أصل المصطلح وتطوره
مصطلح “موس توتونيكوس” نفسه ظهر لأول مرة في القرن الثالث عشر، على الرغم من أن الممارسة نفسها قد تكون أقدم من ذلك. يشير المصطلح إلى “العادة الألمانية” أو “الطريقة الألمانية”، مما يوحي بأنها نشأت في الأراضي التي يسكنها الشعب الجرماني، على الرغم من أنها انتشرت لاحقًا في أجزاء أخرى من أوروبا. من المهم ملاحظة أن المصطلح لم يكن دائمًا يحمل دلالة سلبية، بل كان في الأصل مجرد وصف محايد لأسلوب معين في التعامل مع جثث الموتى.
وصف الممارسة
تتضمن ممارسة موس توتونيكوس عدة خطوات، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
- التجهيز الأولي للجثة: بعد الوفاة مباشرة، يتم تنظيف الجثة وغسلها.
- الاستخراج: يتم استخراج الأحشاء الداخلية (الأمعاء والكبد والرئتين وغيرها) من خلال شق في البطن.
- التجفيف: يتم وضع الأحشاء المستخرجة في الماء المغلي أو النبيذ أو الخل لغليها، ثم يتم تجفيفها وحفظها بشكل منفصل.
- الحشو: يتم حشو تجويف الجسم بمواد مثل القش أو الأعشاب أو التراب أو الملح أو الجير الحي لامتصاص الرطوبة والحفاظ على الشكل.
- النقل: يتم نقل الجثة المحشوة، التي أصبحت أخف وزنًا وأقل عرضة للتحلل، إلى مسقط رأس المتوفى لدفنها. أما الأحشاء المجففة، فكانت توضع في أوعية خاصة وتدفن بشكل منفصل، غالبًا في مكان الوفاة أو في كنيسة قريبة.
الهدف الرئيسي من هذه العملية هو منع تحلل الجثة أثناء النقل لمسافات طويلة، خاصة في ظل عدم وجود وسائل حفظ حديثة مثل التحنيط أو التبريد. كانت الطرق التقليدية لنقل الجثث، مثل وضعها في توابيت خشبية، غالبًا ما تؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة وتدهور حالة الجثة، مما يجعلها غير لائقة للعرض في الجنازات المهيبة.
الأسباب والدوافع
هناك عدة أسباب ودوافع وراء انتشار ممارسة موس توتونيكوس في العصور الوسطى:
- الضرورة العملية: كما ذكرنا سابقًا، كانت الحاجة إلى نقل الجثث لمسافات طويلة، خاصة في ظل الظروف الصعبة، هي الدافع الرئيسي. كانت الحملات العسكرية والدبلوماسية غالبًا ما تجبر النبلاء والملوك على السفر إلى أراضٍ بعيدة، وإذا ماتوا هناك، كان من المهم إعادة جثثهم إلى مسقط رأسهم لدفنهم في مقابر العائلة.
- الاعتبارات الدينية: كان الدفن في الأراضي المقدسة أو في مقابر العائلة يعتبر شرفًا كبيرًا في العصور الوسطى. كان يُعتقد أن الدفن في مكان مقدس يزيد من فرص الخلاص ويضمن للمتوفى مكانًا في الجنة.
- الاعتبارات السياسية: كان دفن الملوك والنبلاء في مقابر العائلة بمثابة تأكيد على شرعية حكمهم واستمرارية سلالتهم. كانت الجنازات المهيبة والمراسم الجنائزية بمثابة مناسبات سياسية مهمة لتعزيز السلطة والنفوذ.
- الخوف من الطاعون والأمراض: في أوقات الأوبئة والأمراض المعدية، كان هناك خوف متزايد من انتشار العدوى من خلال الجثث المتحللة. كانت ممارسة موس توتونيكوس تساعد في تقليل خطر انتشار الأمراض عن طريق إزالة الأحشاء الداخلية، التي تعتبر المصدر الرئيسي للتحلل.
الانتقادات والجدل
على الرغم من الفوائد العملية، واجهت ممارسة موس توتونيكوس انتقادات شديدة من بعض رجال الدين والمفكرين في العصور الوسطى. اعتبر البعض هذه الممارسة تدنيسًا لحرمة الموتى وتشويهًا للجثة، وهو أمر يتعارض مع تعاليم الكنيسة. كما أن استخراج الأحشاء الداخلية وغليها اعتبر عملًا مقززًا وغير لائق.
