نشأته وتعليمه
ولد هرمز مينجانا في قرية شرانش بالقرب من زاخو، وهي منطقة كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية آنذاك. تلقى تعليمه الأولي في دير الربان هرمزد بالقرب من القوش، وهو مركز ثقافي وديني مهم للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. أظهر مينجانا منذ صغره تفوقًا في اللغات والعلوم الدينية، مما شجعه على مواصلة دراسته ليصبح كاهنًا.
بعد إكمال دراسته في الدير، انتقل مينجانا إلى الموصل، حيث درس في المدرسة البطريركية الكلدانية. هناك، تعمق في دراسة اللاهوت والفلسفة واللغات الشرقية، بما في ذلك السريانية والعربية. أتقن مينجانا هذه اللغات بطلاقة، مما مكنه من قراءة وفهم النصوص الدينية والفلسفية القديمة.
حياته الدينية
سيم مينجانا كاهنًا في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية عام 1902، وخدم في عدة كنائس في منطقة الموصل. خلال فترة خدمته، أظهر اهتمامًا خاصًا بالتعليم وبتعزيز الثقافة المسيحية بين أبناء رعيته. قام مينجانا بتدريس اللغة السريانية والتاريخ الكنسي، كما شجع على قراءة الكتب والمخطوطات الدينية.
كان مينجانا شخصية محبوبة ومحترمة في مجتمعه، وعرف عنه تواضعه وتفانيه في خدمة الآخرين. لعب دورًا مهمًا في حل النزاعات والمشاكل التي كانت تواجه أبناء رعيته، كما كان يقدم المساعدة المادية والمعنوية للمحتاجين.
هجرته إلى إنجلترا
في عام 1913، هاجر مينجانا إلى إنجلترا بدعوة من إدوارد كادبوري، وهو رجل أعمال كويكر ثري ومحسن مهتم بالدراسات الشرقية. كان كادبوري يبحث عن شخص مؤهل لجمع وترجمة المخطوطات الشرقية القديمة، وخاصة تلك المتعلقة بتاريخ المسيحية المبكرة والإسلام. رأى كادبوري في مينجانا الشخص المناسب لهذه المهمة، فدعاه للعمل في مكتبة كادبوري في سيللي أوك، برمنغهام.
كانت هجرة مينجانا إلى إنجلترا نقطة تحول في حياته، حيث أتاحت له الفرصة للتفرغ للبحث العلمي والدراسات الشرقية. بدعم من كادبوري، قام مينجانا برحلات مكثفة إلى الشرق الأوسط لجمع المخطوطات النادرة والنفيسة. زار مينجانا العديد من البلدان، بما في ذلك العراق وسوريا وتركيا ومصر، حيث قام بشراء أو تصوير آلاف المخطوطات.
إسهاماته العلمية
يعتبر ألفونس مينجانا من أبرز الباحثين في الدراسات الشرقية في القرن العشرين. قام مينجانا بتحقيق ونشر العديد من النصوص العربية والسريانية المهمة، والتي ساهمت في فهم تاريخ المسيحية المبكرة والإسلام. من بين أهم أعماله:
- Catalogue of the Mingana Collection of Manuscripts: وهو عبارة عن فهرس شامل للمخطوطات التي جمعها مينجانا، ويضم أكثر من 3000 مخطوطة باللغات العربية والسريانية والفارسية وغيرها.
- Sources of Early Christian Literature: وهي سلسلة من النصوص المسيحية المبكرة التي قام مينجانا بتحقيقها وترجمتها إلى الإنجليزية.
- Woodbrooke Studies: وهي مجلة علمية أسسها مينجانا لنشر البحوث والدراسات المتعلقة بالدراسات الشرقية.
- العديد من المقالات والبحوث المنشورة في الدوريات العلمية المتخصصة.
تميزت أعمال مينجانا بالدقة والشمولية، كما أنها كانت تعتمد على منهج علمي رصين. كان مينجانا يتمتع بمعرفة واسعة باللغات الشرقية والتاريخ الإسلامي والمسيحي، مما مكنه من تقديم تحليلات قيمة ومبتكرة للنصوص التي كان يحققها.
مجموعته من المخطوطات
تعتبر مجموعة مينجانا من المخطوطات من أهم المجموعات الخاصة بالمخطوطات الشرقية في العالم. تضم المجموعة آلاف المخطوطات باللغات العربية والسريانية والفارسية وغيرها، وتغطي مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك اللاهوت والفلسفة والتاريخ والأدب والعلوم.
تشتمل المجموعة على العديد من المخطوطات النادرة والنفيسة، والتي لا توجد نسخ أخرى منها في أي مكان آخر في العالم. من بين أهم المخطوطات الموجودة في المجموعة:
- مخطوطات من الكتاب المقدس باللغات السريانية والعربية.
- مخطوطات من أعمال آباء الكنيسة باللغات السريانية والعربية.
- مخطوطات من التفاسير الإسلامية المبكرة للقرآن الكريم.
- مخطوطات من كتب الحديث النبوي.
- مخطوطات من كتب التاريخ الإسلامي.
- مخطوطات من كتب الأدب العربي.
- مخطوطات من كتب العلوم والفلسفة العربية.
تعد مجموعة مينجانا من المخطوطات مصدرًا قيمًا للباحثين والدارسين في مجال الدراسات الشرقية. تتيح المجموعة للباحثين فرصة الاطلاع على النصوص الأصلية التي كتبت قبل مئات السنين، وفهم تاريخ وثقافة الشرق الأوسط بشكل أفضل.
وفاته
توفي ألفونس مينجانا في برمنغهام، إنجلترا، في 5 ديسمبر 1937، عن عمر يناهز 59 عامًا. دفن في مقبرة سيللي أوك في برمنغهام.
ترك مينجانا وراءه إرثًا علميًا وثقافيًا غنيًا. لا تزال أعماله ومجموعته من المخطوطات تلهم الباحثين والدارسين في جميع أنحاء العالم. يعتبر مينجانا شخصية بارزة في تاريخ الدراسات الشرقية، وقد ساهم بشكل كبير في فهم تاريخ وثقافة الشرق الأوسط.
تقدير أعماله
حظي ألفونس مينجانا بتقدير كبير من قبل الباحثين والدارسين في مجال الدراسات الشرقية. يعتبر مينجانا من أبرز الباحثين في القرن العشرين، وقد ساهم بشكل كبير في فهم تاريخ المسيحية المبكرة والإسلام.
تم تكريم مينجانا من قبل العديد من المؤسسات العلمية والثقافية. حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة برمنغهام، كما تم انتخابه عضوًا في العديد من الجمعيات العلمية المرموقة.
لا تزال أعمال مينجانا ومجموعته من المخطوطات تلهم الباحثين والدارسين في جميع أنحاء العالم. يعتبر مينجانا شخصية بارزة في تاريخ الدراسات الشرقية، وقد ساهم بشكل كبير في فهم تاريخ وثقافة الشرق الأوسط.
خاتمة
ألفونس مينجانا كان باحثًا لاهوتيًا وقسًا آشوريًا كلدانيًا، اشتهر بجمعه لمخطوطات الشرق الأوسط القديمة. هاجر إلى إنجلترا حيث تفرغ للبحث العلمي بدعم من إدوارد كادبوري. نشر مينجانا العديد من النصوص العربية والسريانية المهمة، وترك وراءه مجموعة قيمة من المخطوطات التي تعتبر مرجعًا هامًا للباحثين في الدراسات الشرقية.