<![CDATA[
خلفية تاريخية
في أوائل القرن السادس عشر، شهدت أوروبا اضطرابات دينية واجتماعية كبيرة. أدت أفكار مارتن لوثر والإصلاحيين الآخرين إلى تحدي سلطة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، مما أدى إلى ظهور حركات بروتستانتية مختلفة. كان الإمبراطور تشارلز الخامس، الذي كان كاثوليكيًا مخلصًا، مصممًا على قمع البدعة والوحدة في الإمبراطورية. في عام 1530، دعا إلى اجتماع في أوغسبورغ بهدف إيجاد حل وسط بين الكاثوليك والبروتستانت.
في هذا السياق، تم إعداد اعتراف أوغسبورغ لتمثيل وجهة نظر اللوثريين. في الوقت نفسه، كان الإصلاحيون في ستراسبورغ، بقيادة مارتن بوكر وآخرين، غير راضين عن اعتراف أوغسبورغ، لأنه لم يعكس بشكل كامل آراءهم اللاهوتية. لقد اختلفوا بشكل خاص حول مسألة القربان المقدس، حيث كان لديهم وجهة نظر مختلفة عن اللوثريين بشأن الطبيعة الحقيقية لوجود المسيح في القربان.
تشكيل اعتراف الرباعية
تمت صياغة اعتراف الرباعية بشكل أساسي من قبل مارتن بوكر وفولفغانغ كابيتو، وهما إصلاحيان مهمان في ستراسبورغ. شارك أيضًا في صياغته الإصلاحيون من مدن سوابيا، مثل أورلدنغن. تم تقديمه للإمبراطور تشارلز الخامس في أوغسبورغ في عام 1530.
كان هدف اعتراف الرباعية هو توضيح العقائد اللاهوتية للإصلاحيين في ستراسبورغ ومدن أخرى، وعرضها على الإمبراطور. كان يأملون في إقناع الإمبراطور بتسامح أكبر تجاههم وتجاه الطوائف البروتستانتية الأخرى.
المحتوى والمضامين اللاهوتية
يتألف اعتراف الرباعية من 23 مادة، تناقش العقائد المسيحية الأساسية. يركز على المفاهيم اللاهوتية المركزية للإصلاح البروتستانتي، بما في ذلك:
- الكتاب المقدس كمرجع أعلى: يؤكد الاعتراف على أن الكتاب المقدس هو المصدر النهائي للسلطة في المسائل الدينية، متجاوزًا التقاليد الكنسية.
- النعمة بالإيمان وحده: يشدد على أن الخلاص يتم من خلال الإيمان بيسوع المسيح وحده، وليس من خلال الأعمال الصالحة أو الطقوس.
- الاعتراف العام بالخطيئة: يشجع على الاعتراف بالخطايا أمام الله والتوبة عنها، مما يساهم في التطهير الروحي.
- القربان المقدس: هذا هو الموضوع الذي أظهر فيه الإصلاحيون في ستراسبورغ وجهة نظر مختلفة عن اللوثريين. لقد رفضوا الإيمان بالتجسد الحقيقي (حيث يتحول الخبز والخمر حرفيًا إلى جسد ودم المسيح)، لكنهم أقروا بوجود حقيقي روحي للمسيح في القربان، حيث يتلقى المؤمنون نعمة المسيح من خلال الإيمان.
- طبيعة الكنيسة: يصف الكنيسة الحقيقية بأنها مجتمع المؤمنين الحقيقيين، وليس بالضرورة المؤسسة الكنسية الخارجية.
بالإضافة إلى هذه العقائد الأساسية، ناقش الاعتراف أيضًا قضايا مثل الزواج، وواجبات الحكام، والعلاقة بين الكنيسة والدولة.
الاختلافات عن اعتراف أوغسبورغ
في حين أن اعتراف أوغسبورغ يمثل وجهة نظر اللوثريين، يعكس اعتراف الرباعية آراء الإصلاحيين من خلفية مختلفة، بما في ذلك الإصلاحيين السويسريين والزونغليين. الاختلافات الرئيسية بينهما تشمل:
- القربان المقدس: كما ذكرنا سابقًا، كان هذا هو الموضوع الرئيسي الذي اختلف فيه الاعترافان. كان اعتراف الرباعية أقرب إلى وجهة النظر السويسرية الإصلاحية حول القربان المقدس.
- مفهوم الخلاص: في حين أن كليهما يؤكدان على الخلاص بالإيمان، إلا أن اعتراف الرباعية يشدد على أهمية السلوك المسيحي والعمل الصالح بشكل أكبر.