من أبرز المنتقدين لهذه الممارسة الكاردينال هنري دي سيغوسيا، الذي كتب في القرن الثالث عشر انتقادات لاذعة لموس توتونيكوس، واصفًا إياها بأنها “ممارسة بربرية” و “تشويه للجثة”. جادل دي سيغوسيا بأن الجسد البشري مقدس ويجب التعامل معه باحترام حتى بعد الموت، وأن استخراج الأحشاء الداخلية وتجفيفها هو عمل غير أخلاقي وغير إنساني.
ومع ذلك، دافع آخرون عن هذه الممارسة باعتبارها ضرورة عملية في ظل الظروف الصعبة. جادلوا بأن الهدف الرئيسي هو الحفاظ على الجثة ونقلها إلى مكان الدفن المناسب، وأن استخراج الأحشاء الداخلية هو مجرد وسيلة لتحقيق هذا الهدف. كما أشاروا إلى أن الكنيسة لم تحظر هذه الممارسة رسميًا، وأن بعض رجال الدين البارزين شاركوا فيها بأنفسهم.
أمثلة تاريخية
هناك العديد من الأمثلة التاريخية على استخدام ممارسة موس توتونيكوس لنقل جثث الملوك والنبلاء وكبار رجال الدين. من أبرز هذه الأمثلة:
- الإمبراطور فريدريك بربروسا: بعد وفاته غرقًا في نهر سيليف في عام 1190 أثناء الحملة الصليبية الثالثة، تم تطبيق ممارسة موس توتونيكوس على جثته لنقلها إلى مسقط رأسه في ألمانيا. ومع ذلك، لم يتمكن أتباعه من الحفاظ على الجثة بشكل كامل، وتم دفن جزء منها في أنطاكية، بينما تم نقل بقية الجثة إلى صور ثم إلى ألمانيا.
- الملك فيليب الثالث ملك فرنسا: بعد وفاته في عام 1285 أثناء عودته من حملة عسكرية في إسبانيا، تم تطبيق ممارسة موس توتونيكوس على جثته لنقلها إلى فرنسا. تم دفن أحشائه في كنيسة ناربون، بينما تم دفن بقية الجثة في كاتدرائية سان دينيس بالقرب من باريس.
- الملك إدوارد الأول ملك إنجلترا: بعد وفاته في عام 1307 أثناء حملة عسكرية في اسكتلندا، تم تطبيق ممارسة موس توتونيكوس على جثته لنقلها إلى إنجلترا. تم دفن أحشائه في كنيسة لينكولن، بينما تم دفن بقية الجثة في كنيسة وستمنستر بلندن.
تظهر هذه الأمثلة أن ممارسة موس توتونيكوس كانت شائعة نسبيًا بين النبلاء والملوك في العصور الوسطى، وأنها كانت تستخدم لنقل جثثهم لمسافات طويلة لدفنها في مقابر العائلة.
تراجع الممارسة
بدأت ممارسة موس توتونيكوس في التراجع تدريجيًا في العصور الوسطى المتأخرة، وذلك لعدة أسباب:
- تطور وسائل الحفظ: مع تطور تقنيات التحنيط والتبريد، أصبح من الممكن الحفاظ على الجثث لفترات أطول دون الحاجة إلى استخراج الأحشاء الداخلية.
- تغير المواقف تجاه الموت: مع تغير المواقف تجاه الموت والجنازات، أصبح هناك اهتمام أكبر باحترام الجثة وعدم تشويهها.
- انتقادات الكنيسة: على الرغم من أن الكنيسة لم تحظر هذه الممارسة رسميًا، إلا أن الانتقادات المتزايدة من رجال الدين والمفكرين ساهمت في تراجعها.
بحلول نهاية العصور الوسطى، اختفت ممارسة موس توتونيكوس تمامًا، وحلت محلها طرق أخرى لحفظ الجثث ونقلها.
خاتمة
كانت ممارسة موس توتونيكوس ممارسة جنائزية فريدة من نوعها ظهرت في أوروبا خلال العصور الوسطى، وكانت تهدف إلى نقل جثث النبلاء والملوك وكبار رجال الدين لمسافات طويلة. على الرغم من أنها كانت مثيرة للجدل في ذلك الوقت، إلا أنها كانت ضرورة عملية في ظل الظروف الصعبة. ومع تطور وسائل الحفظ وتغير المواقف تجاه الموت، تراجعت هذه الممارسة تدريجيًا حتى اختفت تمامًا.