<![CDATA[
أصول اللوثرية
يعود تأسيس اللوثرية إلى مارتن لوثر، وهو راهب وأستاذ لاهوت ألماني. في عام 1517، نشر لوثر أطروحاته الـ 95، وهي سلسلة من الأطروحات التي انتقدت فيها ممارسات الكنيسة الكاثوليكية، وخاصة بيع صكوك الغفران. كان لوثر يعتقد أن الخلاص يأتي بالإيمان وحده، وليس بالأعمال أو طقوس الكنيسة. وقد أدت أفكاره إلى صراع كبير مع الكنيسة، وفي نهاية المطاف أدت إلى انشقاق.
بدأ لوثر في التشكيك في سلطة البابا، وأدان الفساد في الكنيسة، وأكد على أهمية الكتاب المقدس. وقد انتشرت أفكاره بسرعة في جميع أنحاء أوروبا، وذلك بفضل اختراع المطبعة، مما سمح بانتشار أفكاره بسهولة أكبر. ووجد لوثر دعمًا بين العديد من الأمراء الألمان، الذين رأوا في أفكاره وسيلة لتعزيز سلطتهم وتقليل نفوذ الكنيسة.
الانتشار المبكر للوثرية
في عام 1521، استدعي لوثر للمثول أمام الإمبراطور الروماني المقدس تشارلز الخامس في ورمز، حيث رفض التراجع عن آرائه. وأعلن الإمبراطور لوثر خارجًا عن القانون، لكنه وجد ملاذًا في حماية فريدريك الحكيم، ناخب ساكسونيا. خلال فترة وجوده في المنفى، ترجم لوثر الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية، مما جعل الكتاب المقدس في متناول عامة الناس.
انتشرت اللوثرية بسرعة في جميع أنحاء ألمانيا والدول الإسكندنافية. أصبح قادة مثل فيليب ميلانشثون، الذي كان مساعدًا مقربًا للوثر، شخصيات مهمة في تطوير اللاهوت اللوثري. في ثلاثينيات القرن السادس عشر، قام اللوثريون بتجميع اعتراف أوغسبورغ، وهو بيان إيماني يوضح المعتقدات اللوثرية. أصبح هذا الاعتراف الأساس اللاهوتي للعديد من الكنائس اللوثرية.
اللاهوت اللوثري
يتميز اللاهوت اللوثري بعدد من المعتقدات الأساسية. أحدها هو مبدأ “الخلاص بالإيمان وحده”. يؤمن اللوثريون بأن الخلاص هو هبة من الله، يتم الحصول عليها بالإيمان بيسوع المسيح، وليس بالأعمال الصالحة أو طقوس الكنيسة. يؤكد اللوثريون أيضًا على أهمية الكتاب المقدس، ويعتبرونه المصدر النهائي للسلطة في المسائل الدينية. يؤمنون أيضًا بسر المعمودية والعشاء الرباني.
من المعتقدات المركزية الأخرى في اللاهوت اللوثري فكرة “الكهنوت العام للمؤمنين”. وهذا يعني أن جميع المؤمنين متساوون أمام الله، وليس هناك حاجة إلى طبقة كهنوتية خاصة للتوسط بين الله والناس. علاوة على ذلك، يؤمن اللوثريون بوجود الله، الأب والابن والروح القدس، أي الثالوث. كما يؤمنون بأن يسوع المسيح هو الله المتجسد الذي مات على الصليب من أجل خطايا البشرية.
التوسع والانتشار العالمي
في القرون التالية، انتشرت اللوثرية في جميع أنحاء العالم. سافر المبشرون اللوثريون إلى القارات الأخرى، وأنشأوا كنائس ومدارس ومستشفيات في جميع أنحاء العالم. في أمريكا الشمالية، هاجر اللوثريون من أوروبا، وأسسوا مجتمعات في الولايات المتحدة وكندا. في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، عمل المبشرون اللوثريون مع السكان المحليين، وترجموا الكتاب المقدس إلى لغات مختلفة، وأنشأوا كنائس محلية.
