<![CDATA[
مقدمة
مبدأ بريجنيف، الذي سُمي على اسم الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف، كان سياسة خارجية سوفيتية بارزة أعلنت أنه عندما تتعرض دولة اشتراكية للتهديد من قوى معادية للشيوعية، سواء كانت داخلية أو خارجية، فإن الدول الاشتراكية الأخرى لديها الحق، بل والواجب، في التدخل لحماية الاشتراكية في تلك الدولة. تم طرح هذا المبدأ علنًا في عام 1968 لتبرير الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا، ولكنه كان له جذور أعمق في تاريخ العلاقات السوفيتية مع دول الكتلة الشرقية.
كان هذا المبدأ بمثابة تأكيد على الهيمنة السوفيتية في الكتلة الشرقية خلال فترة الحرب الباردة. لقد قيد بشكل كبير سيادة دول حلف وارسو وقلل من قدرتها على اتباع مسارات سياسية أو اقتصادية مستقلة. في الأساس، اعتبر الاتحاد السوفيتي نفسه مسؤولاً عن الحفاظ على النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية، حتى لو كان ذلك يعني التدخل العسكري في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
خلفية تاريخية
تعود جذور مبدأ بريجنيف إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما قام الاتحاد السوفيتي بتثبيت أنظمة شيوعية في العديد من دول أوروبا الشرقية التي حررها الجيش الأحمر من الاحتلال النازي. تأسس حلف وارسو في عام 1955 كرد فعل على انضمام ألمانيا الغربية إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مما عزز قبضة الاتحاد السوفيتي على المنطقة.
شهدت الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بعض التحديات للهيمنة السوفيتية، مثل الثورة المجرية عام 1956 و”ربيع براغ” في عام 1968. تم قمع الثورة المجرية بوحشية من قبل القوات السوفيتية، مما أرسل رسالة قوية إلى دول الكتلة الشرقية الأخرى حول حدود الإصلاح. ومع ذلك، فإن “ربيع براغ”، وهو فترة من الليبرالية السياسية والاقتصادية في تشيكوسلوفاكيا، مثل تحديًا أكثر جوهرية للسلطة السوفيتية.
في أغسطس 1968، غزت قوات حلف وارسو، بقيادة الاتحاد السوفيتي، تشيكوسلوفاكيا لإخماد “ربيع براغ” وإعادة النظام الشيوعي المتشدد. كان هذا الغزو بمثابة نقطة تحول في العلاقات السوفيتية مع الكتلة الشرقية وأدى إلى صياغة مبدأ بريجنيف رسميًا.
صياغة المبدأ
تم تقديم مبدأ بريجنيف علنًا في 26 سبتمبر 1968، في خطاب ألقاه سيرجي كوفاليف، وهو محرر في صحيفة برافدا السوفيتية. شدد كوفاليف على أن الاتحاد السوفيتي لديه الحق في التدخل في شؤون الدول الاشتراكية الأخرى إذا كانت الاشتراكية في تلك الدول مهددة. وذكر أن “سيادة الدول الاشتراكية لا يمكن أن تتعارض مع مصالح الاشتراكية العالمية”.
تم تبرير الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا على أساس أن “القوى المعادية للاشتراكية” كانت تحاول تقويض النظام الشيوعي في البلاد وأن الاتحاد السوفيتي كان ملزمًا بالتدخل لحماية الاشتراكية. تم استخدام هذا المنطق لتبرير التدخلات السوفيتية المستقبلية في شؤون دول الكتلة الشرقية الأخرى.
بشكل أساسي، ينص المبدأ على أن أي تهديد للنظام الشيوعي في أي دولة في الكتلة الشرقية يُنظر إليه على أنه تهديد لجميع الدول الاشتراكية. وبالتالي، كان للاتحاد السوفيتي الحق في التدخل، عسكريًا إذا لزم الأمر، للحفاظ على النظام الشيوعي.
تطبيق المبدأ
تم تطبيق مبدأ بريجنيف عدة مرات خلال السبعينيات والثمانينيات. على الرغم من أن الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا كان أبرز مثال على تطبيق المبدأ، إلا أن الاتحاد السوفيتي استخدم المبدأ أيضًا لتبرير التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، مثل بولندا وأفغانستان.
