<![CDATA[
نشأته وتعليمه
ولد دونالد كريسّي في 27 أبريل 1919 في ساوث هيفن، واشنطن. حصل على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة واشنطن عام 1939. وخلال الحرب العالمية الثانية، خدم في الجيش الأمريكي. بعد انتهاء الحرب، عاد إلى الدراسة وحصل على درجة الماجستير والدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة إنديانا، حيث كتب أطروحته حول عصابات الاحتيال. شكلت دراسته هذه الأساس لعمله المستقبلي في مجال الجريمة الاقتصادية.
نظريته حول الاحتيال في الثقة
تعتبر نظرية كريسّي حول “الاحتيال في الثقة” من أبرز إسهاماته في علم الجريمة. نشر هذه النظرية في عام 1953 في دراسته المعنونة “أشخاص يثق بهم”. تقوم النظرية على ثلاثة عناصر أساسية، وهي:
- الحاجة إلى حل مشكلة مالية غير قابلة للمشاركة: يواجه مرتكبو الجرائم في الثقة مشكلة مالية لا يمكنهم مشاركتها مع الآخرين، مثل الديون أو المشاكل الشخصية.
- فرصة لاستغلال وضع الثقة: لديهم القدرة على استغلال وضع الثقة الممنوح لهم بسبب مناصبهم أو علاقاتهم لتنفيذ الاحتيال.
- القدرة على تبرير أفعالهم: يطورون أساليب لتبرير أفعالهم، مما يسمح لهم بالاعتقاد بأنهم ليسوا مجرمين، بل أنهم يستحقون المال أو أن الظروف أجبرتهم على ذلك.
يوضح هذا النموذج كيف أن الأشخاص الذين يتمتعون بفرص للوصول إلى الأموال أو الأصول، والذين لديهم دوافع مالية شخصية، والذين يمتلكون القدرة على تبرير أفعالهم، هم الأكثر عرضة للانخراط في الاحتيال في الثقة. ركزت نظرية كريسّي على العوامل النفسية والاجتماعية التي تدفع الأفراد إلى ارتكاب جرائم الياقات البيضاء، بعيدًا عن مجرد العوامل الاقتصادية.
أعماله ومساهماته الأخرى
بالإضافة إلى نظرية الاحتيال في الثقة، قدم كريسّي مساهمات كبيرة في مجالات أخرى في علم الجريمة. كان مهتمًا بدراسة السجون والإصلاحيات، ودراسة السلوك الإجرامي في هذه البيئات. كما أنه أجرى أبحاثًا حول سلوك عصابات الجريمة المنظمة. كتب كريسّي العديد من الكتب والمقالات الأكاديمية التي أثرت في تطوير هذا المجال.
من بين أعماله البارزة الأخرى:
- علم العقوبات: قدم مساهمات في فهم الأنظمة العقابية وعلاقتها بالحد من الجريمة.
- الجريمة المنظمة: بحث في طبيعة الجريمة المنظمة، وأساليب عملها وتأثيرها على المجتمع.
- الوقاية من الجريمة: اهتم بوضع استراتيجيات للوقاية من الجريمة، من خلال فهم أسبابها والتدخل في العوامل المؤدية إليها.
تأثيره على علم الجريمة
كان لدونالد كريسّي تأثير كبير على تطور علم الجريمة كعلم. عمله على الجريمة الاقتصادية، وخاصة الاحتيال في الثقة، ساعد في تغيير الطريقة التي ينظر بها إلى الجريمة. قبل كريسّي، كان التركيز في علم الجريمة ينصب على الجرائم العنيفة والجرائم التقليدية. إلا أن عمله فتح الباب أمام دراسة أعمق للجرائم الاقتصادية والجرائم غير العنيفة، وأظهر أهمية دراسة دوافع المجرمين وكيفية تطورهم.
أثرت أفكار كريسّي على السياسات الجنائية. فقد ساعدت في تطوير استراتيجيات للوقاية من الجريمة الاقتصادية، من خلال فهم العوامل التي تدفع الأفراد إلى ارتكاب هذه الجرائم. كما ساهمت في تطوير أساليب جديدة للتحقيق في الجرائم المالية.
الجوائز والتكريمات
حصل دونالد كريسّي على العديد من الجوائز والتكريمات خلال حياته المهنية. تم انتخابه رئيسًا لجمعية علم الجريمة الأمريكية، وهي أكبر جمعية لعلم الجريمة في العالم. حصل على زمالات من العديد من المؤسسات الأكاديمية المرموقة. كما حصل على العديد من الجوائز تقديراً لإسهاماته في مجال علم الجريمة وعلم الاجتماع.
حياته الشخصية
تزوج دونالد كريسّي من إليزابيث أوغيل، وأنجبا طفلين. كان معروفًا بذكائه وتفانيه في العمل. كان له دور كبير في توجيه وتدريب العديد من الطلاب والباحثين في مجال علم الجريمة. ترك إرثًا دائمًا في هذا المجال، حيث لا تزال أفكاره ونظرياته تُدرَّس وتُستخدم حتى اليوم.
إرثه
يُعتبر دونالد كريسّي أحد أهم علماء الجريمة في القرن العشرين. ساهمت أبحاثه ونظرياته في تغيير فهمنا للجريمة، وخاصة الجرائم الاقتصادية والجرائم غير العنيفة. لا تزال أعماله ذات صلة حتى اليوم، ويستمر الباحثون في الاستفادة من أفكاره ونظرياته في دراسة السلوك الإجرامي. إرثه مستمر في التأثير على السياسات الجنائية واستراتيجيات الوقاية من الجريمة في جميع أنحاء العالم.
خاتمة
ترك دونالد كريسّي بصمة لا تمحى في مجال علم الجريمة. من خلال دراساته المبتكرة حول الاحتيال في الثقة والجريمة الاقتصادية، ساعد في تغيير طريقة تفكيرنا حول الجريمة ودوافع المجرمين. كان لعمله تأثير كبير على السياسات الجنائية واستراتيجيات الوقاية من الجريمة. لا تزال أفكاره ونظرياته ذات صلة حتى اليوم، ويستمر الباحثون في الاستفادة من إرثه في دراسة الجريمة وفهمها بشكل أفضل.