مقدمة
في عالم السينما، تتجلى قصص الحب بأشكال وأنماط متنوعة، ولكن فيلم “مُقَبَّل” (Kissed) للمخرجة لين ستوبكيويتش، يقدم لنا قصة حب فريدة وغريبة، تتجاوز الحدود التقليدية للعلاقات الإنسانية. الفيلم، الذي صدر عام 1996، يستكشف موضوعًا حساسًا ومثيرًا للجدل، وهو الانجذاب الجنسي للموتى، أو ما يعرف بـ “النيкроفيليا” (Necrophilia)، وذلك من خلال عيون امرأة شابة تدعى ساندرا، تجسدها الممثلة مولي باركر ببراعة فائقة.
الفيلم، المستوحى من قصة قصيرة للكاتبة باربرا غودي، يغوص في أعماق النفس البشرية، محاولًا فهم الدوافع والرغبات التي تقود ساندرا إلى هذا الانجذاب الغريب. “مُقَبَّل” ليس مجرد فيلم عن النيكروفيليا، بل هو استكشاف عميق للوحدة، والعزلة، والبحث عن الحب والقبول في أماكن غير تقليدية. الفيلم يطرح أسئلة صعبة حول طبيعة الحب والجنس، وما إذا كانت هناك حدود لما هو مقبول أو غير مقبول في العلاقات الإنسانية.
من خلال تصوير سينمائي جميل ومؤثر، وموسيقى تصويرية تعزز الجو العام للفيلم، تخلق ستوبكيويتش تجربة سينمائية فريدة ومثيرة للتفكير. “مُقَبَّل” ليس فيلمًا للجميع، ولكنه فيلم جريء ومهم، يتحدى المفاهيم التقليدية ويفتح الباب أمام نقاشات أعمق حول طبيعة الرغبة الإنسانية.
ملخص الفيلم
تدور أحداث الفيلم حول ساندرا، الفتاة الصغيرة التي تكتشف في سن مبكرة انجذابًا غريبًا للموتى. تبدأ القصة بطفولة ساندرا، حيث تنجذب إلى الحيوانات الميتة وتجد فيها نوعًا من السكينة والجمال. مع تقدمها في العمر، يتطور هذا الانجذاب ليصبح رغبة جنسية تجاه الجثث.
تعمل ساندرا في دار جنازات، حيث تجد فرصة للتعبير عن رغباتها الغريبة. هناك، تتعامل مع الجثث بطريقة حميمة، وتجد فيها نوعًا من التواصل الذي لا تستطيع أن تجده في العلاقات الحية. تتورط ساندرا في علاقة مع زميلها في العمل، مات، الذي يكتشف سرها ويحاول فهمها ودعمها.
يركز الفيلم على رحلة ساندرا في فهم نفسها وتقبل رغباتها الغريبة. تحاول ساندرا أن تعيش حياة طبيعية، ولكن انجذابها للموتى يعيقها ويجعلها تشعر بالعزلة والوحدة. في النهاية، تجد ساندرا نوعًا من السلام الداخلي، وتقبل نفسها كما هي، حتى مع رغباتها غير التقليدية.
الشخصيات الرئيسية
- ساندرا (مولي باركر): الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهي امرأة شابة تعاني من انجذاب جنسي للموتى.
- مات (بيتر أوتول): زميل ساندرا في العمل وحبيبها، الذي يحاول فهمها ودعمها.
المواضيع الرئيسية
يتناول فيلم “مُقَبَّل” (Kissed) مجموعة متنوعة من المواضيع المعقدة والمثيرة للجدل، والتي تتجاوز مجرد تصوير الانجذاب الجنسي للموتى. الفيلم يغوص في أعماق النفس البشرية، محاولًا فهم الدوافع والرغبات التي تقود الشخصيات إلى اتخاذ خيارات غير تقليدية. من بين المواضيع الرئيسية التي يستكشفها الفيلم:
- الوحدة والعزلة: تشعر ساندرا بالعزلة والوحدة بسبب رغباتها الغريبة، وتجد صعوبة في التواصل مع الآخرين. الفيلم يسلط الضوء على معاناة الأشخاص الذين يشعرون بأنهم مختلفون عن الآخرين، وكيف يمكن لهذه المشاعر أن تؤثر على حياتهم.