- بولندا: في أوائل الثمانينيات، شهدت بولندا صعود حركة التضامن، وهي نقابة عمالية مستقلة تحدت النظام الشيوعي. تحت ضغط من الاتحاد السوفيتي، أعلن الزعيم البولندي فويتشخ ياروزيلسكي الأحكام العرفية في عام 1981 لقمع التضامن وتجنب التدخل السوفيتي المباشر.
- أفغانستان: في عام 1979، غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان لدعم الحكومة الشيوعية المتعثرة ضد المتمردين المجاهدين. غالبًا ما يُنظر إلى هذا الغزو على أنه تطبيق لمبدأ بريجنيف، على الرغم من أن أفغانستان لم تكن جزءًا رسميًا من الكتلة الشرقية.
كان لتطبيق مبدأ بريجنيف عواقب وخيمة على دول الكتلة الشرقية. فقد قيد سيادتها، وأعاق الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأدام الهيمنة السوفيتية على المنطقة.
ردود الفعل الدولية
أثار مبدأ بريجنيف إدانة واسعة النطاق من الغرب والدول غير المنحازة. نددت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو بالمبدأ باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي وانتهاكًا لسيادة الدول الأخرى.
كما انتقدت العديد من الدول الشيوعية، مثل يوغوسلافيا ورومانيا، مبدأ بريجنيف. جادلوا بأنه يتعارض مع مبادئ المساواة والاحترام المتبادل بين الدول الاشتراكية.
أدى مبدأ بريجنيف إلى تفاقم التوترات بين الشرق والغرب وساهم في استمرار الحرب الباردة. لقد عزز أيضًا صورة الاتحاد السوفيتي كقوة قمعية مصممة على الحفاظ على هيمنتها على الكتلة الشرقية بأي ثمن.
نهاية المبدأ
في منتصف الثمانينيات، أطلق الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية المعروفة باسم “البيريسترويكا” و”الغلاسنوست”. كجزء من هذه الإصلاحات، تخلى جورباتشوف عن مبدأ بريجنيف وأعلن سياسة جديدة “لحرية الاختيار”، والتي سمحت لدول الكتلة الشرقية بتقرير مصيرها دون تدخل سوفيتي.
كان لتخلي جورباتشوف عن مبدأ بريجنيف تأثير عميق على أوروبا الشرقية. في عام 1989، اندلعت سلسلة من الثورات السلمية في جميع أنحاء المنطقة، مما أدى إلى سقوط الأنظمة الشيوعية في بولندا والمجر وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا. لم يتدخل الاتحاد السوفيتي لقمع هذه الثورات، مما يشير إلى نهاية مبدأ بريجنيف ونهاية الحرب الباردة.
أدى انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 إلى ترسيخ نهاية مبدأ بريجنيف وفتح حقبة جديدة من الاستقلال والسيادة لدول أوروبا الشرقية.
تأثير المبدأ وإرثه
كان لمبدأ بريجنيف تأثير عميق ودائم على أوروبا الشرقية والعلاقات الدولية. لقد ترك إرثًا من الهيمنة السوفيتية، وقمع الإصلاح السياسي والاقتصادي، وتفاقم التوترات بين الشرق والغرب.
على الرغم من أن مبدأ بريجنيف قد تم التخلي عنه رسميًا، إلا أن تأثيره لا يزال محسوسًا حتى اليوم. تستمر العديد من دول أوروبا الشرقية في النضال من أجل التغلب على إرث الحكم الشيوعي وبناء مؤسسات ديمقراطية مستقرة. كما أن ذكرى مبدأ بريجنيف بمثابة تذكير بأهمية سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يتم الاستشهاد بمبدأ بريجنيف في المناقشات حول السياسة الخارجية الروسية المعاصرة. يجادل البعض بأن روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين تتبنى نسخة جديدة من مبدأ بريجنيف، حيث تسعى إلى ممارسة النفوذ على دول الجوار وحماية مصالحها الأمنية، حتى لو كان ذلك يعني التدخل في شؤونها الداخلية.
خاتمة
كان مبدأ بريجنيف سياسة خارجية سوفيتية حاسمة أثرت بشكل كبير على أوروبا الشرقية والعلاقات الدولية خلال الحرب الباردة. لقد مثل تأكيدًا على الهيمنة السوفيتية وقيد سيادة دول حلف وارسو. على الرغم من أن المبدأ قد تم التخلي عنه رسميًا، إلا أن تأثيره لا يزال محسوسًا حتى اليوم، ولا يزال إرثه يثير المناقشات حول السياسة الخارجية الروسية المعاصرة وأهمية سيادة الدول.