نشأة الفيلم
نشأ فيلم “المواطن كين” من فكرة تعاون بين أورسون ويلز وهيرمان ج. مانكيفيتش. كان ويلز، وهو شاب معجزة في الرابعة والعشرين من عمره، قد اكتسب بالفعل شهرة واسعة في المسرح والإذاعة. منحته شركة RKO Pictures سيطرة إبداعية غير مسبوقة لإنتاج فيلمه الأول، مما سمح له بتجربة تقنيات سرد القصص الجديدة.
شارك مانكيفيتش، وهو كاتب سيناريو مخضرم معروف بذكائه اللاذع وإدمانه للكحول، في كتابة السيناريو. استوحى مانكيفيتش الكثير من الفيلم من حياة قطب الصحافة ويليام راندولف هيرست، الذي أزعجه تصويره في الفيلم بشدة وحاول قمعه.
القصة
تدور أحداث الفيلم حول تشارلز فوستر كين، وهو رجل ثري ومؤثر يموت في قصره الفخم، زانادو. كلمته الأخيرة هي “روزبد”. يحاول مراسل إخباري يدعى تومسون فك شفرة معنى هذه الكلمة من خلال إجراء مقابلات مع الأشخاص الذين عرفوا كين عن كثب.
من خلال هذه المقابلات، نتعلم عن حياة كين المضطربة. نشأ في فقر مدقع، لكنه اكتسب ثروة هائلة عندما ورث منجم ذهب. استخدم ثروته لبناء إمبراطورية إعلامية، لكنه أصبح مهووسًا بالسلطة والسعي وراء تحقيق طموحاته الشخصية.
يتزوج كين من ابنة الرئيس، لكن زواجهما ينهار بسبب طموحه السياسي وعلاقاته خارج نطاق الزواج. ثم يتزوج من سوزان ألكسندر، وهي مغنية طموحة تصبح محاصرة في زانادو وغير سعيدة. يحاول كين تحويلها إلى نجمة أوبرا، لكنها تفتقر إلى الموهبة. في النهاية، تتركه.
في نهاية الفيلم، نكتشف أن “روزبد” هو اسم زحافة كان كين يملكها عندما كان طفلاً. تمثل الزحافة براءته المفقودة وسعادته في طفولته قبل أن تفسده الثروة والسلطة.
التقنيات السينمائية المبتكرة
يُعرف فيلم “المواطن كين” باستخدامه الرائد للعديد من التقنيات السينمائية، بما في ذلك:
- التركيز العميق: سمح التركيز العميق بإبقاء جميع العناصر الموجودة في المقدمة والخلفية في حالة تركيز حادة، مما خلق إحساسًا بالعمق والواقعية.
- الزوايا المنخفضة: استخدم ويلز الزوايا المنخفضة لخلق إحساس بالقوة والسيطرة لشخصية كين.
- اللقطات الطويلة: استخدم ويلز اللقطات الطويلة لخلق إحساس بالتوتر والترقب.
- المونتاج: استخدم ويلز المونتاج لتكثيف الوقت ونقل المعلومات بسرعة.
- الإضاءة الخافتة: استخدم ويلز الإضاءة الخافتة لخلق جو من الغموض والتشويق.
الموضوعات الرئيسية
يستكشف فيلم “المواطن كين” عددًا من الموضوعات الرئيسية، بما في ذلك:
- القوة والفساد: يوضح الفيلم كيف يمكن للقوة أن تفسد الأفراد وتؤدي بهم إلى اتخاذ قرارات سيئة.
- الثروة والعزلة: يوضح الفيلم كيف يمكن للثروة أن تعزل الأفراد عن الآخرين وتجعلهم غير سعداء.
- الذاكرة والحنين إلى الماضي: يستكشف الفيلم قوة الذاكرة وكيف يمكن لذكريات الماضي أن تشكل حاضرنا.
- الهوية: يبحث الفيلم في مفهوم الهوية وكيف تتشكل من خلال تجاربنا وعلاقاتنا.