- طبيعة الحب والجنس: يتحدى الفيلم المفاهيم التقليدية للحب والجنس، ويطرح أسئلة صعبة حول ما هو مقبول أو غير مقبول في العلاقات الإنسانية. هل يمكن اعتبار الانجذاب الجنسي للموتى نوعًا من الحب؟ وما هي الحدود التي يجب أن تحكم العلاقات الإنسانية؟
- التقبل الذاتي: يركز الفيلم على رحلة ساندرا في تقبل نفسها ورغباتها الغريبة. تحاول ساندرا أن تعيش حياة طبيعية، ولكن انجذابها للموتى يعيقها ويجعلها تشعر بالذنب والخجل. في النهاية، تجد ساندرا نوعًا من السلام الداخلي، وتقبل نفسها كما هي، حتى مع رغباتها غير التقليدية.
- الموت والفناء: يستكشف الفيلم موضوع الموت والفناء من خلال عيون ساندرا، التي تجد في الموت نوعًا من السكينة والجمال. الفيلم يطرح أسئلة حول طبيعة الموت، وماذا يحدث بعد الموت، وكيف يمكننا التعامل مع فكرة الفناء.
- الجمال والقبح: يتحدى الفيلم المفاهيم التقليدية للجمال والقبح، ويظهر أن الجمال يمكن أن يوجد في أماكن غير متوقعة. ساندرا تجد الجمال في الجثث، وهو ما يعتبره الآخرون قبيحًا ومثيرًا للاشمئزاز.
الرمزية في الفيلم
يستخدم فيلم “مُقَبَّل” (Kissed) العديد من الرموز لتعزيز معانيه واستكشاف مواضيعه. بعض الرموز الرئيسية في الفيلم تشمل:
- الجثث: ترمز الجثث إلى الموت والفناء، ولكنها ترمز أيضًا إلى الوحدة والعزلة. بالنسبة لساندرا، تمثل الجثث مكانًا آمنًا حيث يمكنها أن تكون على طبيعتها دون خوف من الحكم أو الرفض.
- دار الجنازات: تمثل دار الجنازات مكانًا بين الحياة والموت، وهو مكان حيث يمكن لساندرا أن تعبر عن رغباتها الغريبة.
- الحديقة: تمثل الحديقة مكانًا للنمو والتجديد، ولكنها تمثل أيضًا مكانًا للموت والتحلل.
الاستقبال النقدي
تلقى فيلم “مُقَبَّل” (Kissed) استقبالًا نقديًا متباينًا. أشاد بعض النقاد بجرأة الفيلم واستكشافه لمواضيع حساسة ومثيرة للجدل، بينما انتقده آخرون بسبب تصويره الصريح للانجذاب الجنسي للموتى.
على الرغم من الجدل الذي أثاره، يعتبر فيلم “مُقَبَّل” (Kissed) فيلمًا مهمًا ومثيرًا للتفكير. الفيلم يتحدى المفاهيم التقليدية ويفتح الباب أمام نقاشات أعمق حول طبيعة الرغبة الإنسانية. فاز الفيلم بالعديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم كندي في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي.
تأثير الفيلم
أثر فيلم “مُقَبَّل” (Kissed) على العديد من الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تناولت موضوعات مماثلة. الفيلم ساهم في زيادة الوعي بالنيкроفيليا، وفتح الباب أمام نقاشات أكثر انفتاحًا حول هذا الموضوع الحساس.
كما ألهم الفيلم العديد من الفنانين والكتاب، الذين استلهموا من قصة ساندرا في أعمالهم الفنية. يعتبر فيلم “مُقَبَّل” (Kissed) فيلمًا كلاسيكيًا في السينما الكندية، ولا يزال يحظى بالتقدير والاهتمام حتى اليوم.
خاتمة
“مُقَبَّل” (Kissed) هو فيلم فريد وجريء يستكشف موضوعات معقدة وحساسة بطريقة مؤثرة ومثيرة للتفكير. الفيلم ليس مجرد قصة عن النيكروفيليا، بل هو استكشاف عميق للوحدة والعزلة والبحث عن الحب والقبول في أماكن غير تقليدية. على الرغم من الجدل الذي أثاره، يعتبر فيلم “مُقَبَّل” (Kissed) فيلمًا مهمًا ومؤثرًا، يستحق المشاهدة والتأمل.