<![CDATA[
أصول المفهوم وتطوره
يعود أصل فكرة الحكم الفاحص إلى أوائل القرن التاسع عشر، وتحديدًا إلى حركة الألفية التي ظهرت في الولايات المتحدة. كان لهذه الحركة تأثير كبير على العديد من المجموعات الدينية، بمن فيهم الأدفنتست السبتيون. كان وليام ميلر، المؤسس البارز لهذه الحركة، يعتقد أن المجيء الثاني للمسيح سيكون في عام 1844. عندما لم يحدث هذا، أعاد أتباع ميلر، بما في ذلك الأدفنتست السبتيون، تقييم فهمهم للنبوءات. توصلوا إلى أن الخطأ لم يكن في توقعاتهم بشأن الحدث نفسه، بل في فهمهم لطبيعته. وهكذا، طوروا فكرة الحكم الفاحص لتفسير ما حدث في عام 1844.
وفقًا لهذا التفسير، في عام 1844، لم يأتِ المسيح إلى الأرض، بل انتقل إلى قدس الأقداس في الهيكل السماوي ليبدأ عملًا فاحصًا. هذا العمل يتضمن فحص سجلات كل إنسان لتقييم حياته وتقرير مصيره. يرى الأدفنتست أن هذا الحكم يسبق المجيء الثاني للمسيح، والغرض منه هو تحديد من يستحقون أن يكونوا مع الله في الأبدية. هذا التفسير يربط بين النبوءات في سفر دانيال (فصل 8: 14) ورؤيا يوحنا (فصول 14 و20).
الأسس الكتابية للحكم الفاحص
يستند مفهوم الحكم الفاحص إلى عدة آيات كتابية، أبرزها:
- دانيال 8: 14: “فَقَالَ لِي: إِلَى أَلْفَيْنِ وَثَلاَثِ مِئَةِ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، فَيَتَزَكَّى الْقُدْسُ.”
- رؤيا 14: 6-7: “وَرَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ طَائِرًا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ مَعَهُ إِنْجِيلٌ أَبَدِيٌّ، لِيُبَشِّرَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ، قَائِلاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْدًا، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ.”
- رؤيا 20: 12: “وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ، صِغَارًا وَكِبَارًا، وَاقِفِينَ أَمَامَ الْعَرْشِ، وَانْفَتَحَتِ الْكُتُبُ، وَانْفَتَحَ سِفْرُ الْحَيَاةِ. وَدِينُوا الأَمْوَاتُ مِمَّا كُتِبَ فِي الْكُتُبِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ.”
يعتقد الأدفنتست السبتيون أن الآية في دانيال 8:14 تشير إلى تطهير المقدس، والذي يرون أنه يشير إلى الهيكل السماوي. هذا التطهير يتم من خلال الحكم الفاحص. يعتبرون أن رؤيا 14: 6-7 تعلن عن بدء هذا الحكم، ورؤيا 20: 12 تصف عملية الحكم. يؤكدون على أن هذا الحكم ليس لتقييم أعمال الإنسان فحسب، بل لتبرير الله في نظر الكون.
عملية الحكم الفاحص
يرى الأدفنتست السبتيون أن عملية الحكم الفاحص تتم على مرحلتين:
- الحكم على الأبرار: تبدأ هذه المرحلة بفحص سجلات الذين ادعوا الإيمان بالمسيح. يتم فحص حياتهم، وأعمالهم، وطاعتهم لوصايا الله. إذا وجدت أسماؤهم في سجل الحياة، سيتم الإعلان عنهم كأبرار.
- الحكم على الأشرار: بعد الانتهاء من فحص سجلات الأبرار، تبدأ المرحلة الثانية، حيث يتم فحص سجلات الأشرار. في هذه المرحلة، سيتم الكشف عن خطاياهم، وسيتم الحكم عليهم وفقًا لأعمالهم.
خلال عملية الحكم، يكون المسيح هو المحامي عن المؤمنين. فهو يدافع عنهم أمام الآب، بناءً على حياته البارة وذبيحته على الصليب. يرى الأدفنتست أن هذا يظهر عدالة الله ورحمته في آن واحد.
أهمية الحكم الفاحص
يعتبر الحكم الفاحص ذا أهمية كبيرة لأسباب عدة:
- تأكيد خلاص المؤمنين: يمنح المؤمنين تأكيدًا على خلاصهم، ويعطيهم الثقة في أنهم سيحصلون على الحياة الأبدية.
- إظهار عدالة الله: يظهر عدالة الله من خلال إظهار أن كل شخص يحصل على ما يستحقه بناءً على أفعاله.
- تطهير الكون من الخطيئة: يساعد على تطهير الكون من الخطيئة، ويهيئ الطريق للمجيء الثاني للمسيح.
- التحفيز على العيش البار: يشجع المؤمنين على العيش بحياة مقدسة وطاعة وصايا الله، إدراكًا لأهمية أعمالهم في الحكم.
