مقدمة
المظلة البلغارية هي أداة اغتيال مقنعة، اتخذت شكل مظلة عادية، ولكنها تخفي في طياتها آلية تعمل بالهواء المضغوط لإطلاق حبيبات صغيرة تحتوي على مادة الريسين السامة. اكتسبت هذه الأداة سيئة السمعة شهرة واسعة بعد استخدامها المزعوم في اغتيال المنشق البلغاري جورجي ماركوف في لندن عام 1978.
آلية العمل
تتكون المظلة البلغارية من عدة أجزاء رئيسية تعمل بتناغم لإنجاز مهمة الاغتيال:
- المظلة نفسها: تبدو كأي مظلة عادية، مما يساعد على إخفاء طبيعتها الحقيقية.
- آلية الهواء المضغوط: وهي عبارة عن نظام صغير يعمل بالضغط لإطلاق الحبيبة السامة.
- الحبيبة السامة: عبارة عن كرة صغيرة جدًا (بقطر حوالي 1.5 ملم) مصنوعة من المعدن أو الزجاج وتحتوي على مادة الريسين السامة.
عندما يتم الضغط على زناد المظلة، يتم إطلاق الحبيبة السامة بسرعة عالية (تقدر بحوالي 4-5 أمتار في الثانية) لتخترق جلد الضحية. نظرًا لصغر حجم الحبيبة، غالبًا ما لا يشعر الضحية إلا بوخزة بسيطة، مما يجعل عملية الاغتيال سرية وغير ملحوظة.
الريسين: السم القاتل
الريسين هو سم بروتيني شديد السمية يستخلص من بذور نبات الخروع. حتى كمية صغيرة جدًا من الريسين (بضعة ميكروغرامات) يمكن أن تكون قاتلة للإنسان. يعمل الريسين عن طريق تثبيط تخليق البروتين في الخلايا، مما يؤدي إلى توقف وظائفها الحيوية وموتها. تشمل أعراض التسمم بالريسين الغثيان والقيء والإسهال وآلام البطن، وقد تتطور إلى فشل الأعضاء والوفاة.
اغتيال جورجي ماركوف
يعتبر اغتيال جورجي ماركوف أشهر حادثة مرتبطة بالمظلة البلغارية. كان ماركوف كاتبًا ومنشقًا بلغاريًا انتقد النظام الشيوعي في بلغاريا. في 7 سبتمبر 1978، بينما كان ماركوف ينتظر حافلة في لندن، شعر بوخزة حادة في فخذه. التفت ورأى رجلاً يلتقط مظلة من الأرض ويهرب. بعد بضعة أيام، توفي ماركوف بسبب التسمم بالريسين. على الرغم من أن التحقيقات لم تثبت بشكل قاطع استخدام المظلة البلغارية في اغتياله، إلا أن الأدلة الظرفية القوية تشير إلى ذلك.
الاستخدامات الأخرى المزعومة
بالإضافة إلى اغتيال جورجي ماركوف، يُزعم أن المظلة البلغارية استخدمت في محاولات اغتيال أخرى، على الرغم من عدم وجود دليل قاطع على ذلك. يُعتقد أن جهاز المخابرات البلغاري (KDS) كان وراء تطوير واستخدام هذه الأداة، وذلك بتعاون مع جهاز المخابرات السوفيتي (KGB).
لماذا المظلة؟
تم اختيار المظلة كأداة للاغتيال لعدة أسباب:
- التمويه: المظلة هي عنصر شائع وغير مثير للريبة، مما يسمح للجاني بالاقتراب من الضحية دون إثارة الشكوك.
- السهولة في الحمل والإخفاء: يمكن حمل المظلة بسهولة في الأماكن العامة دون لفت الانتباه.
- السرعة والفعالية: يمكن استخدام المظلة لتنفيذ عملية الاغتيال بسرعة وهدوء، مما يقلل من فرص اكتشاف الجاني.
تاريخ المظلة البلغارية
يعود تاريخ تطوير المظلة البلغارية إلى فترة الحرب الباردة، حيث كانت أجهزة المخابرات في الكتلة الشرقية تبحث عن طرق مبتكرة وفعالة لتنفيذ عمليات الاغتيال والتجسس. يُعتقد أن المظلة البلغارية تم تطويرها في معهد متخصص في بلغاريا، وذلك بتعاون مع خبراء من الاتحاد السوفيتي.
التأثير الثقافي
أصبحت المظلة البلغارية رمزًا للتجسس والاغتيال خلال الحرب الباردة. وقد ظهرت في العديد من الأفلام والكتب وألعاب الفيديو التي تتناول موضوعات التجسس والمخابرات. كما أصبحت جزءًا من الفولكلور الشعبي، حيث يتم تداول القصص والأساطير حول استخداماتها المزعومة.
هل ما زالت تستخدم اليوم؟
لا يوجد دليل قاطع على أن المظلة البلغارية لا تزال تستخدم اليوم. ومع ذلك، فإن مبدأ استخدام أدوات مقنعة لإخفاء أسلحة الاغتيال لا يزال قائمًا. مع تطور التكنولوجيا، قد تكون هناك أدوات أخرى أكثر تطورًا وفعالية تستخدم اليوم لنفس الغرض.
وسائل مكافحة مماثلة
أدت الحوادث التي تورطت فيها المظلة البلغارية إلى تطوير وسائل لمكافحة استخدام الأسلحة المقنعة المشابهة، وتشمل هذه الوسائل:
- تحسين إجراءات الأمن: زيادة التدقيق والتفتيش في الأماكن العامة والمطارات.
- تطوير تقنيات الكشف: استخدام أجهزة استشعار متطورة للكشف عن المواد السامة والأسلحة المخفية.
- التدريب والتوعية: تدريب العاملين في مجال الأمن على التعرف على الأسلحة المقنعة والتعامل معها.
اعتبارات أخلاقية وقانونية
يثير استخدام المظلة البلغارية وأي أداة مماثلة العديد من الاعتبارات الأخلاقية والقانونية. إن استخدام السموم في الاغتيالات يعتبر انتهاكًا للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية. كما أنه يثير تساؤلات حول شرعية استخدام العنف السياسي والتصفيات الجسدية.
خاتمة
تبقى المظلة البلغارية مثالًا صارخًا على تطور أساليب الاغتيال خلال الحرب الباردة. على الرغم من أنها قد لا تكون قيد الاستخدام اليوم، إلا أنها تظل تذكيرًا بالقدرة على استخدام التكنولوجيا بطرق خبيثة، وأهمية اليقظة الأمنية. كما أنها تثير تساؤلات أخلاقية وقانونية حول استخدام العنف السياسي والتصفيات الجسدية.