<![CDATA[
تاريخ الستوبات في سريلانكا
بدأ بناء الستوبات في سريلانكا في القرن الثالث قبل الميلاد، بعد وصول البوذية إلى الجزيرة. يعود بناء أقدم الستوبات المعروفة إلى عهد الملك ديفانامبيا تيسّا، الذي حكم في أنورادابورا، العاصمة القديمة. أصبحت الستوبات جزءًا لا يتجزأ من المشهد البوذي السريلانكي، حيث تطورت في الحجم والشكل بمرور الوقت.
خلال فترات مختلفة من التاريخ السريلانكي، قام الملوك والأباطرة بتكليف بناء العديد من الستوبات، مما يدل على تفانيهم في الديانة البوذية. كان بناء الستوبات عملًا دينيًا للغاية، يشارك فيه الحرفيون والرهبان والعامة على حد سواء. تم تخصيص كل ستوبا لحدث مهم في حياة بوذا أو لتمجيد شخصيات مقدسة أخرى.
العمارة والرمزية
تتميز الستوبات بهندستها المعمارية المميزة. عادةً ما تكون على شكل قبة أو نصف كرة، تمثل قبة الستوبا الجبل المقدس ميرو، وهو محور الكون في علم الكونيات البوذي. يتم بناء القبة فوق قاعدة أو منصة مربعة، غالبًا ما تكون مزينة بمنحوتات تفصيلية ورسومات تصور مشاهد من حياة بوذا.
يُعرف الجزء العلوي من الستوبا بالـ “هارميكا” (Harmika)، وهي هيكل مربع صغير يرمز إلى الجنة. يرتفع فوق الهارميكا عمود يعرف باسم “ياشتي” (Yasti)، مزين بصفوف من المظلات أو الأقراص الدائرية تسمى “تشاتراس” (Chatras)، والتي تمثل طبقات الوجود. يمثل الترتيب المتزايد للتشاتراس صعودًا نحو التنوير. غالبًا ما يتم تزيين الستوبات بالمنحوتات التي تصور عناصر مختلفة من التراث البوذي، بما في ذلك صور بوذا وبودهيساتفا (كائنات مستنيرة تؤجل دخول النيرفانا لمساعدة الآخرين) والزخارف الزهرية.
تحمل الستوبات رمزية عميقة. يمثل شكلها المقبب طبيعة الكون، بينما ترمز البقايا الموجودة بداخلها إلى التنوير الذي حققه بوذا. يؤدي المشي حول الستوبا في اتجاه عقارب الساعة، والمعروف باسم “براكشينا” (Pradakshina)، إلى تعزيز التأمل وتجميع الجدارة، وهو أمر مهم في الممارسة البوذية. تذكر الستوبات المصلين بمبادئ البوذية، بما في ذلك أهمية الرحمة والتعاطف والزهد.
أشهر الستوبات في سريلانكا
سريلانكا موطن للعديد من الستوبات الرائعة، والتي تجذب الحجاج والزوار من جميع أنحاء العالم. تشمل بعضًا من أشهرها:
- روانويلي ساييا داجوبا: تقع في أنورادابورا، وهي واحدة من أقدم وأكثر الستوبات تبجيلاً في سريلانكا. تم بناء روانويلي ساييا في القرن الثاني قبل الميلاد من قبل الملك دوتوجامونو، ويبلغ ارتفاعها حوالي 103 أمتار (338 قدمًا). يعتقد أنها تضم آثارًا مقدسة لبوذا، مما يجعلها موقعًا دينيًا مهمًا.
- جيتافانا رامايا: أيضًا في أنورادابورا، كانت جيتافانا رامايا أطول مبنى في العالم في وقت ما. تم بناء هذه الستوبا في القرن الثالث الميلادي من قبل الملك ماهاسينا، ويبلغ ارتفاعها حوالي 122 مترًا (400 قدمًا). ترمز إلى قوة وعبقرية ملوك سريلانكا في العصور القديمة.
- أبهياغيري داجوبا: تقع في أنورادابورا، وهي ستوبا ضخمة أخرى يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد. يبلغ ارتفاع أبهياغيري داجوبا حوالي 75 مترًا (246 قدمًا) وتمثل مركزًا مهمًا للتعليم البوذي.
- ثوباراما داجوبا: تقع في أنورادابورا، وهي أقدم ستوبا في سريلانكا. يعتقد أنها تحتوي على عظم الترقوة الأيمن لبوذا. تم بناء ثوباراما داجوبا في القرن الثالث قبل الميلاد، وهي مثال على الهندسة المعمارية البوذية المبكرة.