واليوم، توجد كنائس لوثرية في جميع أنحاء العالم، وتضم ملايين الأعضاء. استمرت اللوثرية في التطور والتكيف مع التغيرات في المجتمع. على الرغم من الانقسامات والتقسيمات داخل الحركة اللوثرية، فإن اللوثريين يشتركون في التزامهم بالإنجيل، والكتاب المقدس، والتقاليد اللوثرية.
التحديات والانقسامات
واجهت اللوثرية تحديات وانقسامات على مر السنين. في القرن السادس عشر، واجه اللوثريون اضطهادًا من الكاثوليك، وشهدوا حروبًا دينية في جميع أنحاء أوروبا. في القرون اللاحقة، شهدت اللوثرية انقسامات داخلية حول القضايا اللاهوتية والاجتماعية. أدت الخلافات حول تفسير الكتاب المقدس، والعلاقة بين الدين والدولة، ودور المرأة في الكنيسة إلى انقسامات في العديد من الكنائس اللوثرية.
في القرن العشرين، واجهت اللوثرية تحديات من الحداثة والعلمانية. بدأ بعض اللوثريين في التشكيك في صحة الكتاب المقدس، وتبنوا وجهات نظر أكثر ليبرالية حول المسائل الأخلاقية. أدت هذه التحديات إلى انقسامات أخرى في العديد من الكنائس اللوثرية. ومع ذلك، استمرت اللوثرية في النمو والتكيف مع التغيرات في المجتمع.
اللّوثريّة في العصر الحديث
في العصر الحديث، تواصل اللوثرية لعب دور مهم في العالم. تعمل الكنائس اللوثرية في مجالات مختلفة، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والإغاثة في حالات الكوارث. تعمل الكنائس اللوثرية أيضًا من أجل العدالة الاجتماعية والسلام والوحدة بين المسيحيين. تلتزم الكنائس اللوثرية بالتعاون مع الكنائس الأخرى والمنظمات الأخرى لمواجهة التحديات التي تواجه العالم.
اليوم، تشارك اللوثرية في الحوار المسكوني، والتعاون مع الكنائس المسيحية الأخرى. انضمت العديد من الكنائس اللوثرية إلى الاتحادات والمنظمات المسكونية. هذه الكنائس تعمل معًا لتعزيز الوحدة المسيحية. اللوثرية تؤكد على أهمية الإنجيل، وتعكس التراث اللوثري وتعمل من أجل تحقيق العدالة والسلام في العالم.
التراث اللوثري
تركت اللوثرية إرثًا دائمًا على العالم. ساهمت اللوثرية في تطوير التعليم والثقافة والفن والموسيقى. ألهمت اللوثرية حركات الإصلاح الديني الأخرى، بما في ذلك الكالفينية والمعمدانية. كان للوثرية تأثير كبير على الفكر الغربي، وأثرت على تطور الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما ساهمت اللوثرية في نشر المسيحية في جميع أنحاء العالم.
شكلت اللوثرية الثقافة والسياسة والمجتمع في العديد من البلدان. في ألمانيا والدول الإسكندنافية، لعبت اللوثرية دورًا رئيسيًا في تشكيل الهوية الوطنية. في الولايات المتحدة، ساهم اللوثريون في تطوير التعليم والعدالة الاجتماعية. في جميع أنحاء العالم، عمل اللوثريون من أجل السلام والعدالة.
الخاتمة
اللوثرية حركة دينية معقدة ومتطورة. نشأت في أوائل القرن السادس عشر كجزء من حركة الإصلاح البروتستانتي. لقد أثرت على تاريخ أوروبا والعالم بشكل كبير. اليوم، لا تزال اللوثرية طائفة مسيحية مهمة، ولها تأثير كبير في جميع أنحاء العالم. تؤكد اللوثرية على أهمية الخلاص بالإيمان وحده، والسلطة النهائية للكتاب المقدس، والكهنوت العام للمؤمنين. من خلال إسهاماتها في التعليم والثقافة والعدالة الاجتماعية، تركت اللوثرية إرثًا دائمًا على العالم.