكنة.
- إحياء الدراسات الكلاسيكية في الطب: كان كايز من أوائل الأطباء الإنجليز الذين دعوا إلى إحياء الدراسات الكلاسيكية في الطب، وخاصة أعمال أبقراط وجالينوس. اعتقد أن هذه الأعمال تحتوي على رؤى قيمة حول طبيعة المرض والعلاج، وأنها يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من تعليم الأطباء.
- ترجمة الأعمال الطبية الكلاسيكية: قام كايز بترجمة العديد من الأعمال الطبية الكلاسيكية من اليونانية واللاتينية إلى الإنجليزية، مما جعلها في متناول جمهور أوسع. من بين هذه الأعمال، ترجمة لكتاب “عن طبيعة الإنسان” لأبقراط.
إعادة تأسيس كلية جونفيل وكايوس
إحدى أبرز إنجازات جون كايز هي إعادة تأسيس كلية جونفيل هول في جامعة كامبريدج. كانت الكلية قد تأسست في الأصل عام 1348 من قبل إدموند جونفيل، ولكنها كانت تعاني من صعوبات مالية وتدهور في بنيتها التحتية. قرر كايز، الذي كان خريجًا من الكلية، استخدام ثروته ونفوذه لإعادة إحيائها.
في عام 1557، حصل كايز على ميثاق ملكي جديد من الملكة ماري الأولى، والذي سمح له بإعادة تأسيس الكلية باسم كلية جونفيل وكايوس. تبرع كايز بمبلغ كبير من المال للكلية، وقام ببناء مبان جديدة، وأسس زمالات ومنح دراسية للطلاب. كما قام بتحديث المناهج الدراسية وإدخال دراسة الطب كجزء أساسي من البرنامج الأكاديمي.
بفضل جهود كايز، أصبحت كلية جونفيل وكايوس واحدة من أبرز الكليات في جامعة كامبريدج، واشتهرت بتقاليدها الأكاديمية القوية ومساهماتها في مجال الطب والعلوم. حتى يومنا هذا، لا تزال الكلية تحمل اسمه وتخلد ذكراه كمؤسس مشارك.
شخصيته وإرثه
كان جون كايز شخصية معقدة ومثيرة للجدل. كان يتمتع بذكاء حاد وشخصية قوية وإحساس عميق بالواجب. كان أيضًا معروفًا بعصبيته وعناده، مما أدى إلى بعض الخلافات مع زملائه. ومع ذلك، كان يحظى باحترام كبير لالتزامه بالتعليم والبحث العلمي، ولتفانيه في خدمة مرضاه.
ترك جون كايز إرثًا دائمًا في مجال الطب والتعليم في إنجلترا. كان له دور فعال في إحياء الدراسات الكلاسيكية في الطب، وتحسين معايير التعليم الطبي، وإعادة تأسيس كلية جونفيل وكايوس. لا تزال كتاباته ومساهماته موضع تقدير حتى اليوم، وتعتبر مصدر إلهام للأطباء والعلماء في جميع أنحاء العالم.
بالإضافة إلى مساهماته العلمية والتعليمية، كان كايز أيضًا جامعًا شغوفًا للكتب والمخطوطات. جمع مكتبة كبيرة تحتوي على العديد من الأعمال النادرة والقيمة، والتي تبرع بها لكلية جونفيل وكايوس. لا تزال هذه المكتبة جزءًا مهمًا من موارد الكلية، وتستخدمها الباحثون من جميع أنحاء العالم.
خاتمة
جون كايز هو شخصية محورية في تاريخ الطب والتعليم في إنجلترا. بصفته طبيبًا، وباحثًا، ومؤسسًا مشاركًا لكلية جونفيل وكايوس، ترك بصمة لا تُمحى على المشهد الأكاديمي والطبي. جهوده في إحياء الدراسات الكلاسيكية، وتحسين التعليم الطبي، ودعم البحث العلمي تظل ذات صلة وملهمة حتى اليوم.