- ميريسواتي داجوبا: تقع في أنورادابورا، وهي ستوبا تاريخية أخرى يعود تاريخها إلى عهد الملك دوتوجامونو. أعيد ترميمها وتعتبر مثالًا على الهندسة المعمارية السريلانكية.
أهمية الستوبات في الثقافة السريلانكية
تلعب الستوبات دورًا حيويًا في الثقافة السريلانكية. فهي ليست مجرد هياكل معمارية؛ إنها رموز مهمة للهوية البوذية في البلاد. تعتبر الستوبات مواقع للحج، حيث يجتمع المصلون للصلاة والتأمل وتقديم الاحترام للبوذا. تساهم الستوبات أيضًا في المشهد الثقافي لسريلانكا، حيث تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم وتساهم في اقتصاد السياحة.
تُعتبر الستوبات أيضًا تعبيرًا عن الفن والمهارة الحرفية السريلانكية. تزين منحوتاتها وزخارفها المعقدة العديد من الستوبات، مما يدل على مهارة الحرفيين والمهندسين المعماريين في البلاد. تعمل الستوبات أيضًا كأماكن للتعليم، حيث يتعلم الناس عن البوذية وتاريخ سريلانكا.
الحفاظ على الستوبات
نظرًا لأهميتها الثقافية والدينية، فإن الستوبات في سريلانكا تخضع للحماية والصيانة. تعمل الحكومة السريلانكية ووكالات الحفاظ على التراث على الحفاظ على هذه الهياكل القديمة وترميمها، مما يضمن قدرة الأجيال القادمة على تقديرها. يتم بذل الجهود للحفاظ على البيئة المحيطة بالستوبات، وحماية المواقع من التآكل والضرر.
يلعب المجتمع المحلي أيضًا دورًا مهمًا في الحفاظ على الستوبات. تشارك المجتمعات في تنظيف وصيانة المواقع، والحفاظ على التقاليد والطقوس المرتبطة بها. من خلال التعاون، يمكن لسريلانكا أن تضمن استمرار إرث الستوبات على المدى الطويل.
الستوبات والبوذية
الستوبات متأصلة بعمق في الممارسات والمعتقدات البوذية. إنها تمثل طريقة بوذا نحو التنوير. يؤدي المشي حول الستوبا، أو “براكشينا”، إلى توجيه الانتباه إلى الداخل وتعزيز التأمل. يعتبر شكل القبة للستوبا بمثابة تذكير بطبيعة الكون المترابطة. يجد البوذيون في جميع أنحاء العالم الإلهام في الستوبات ويستخدمونها كمواقع للعبادة والتأمل.
تعكس الستوبات أيضًا مبادئ البوذية، مثل أهمية الرحمة والتعاطف والزهد. يذكر تصميمها المصلين بالسعي لتحقيق التنوير، والتخلص من التعلقات المادية، وتنمية العقل. الستوبات بمثابة تذكير دائم بتعاليم بوذا.
تأثير الستوبات
تجاوزت الستوبات حدود سريلانكا وأثرت على الهندسة المعمارية البوذية في جميع أنحاء العالم. تعتبر بمثابة مصدر إلهام للعديد من الستوبات والأضرحة الأخرى في بلدان مثل تايلاند وميانمار والصين واليابان. تتبنى هذه الهياكل تصميم الستوبات السريلانكية وتكييفها لتناسب الثقافات المحلية والتقاليد.
تستمر الستوبات في سريلانكا في جذب المسافرين والمؤمنين على حد سواء. وهي بمثابة تذكير دائم بالإرث البوذي في البلاد والتزامها بالحفاظ على تراثها الثقافي. يمكن لزوار سريلانكا استكشاف العديد من الستوبات، وتجربة أجواء السلام والروحانية، والتعمق في الفلسفة البوذية.
خاتمة
تُعد الستوبات في سريلانكا بمثابة شهادة على العظمة المعمارية والتراث الروحي للبلاد. هذه الهياكل المقدسة، التي يعود تاريخها إلى قرون، تجسد تاريخ البوذية الغني في سريلانكا، وتوفر رؤى عميقة في الفن والثقافة والروحانية في البلاد. من خلال استكشاف هذه الآثار الرائعة، يمكن للزوار أن يتعلموا عن قيم البوذية والجمال الدائم للتقاليد السريلانكية.