التأثير العملي لعقيدة الحكم الفاحص
لعقيدة الحكم الفاحص تأثير كبير على حياة الأدفنتست السبتيين. فهي تشجعهم على:
- التحلي بالتواضع: فهم يدركون أنهم يحتاجون إلى نعمة الله المستمرة.
- الحياة بقداسة: يسعون إلى طاعة وصايا الله والعيش بحياة مقدسة، إدراكًا لأهمية أعمالهم في الحكم.
- التبشير بالإنجيل: يعتقدون أنهم مدعوون لإعلان رسالة الإنجيل للعالم، بما في ذلك رسالة الحكم الفاحص.
- التحضير للمجيء الثاني: يعيشون في ترقب للمجيء الثاني للمسيح، ويحرصون على أن يكونوا مستعدين لهذا الحدث العظيم.
هذا المفهوم يشكل جزءًا حيويًا من هويتهم الدينية، ويوجه سلوكهم وعلاقتهم بالله وبالآخرين.
الافتراضات الخاطئة والمفاهيم الخاطئة
غالبًا ما يواجه مفهوم الحكم الفاحص سوء فهم وانتقادات. بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة تشمل:
- الخلاص بالأعمال: يُتهم الأدفنتست السبتيون أحيانًا بالإيمان بالخلاص بالأعمال، لكنهم يؤكدون أنهم يؤمنون بالخلاص بالنعمة من خلال الإيمان بيسوع المسيح. ومع ذلك، فإنهم يؤمنون بأن الأعمال هي دليل على الإيمان الحقيقي.
- تغيير فرصة الخلاص: يعتقد البعض أن الحكم الفاحص يعني أن فرصة الخلاص تتغير، لكن الأدفنتست يؤكدون أن فرصة الخلاص تنتهي عند موت الشخص. الحكم الفاحص يحدد فقط من هم المستحقون بالفعل للحياة الأبدية.
- الخوف والذعر: يرى البعض أن هذا المفهوم يثير الخوف والذعر، لكن الأدفنتست يؤكدون أنه يجب أن يملأ المؤمنين بالرجاء والثقة، مع إدراك نعمة الله ورحمته.
يسعى الأدفنتست السبتيون إلى توضيح هذه المفاهيم الخاطئة، وتأكيد أن الحكم الفاحص هو تعبير عن عدالة الله ومحبته.
العلاقة بين الحكم الفاحص والمجيء الثاني
يرى الأدفنتست السبتيون أن الحكم الفاحص مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمجيء الثاني للمسيح. بعد انتهاء الحكم الفاحص، سيعود المسيح إلى الأرض ليأخذ المؤمنين معه إلى السماء. سيتم إحياء الأشرار في وقت لاحق للحصول على عقابهم النهائي.
يعتقدون أن المجيء الثاني سيكون حدثًا علنيًا، وسيرافق هذا الحدث علامات وأحداث مذكورة في الكتاب المقدس. يرى الأدفنتست أن هذه الأحداث ستشمل اضطرابات عالمية، والتحالفات السياسية والدينية، ومحاولة فرض عبادة يوم الأحد كعلامة على الوحش.
التحديات المعاصرة المتعلقة بالحكم الفاحص
يواجه مفهوم الحكم الفاحص بعض التحديات المعاصرة، بما في ذلك:
- التشكيك في تفسير الكتاب المقدس: يواجه الأدفنتست تحديًا مستمرًا لتفسيرهم للكتاب المقدس، حيث يختلف العديد من المسيحيين الآخرين في تفسيرهم للنبوءات.
- العلمانية والتساؤل حول الدين: يواجهون تحديًا من العلمانية المتزايدة، حيث يشكك الكثيرون في العقائد الدينية بشكل عام.
- الحاجة إلى التواصل بفعالية: يجب عليهم إيجاد طرق فعالة للتواصل مع الآخرين، وشرح مفهوم الحكم الفاحص بطريقة مفهومة وجذابة.
ومع ذلك، يواصل الأدفنتست السبتيون الإيمان بهذا المفهوم، ويدافعون عنه، ويحاولون نشره في جميع أنحاء العالم.
خاتمة
الحكم الفاحص هو عقيدة مركزية في إيمان الأدفنتست السبتيين. إنه يمثل عملية سماوية مستمرة، حيث يتم فحص سجلات كل شخص لتحديد من هم المستحقون للحياة الأبدية. يستند هذا المفهوم إلى تفسيرهم للكتاب المقدس، خاصة سفر دانيال ورؤيا يوحنا. يعتبرون أن الحكم الفاحص يسبق المجيء الثاني للمسيح، وهو جزء من خطة الله للخلاص وتطهير الكون من الخطيئة. على الرغم من الجدل المحيط به، يستمر الأدفنتست السبتيون في الدفاع عن هذه العقيدة، ويعتقدون أنها تشجع على حياة مقدسة، وتعطي رجاءً للمؤمنين، وتدعم مهمتهم في نشر الإنجيل.