مقدمة
البلاك آند تانز، أو “السود والسمر” كما يُطلق عليهم أحيانًا، هم قوة شرطة مساعدة تم تجنيدها في صفوف الشرطة الملكية الأيرلندية (RIC) كتعزيزات خلال حرب الاستقلال الأيرلندية (1919-1921). اشتهروا بقسوتهم ووحشيتهم في قمع الحركة الجمهورية الأيرلندية، وأثاروا جدلاً واسعًا بسبب أساليبهم العنيفة التي شملت عمليات القتل والنهب والحرق المتعمد.
خلفية تاريخية
في أعقاب الحرب العالمية الأولى، شهدت أيرلندا تصاعدًا في التوتر السياسي والاجتماعي. تأسس حزب الشين فين، الداعي إلى الاستقلال التام عن بريطانيا، واكتسب شعبية متزايدة. في عام 1919، اندلعت حرب الاستقلال الأيرلندية، حيث شن الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) حملة عسكرية ضد القوات البريطانية.
واجهت الشرطة الملكية الأيرلندية (RIC)، القوة المسؤولة عن حفظ الأمن في أيرلندا، صعوبات جمة في مواجهة تصاعد العنف. كان العديد من أفرادها من الأيرلنديين المحليين، مما جعلهم عرضة للتهديدات والترهيب من قبل الجمهوريين. كما عانت الشرطة من نقص حاد في الأفراد والموارد.
لمعالجة هذا النقص، قررت الحكومة البريطانية تجنيد متطوعين جدد في صفوف الشرطة الملكية الأيرلندية. تم اختيار هؤلاء المتطوعين بشكل أساسي من قدامى المحاربين البريطانيين العاطلين عن العمل الذين خدموا في الحرب العالمية الأولى. عُرض عليهم راتب مرتفع نسبيًا ومكافآت أخرى، مما جذب العديد منهم للانضمام إلى الشرطة.
تشكيل البلاك آند تانز
أطلق على هؤلاء المجندين الجدد اسم “البلاك آند تانز” بسبب زيهم الرسمي غير المتناسق. نظرًا لنقص الإمدادات، تم تزويدهم بمزيج من الزي الرسمي للجيش البريطاني والزي الرسمي للشرطة الملكية الأيرلندية، مما أدى إلى مظهر مميز يتكون من سترات داكنة وسراويل كاكي.
بدأ تجنيد البلاك آند تانز في يناير 1920، وسرعان ما وصل عددهم إلى عدة آلاف. تم إرسالهم إلى مختلف أنحاء أيرلندا، حيث تم تكليفهم بدعم الشرطة الملكية الأيرلندية في قمع الحركة الجمهورية.
أفعال البلاك آند تانز وأساليبهم
اشتهر البلاك آند تانز بوحشيتهم وقسوتهم في قمع الحركة الجمهورية. غالبًا ما كانوا يلجأون إلى أساليب عنيفة وغير قانونية، بما في ذلك عمليات القتل والنهب والحرق المتعمد. استهدفوا بشكل خاص المدنيين المشتبه في دعمهم للجيش الجمهوري الأيرلندي.
تشمل بعض الحوادث الأكثر شهرة التي تورط فيها البلاك آند تانز ما يلي:
- حرق بالبريجان: في سبتمبر 1920، قام البلاك آند تانز بحرق بلدة بالبريجان في مقاطعة دبلن انتقامًا لمقتل شرطي.
- مذبحة كرودي بارك: في نوفمبر 1920، قتلت قوات البلاك آند تانز ستة مدنيين في كرودي بارك، مقاطعة كلير.
- حرق كورك: في ديسمبر 1920، قام البلاك آند تانز بحرق وسط مدينة كورك بعد كمين نصبه الجيش الجمهوري الأيرلندي.
أثارت أفعال البلاك آند تانز استياءً واسعًا في أيرلندا وبريطانيا. تعرضوا لانتقادات شديدة من قبل السياسيين ورجال الدين والصحفيين. ومع ذلك، دافعت الحكومة البريطانية عنهم، بحجة أنهم كانوا يقومون فقط بواجبهم في الحفاظ على القانون والنظام.
تأثير البلاك آند تانز
كان للبلاك آند تانز تأثير كبير على حرب الاستقلال الأيرلندية. على الرغم من أنهم نجحوا في قمع الحركة الجمهورية في بعض المناطق، إلا أن أساليبهم الوحشية أدت إلى تأجيج المشاعر القومية وزيادة الدعم للجيش الجمهوري الأيرلندي.
كما أضرت أفعالهم بسمعة الحكومة البريطانية في أيرلندا وخارجها. ساهمت صور العنف والوحشية التي ارتكبها البلاك آند تانز في تدهور العلاقات بين بريطانيا وأيرلندا.
حل البلاك آند تانز
تم حل البلاك آند تانز في عام 1922 بعد توقيع المعاهدة الأنجلو-أيرلندية، التي أنهت حرب الاستقلال الأيرلندية وأنشأت الدولة الأيرلندية الحرة. عاد العديد من أفراد البلاك آند تانز إلى بريطانيا، بينما بقي آخرون في أيرلندا وغيروا أسماءهم لتجنب الانتقام.
إرث البلاك آند تانز
لا يزال البلاك آند تانز شخصية مثيرة للجدل في التاريخ الأيرلندي. يعتبرهم البعض رموزًا للقمع والوحشية البريطانية، بينما يرى البعض الآخر أنهم كانوا يقومون فقط بواجبهم في الحفاظ على القانون والنظام.
بغض النظر عن وجهة النظر، لا يمكن إنكار أن البلاك آند تانز لعبوا دورًا مهمًا في حرب الاستقلال الأيرلندية وكان لهم تأثير دائم على العلاقات بين بريطانيا وأيرلندا.
تأثيرهم الثقافي
تركت أفعال البلاك آند تانز بصمة عميقة في الثقافة الشعبية الأيرلندية، حيث ظهروا في العديد من الأغاني والقصائد والكتب والأفلام. غالبًا ما يتم تصويرهم على أنهم شخصيات شريرة تمثل القمع والعنف البريطاني.
أشهر مثال على ذلك هو الأغنية الشعبية الأيرلندية “Come Out Ye Black and Tans”، التي تمجد الجيش الجمهوري الأيرلندي وتنتقد البلاك آند تانز. تم حظر الأغنية من قبل هيئة الإذاعة الأيرلندية (RTE) لسنوات عديدة بسبب محتواها التحريضي.
ومع ذلك، فإن وجودهم في الثقافة الشعبية يضمن أن ذكرى البلاك آند تانز ستظل حية للأجيال القادمة.
خاتمة
كان البلاك آند تانز قوة شرطة مساعدة مثيرة للجدل تم تجنيدها في صفوف الشرطة الملكية الأيرلندية خلال حرب الاستقلال الأيرلندية. اشتهروا بوحشيتهم وقسوتهم في قمع الحركة الجمهورية، وأثاروا استياءً واسعًا في أيرلندا وبريطانيا. على الرغم من أنهم نجحوا في قمع الحركة الجمهورية في بعض المناطق، إلا أن أساليبهم الوحشية أدت إلى تأجيج المشاعر القومية وزيادة الدعم للجيش الجمهوري الأيرلندي. تم حل البلاك آند تانز في عام 1922 بعد توقيع المعاهدة الأنجلو-أيرلندية، لكن إرثهم لا يزال يثير الجدل في أيرلندا حتى يومنا هذا.