- العلاقة بين الكنيسة والدولة: اعتراف الرباعية يظهر ميلًا أكبر لفصل الكنيسة عن الدولة.
التأثير والأهمية
على الرغم من أن اعتراف الرباعية لم يتم قبوله من قبل الإمبراطور تشارلز الخامس، إلا أنه كان له تأثير كبير على تاريخ الإصلاح.
- توحيد الإصلاحيين: ساعد الاعتراف على توحيد الإصلاحيين في جنوب ألمانيا وسويسرا، وساهم في بناء حركة إصلاحية أكثر تماسكًا.
- تطوير اللاهوت الإصلاحي: ساهم الاعتراف في تطوير اللاهوت الإصلاحي، وتوفير الأساس للعديد من الطوائف البروتستانتية اللاحقة.
- تأثير على الحركات الإصلاحية الأخرى: أثر الاعتراف على الحركات الإصلاحية الأخرى في أوروبا، بما في ذلك الإصلاحيون في سويسرا وهولندا.
- الشهادة على الإيمان: يعتبر الاعتراف شهادة على الإيمان المسيحي للإصلاحيين في ذلك الوقت، وتعبر عن التزامهم بالحقيقة الإنجيلية.
الإرث
يظل اعتراف الرباعية وثيقة مهمة في تاريخ المسيحية. يمثل موقفًا مهمًا في تطور الإصلاح البروتستانتي، ويقدم رؤى قيمة حول اللاهوت والمجتمع في القرن السادس عشر.
اليوم، لا يزال اعتراف الرباعية يمثل مصدر إلهام للكثيرين، ويذكرنا بأهمية الإيمان، والعدالة، والوحدة في مواجهة الشدائد. إنه يمثل أيضًا مثالًا على كيفية سعي المسيحيين لإيجاد أرضية مشتركة مع الحفاظ على قناعاتهم.
التحديات والمواجهة
في الوقت الذي تم فيه تقديم اعتراف الرباعية، واجه الإصلاحيون تحديات كبيرة. كان عليهم أن يدافعوا عن معتقداتهم في مواجهة معارضة الكنيسة الكاثوليكية والإمبراطورية الرومانية المقدسة. واجهوا أيضًا تحديات داخل صفوفهم، حيث اختلف الإصلاحيون المختلفون حول قضايا مثل القربان المقدس.
لم يكن الإمبراطور تشارلز الخامس متعاطفًا مع الإصلاحيين. أراد الحفاظ على الوحدة الدينية في الإمبراطورية، ورأى في الإصلاح تهديدًا لذلك. لذلك، رفض الإقرار باعتراف الرباعية.
على الرغم من هذه التحديات، استمر الإصلاحيون في نشر أفكارهم والتأثير على العالم. ساعدهم إيمانهم القوي، والتزامهم بالحقيقة الإنجيلية، ووحدتهم في مواجهة الشدائد على التغلب على هذه التحديات.
العلاقة مع الطوائف البروتستانتية الأخرى
كان اعتراف الرباعية وثيق الصلة بالطوائف البروتستانتية الأخرى. على سبيل المثال، كان له تأثير كبير على الإصلاحيين السويسريين، مثل هاينريش بولينغر. كما ساعد في توحيد الإصلاحيين في جنوب ألمانيا، الذين شاركوا في العديد من القضايا المشتركة.
كانت العلاقة بين اعتراف الرباعية والطوائف البروتستانتية الأخرى معقدة. كان هناك بعض الخلافات بينهما، خاصة فيما يتعلق بالقربان المقدس. ومع ذلك، فقد اتفقوا جميعًا على العديد من القضايا الأساسية، مثل سلطة الكتاب المقدس والنعمة بالإيمان.
الخاتمة
اعتراف الرباعية هو اعتراف إيماني بروتستانتي مبكر، يمثل وجهة نظر الإصلاحيين في ستراسبورغ ومدن أخرى في جنوب ألمانيا وسويسرا. على الرغم من أنه لم يحظ باعتراف الإمبراطورية الرومانية المقدسة، إلا أنه كان وثيقة مهمة في تاريخ الإصلاح البروتستانتي. يعكس الاعتراف المفاهيم اللاهوتية المركزية للإصلاح، ويوضح الاختلافات بين اللوثريين والإصلاحيين الآخرين. كان له تأثير كبير على تاريخ الإصلاح، وساهم في توحيد الإصلاحيين وتطوير اللاهوت الإصلاحي. يعتبر اعتراف الرباعية إرثًا مهمًا حتى اليوم، ويذكرنا بأهمية الإيمان، والعدالة، والوحدة في مواجهة الشدائد.