مقدمة
إرنست يواكيم ستيرنجلاس (24 سبتمبر 1923 – 12 فبراير 2015) كان أستاذاً فخرياً في جامعة بيتسبرغ وعالم فيزياء اشتهر بعمله في تطوير أجهزة التصوير الإلكتروني منخفضة الإضاءة، فضلاً عن آرائه المثيرة للجدل حول الآثار الصحية للإشعاع النووي، وخاصةً التساقط الإشعاعي الناتج عن اختبارات الأسلحة النووية.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد إرنست ستيرنجلاس في برلين، ألمانيا، في عام 1923 لعائلة يهودية. هربت عائلته من ألمانيا في عام 1938 بسبب تصاعد معاداة السامية النازية، واستقرت في الولايات المتحدة. حصل ستيرنجلاس على درجة البكالوريوس في العلوم من جامعة كورنيل عام 1944، ودرجة الماجستير في العلوم والدكتوراه في الفيزياء من جامعة كورنيل أيضًا عامي 1947 و1951 على التوالي.
المهنة الأكاديمية
بعد حصوله على الدكتوراه، انضم ستيرنجلاس إلى مختبر أبحاث البحرية الأمريكية في واشنطن العاصمة. في عام 1952، انتقل إلى شركة ويستينغهاوس إلكتريك، حيث عمل على تطوير أجهزة التصوير الإلكتروني. في عام 1967، انضم إلى هيئة التدريس في جامعة بيتسبرغ كأستاذ للفيزياء. بقي في جامعة بيتسبرغ حتى تقاعده في عام 1994.
العمل في مجال التصوير الإلكتروني
يُعرف ستيرنجلاس على نطاق واسع بعمله الرائد في مجال التصوير الإلكتروني منخفض الإضاءة. خلال عمله في شركة ويستينغهاوس، قام بتطوير العديد من الأجهزة المبتكرة التي حسنت بشكل كبير قدرة العلماء والمهندسين على رؤية الأشياء في ظروف الإضاءة المنخفضة. تشمل بعض إنجازاته البارزة:
- مضاعف الصورة (Image Intensifier): ساهم ستيرنجلاس في تطوير مضاعفات الصورة، وهي أجهزة تضخم الضوء، مما يجعلها مفيدة في مجموعة واسعة من التطبيقات، بما في ذلك الرؤية الليلية والتصوير الطبي.
- أجهزة التصوير بالأشعة السينية (X-ray Imaging Devices): قام بتطوير أجهزة متخصصة لتحسين التصوير بالأشعة السينية، مما أدى إلى تحسين التشخيص الطبي.
ساهمت هذه الاختراعات بشكل كبير في مجالات مثل علم الفلك والمراقبة والأبحاث الطبية.
الجدل حول الآثار الصحية للإشعاع
أصبح ستيرنجلاس شخصية مثيرة للجدل بسبب آرائه حول الآثار الصحية للإشعاع النووي. زعم أن التساقط الإشعاعي الناتج عن اختبارات الأسلحة النووية تسبب في زيادة وفيات الرضع وتشوهات خلقية. نشر العديد من المقالات والكتب حول هذا الموضوع، بما في ذلك كتابه الأكثر شهرة “الخطر الخفي: الإشعاع النووي، وفيات الرضع والسرطان” (Secret Fallout: Low-Level Radiation from Hiroshima to Three Mile Island).
أثارت أبحاث ستيرنجلاس جدلاً واسعاً. جادل العديد من العلماء بأن بياناته غير كافية لدعم استنتاجاته، وأن هناك عوامل أخرى يمكن أن تفسر الزيادة في وفيات الرضع. ومع ذلك، دافع ستيرنجلاس عن عمله، زاعماً أن الحكومة والجهات الصناعية أخفت الأدلة على الآثار الضارة للإشعاع.
ركزت حججه الرئيسية على:
- تأثيرات الإشعاع منخفض المستوى: زعم أن حتى المستويات المنخفضة من الإشعاع يمكن أن تكون ضارة، خاصة للأطفال الذين لم يولدوا بعد والأطفال الصغار.
- البيانات المتعلقة بوفيات الرضع: قدم بيانات تربط بين اختبارات الأسلحة النووية وزيادة معدلات وفيات الرضع في المناطق المتضررة.
- التشوهات الخلقية: زعم أن التساقط الإشعاعي ساهم في زيادة التشوهات الخلقية.
أثارت هذه الادعاءات جدلاً مكثفاً، حيث انتقد العديد من العلماء أساليبه واستنتاجاته. ومع ذلك، فقد اكتسب أيضاً دعماً من نشطاء مناهضة الأسلحة النووية والمجموعات البيئية الذين رأوا في عمله تحذيراً بشأن المخاطر المحتملة للطاقة النووية.
الجدل حول محطة ثري مايل آيلاند النووية
بعد حادثة محطة ثري مايل آيلاند النووية في عام 1979، أصبح ستيرنجلاس من أبرز المنتقدين للطاقة النووية. زعم أن الحادث تسبب في إطلاق كميات كبيرة من الإشعاع، مما أدى إلى زيادة معدلات الإصابة بالسرطان والعيوب الخلقية في المنطقة المحيطة بالمحطة. أدلى بشهادته أمام الكونغرس حول هذا الموضوع، وأصبح مدافعاً صريحاً عن إغلاق محطات الطاقة النووية.
الجوائز والتكريمات
على الرغم من الجدل الدائر حول آرائه حول الإشعاع، فقد حصل ستيرنجلاس على العديد من الجوائز والتكريمات لعمله في مجال التصوير الإلكتروني، بما في ذلك:
- جائزة زويس (Zworykin Award) من معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE).
- زمالة جمعية الفيزياء الأمريكية.
- جائزة الإنجاز مدى الحياة من جمعية التصوير الإلكتروني.
الحياة الشخصية
تزوج ستيرنجلاس من إيلين ماير في عام 1947، وأنجبا أربعة أطفال. كان ناشطًا في مجال السلام والعدالة الاجتماعية، وعمل في العديد من المنظمات التي تروج لنزع السلاح النووي وحماية البيئة. توفي ستيرنجلاس في منزله في بيتسبرغ في 12 فبراير 2015، عن عمر يناهز 91 عامًا.
الإرث
لا يزال إرث إرنست ستيرنجلاس معقداً ومثيراً للجدل. يُذكر بعمله الرائد في مجال التصوير الإلكتروني، والذي أحدث ثورة في مجالات مثل الطب وعلم الفلك والأمن القومي. ومع ذلك، فإنه يُذكر أيضاً بآرائه المثيرة للجدل حول الآثار الصحية للإشعاع، والتي أثارت جدلاً واسعاً بين العلماء وصناع السياسات. بغض النظر عن الآراء حول عمله، لا يمكن إنكار أن ستيرنجلاس كان شخصية مؤثرة تركت بصمة لا تُمحى على العلوم والمجتمع.
خاتمة
كان إرنست ستيرنجلاس عالم فيزياء وأستاذاً جامعياً لعب دوراً هاماً في تطوير تكنولوجيا التصوير الإلكتروني. اشتهر أيضاً بآرائه المثيرة للجدل حول مخاطر الإشعاع النووي، والتي أثارت نقاشات حادة وأثرت على السياسات العامة. على الرغم من الجدل الدائر حول عمله، لا يزال ستيرنجلاس شخصية بارزة في تاريخ العلوم.