- الخسارة: يوضح الفيلم تأثير الخسارة على الأفراد وكيف يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالوحدة والاكتئاب.
تأثير الفيلم
كان لفيلم “المواطن كين” تأثير عميق على السينما. لقد ألهم العديد من المخرجين الآخرين لتجربة تقنيات سرد القصص الجديدة واستكشاف موضوعات معقدة. غالبًا ما يُستشهد به كواحد من أعظم الأفلام التي تم إنتاجها على الإطلاق، ولا يزال يتم دراسته وتحليله من قبل طلاب السينما والنقاد حتى يومنا هذا.
على الرغم من استقباله الفاتر في البداية بسبب تدخل ويليام راندولف هيرست، فقد اكتسب الفيلم تقديرًا تدريجيًا بمرور الوقت. فاز الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي، ورُشح لثماني جوائز أوسكار أخرى.
الجدل المحيط بالفيلم
أثار فيلم “المواطن كين” جدلاً كبيرًا عند صدوره بسبب تصويره لويليام راندولف هيرست. اعتقد هيرست أن الفيلم كان هجومًا شخصيًا عليه وحاول قمعه بكل الوسائل الممكنة. منع هيرست صحفه من مراجعة الفيلم وهدد بمقاطعة أي دور سينما تعرضه.
على الرغم من جهود هيرست، حقق فيلم “المواطن كين” نجاحًا نقديًا كبيرًا وأصبح كلاسيكيًا سينمائيًا. ومع ذلك، استمر الجدل حول الفيلم لسنوات عديدة، ولا يزال موضوع نقاش بين المؤرخين السينمائيين.
التحليل النفسي لشخصية كين
يمكن تحليل شخصية تشارلز فوستر كين من منظور نفسي. يبدو أن كين يعاني من عدد من المشكلات النفسية، بما في ذلك النرجسية، والشعور بالعظمة، وعدم القدرة على إقامة علاقات حميمة.
يمكن أن تُعزى هذه المشكلات إلى طفولة كين المضطربة. تم إرساله للعيش مع وصي عندما كان طفلاً صغيرًا، ولم ير والديه مرة أخرى أبدًا. أدت هذه التجربة إلى شعور كين بالهجر والوحدة، مما أثر على علاقاته اللاحقة.
يسعى كين إلى السلطة والثروة كوسيلة للتعويض عن هذه المشاعر. إنه يعتقد أن السلطة والثروة ستجعلانه سعيدًا ومقبولًا من قبل الآخرين. ومع ذلك، يجد كين أن السلطة والثروة لا يمكن أن تملأ الفراغ العاطفي في حياته.
في نهاية الفيلم، يدرك كين أنه ضيع حياته في السعي وراء الأشياء الخاطئة. الكلمة الأخيرة التي يتفوه بها، “روزبد”، هي تذكير ببراءته المفقودة وسعادته في طفولته.
تأثير فيلم “المواطن كين” على الثقافة الشعبية
أثر فيلم “المواطن كين” على الثقافة الشعبية بعدة طرق. تم تقليد أسلوبه السينمائي وتقنياته في العديد من الأفلام والبرامج التلفزيونية الأخرى. كما ألهم الفيلم عددًا من الكتب والمسرحيات والأغاني.
أصبحت شخصية تشارلز فوستر كين شخصية مبدعة في الثقافة الشعبية. إنه يمثل مخاطر السلطة والثروة، وأهمية الحفاظ على اتصال جذورنا.
خاتمة
فيلم “المواطن كين” تحفة سينمائية حقيقية. إنه فيلم معقد ومثير للتفكير يستكشف موضوعات القوة والثروة والعزلة. يُعرف الفيلم بتقنياته السينمائية المبتكرة وسرد القصص المعقد. لقد كان لفيلم “المواطن كين” تأثير عميق على السينما ولا يزال يتم دراسته وتحليله من قبل طلاب السينما والنقاد حتى يومنا هذا. إنه فيلم خالد سيستمر في إلهام وإثارة إعجاب المشاهدين لأجيال قادمة.