النشأة والتطور المبكر
يمكن إرجاع جذور بلاك ميتال إلى أوائل الثمانينيات، مع فرق مثل Venom و Bathory و Hellhammer و Celtic Frost. غالبًا ما يُشار إلى هذه الفرق باسم “الموجة الأولى من بلاك ميتال”. على الرغم من أن هذه الفرق لم تعزف بالضرورة بلاك ميتال بالمعنى الحديث، إلا أنها ساهمت في وضع الأساس الصوتي والموضوعي لهذا النوع. على سبيل المثال، استخدمت Venom صورًا شيطانية استفزازية وأصدرت ألبومًا بعنوان “Black Metal” في عام 1982، مما ساهم في تسمية هذا النوع لاحقًا.
أما Bathory، وهي فرقة سويدية بقيادة Quorthon، فقد كانت مؤثرة بشكل خاص. فقد جمعت بين الإيقاعات السريعة والغناء الصارخ والموضوعات الوثنية، مما أثر بشكل كبير على الفرق التي أتت بعدها. يعتبر ألبومهم “Under the Sign of the Black Mark” (1987) علامة فارقة في تطور بلاك ميتال.
الموجة الثانية من بلاك ميتال
شهدت أوائل التسعينيات ظهور “الموجة الثانية من بلاك ميتال”، والتي رسخت بلاك ميتال كنوع متميز بذاته. قادت فرق نرويجية مثل Mayhem و Darkthrone و Burzum و Emperor هذه الموجة. تميزت هذه الفرق بإنتاج صوتي خام ومتعمّد، غالبًا ما يُعرف باسم “lo-fi”، بالإضافة إلى التركيز على الموضوعات المظلمة والعدمية والمعادية للمسيحية.
كانت Mayhem فرقة مؤثرة بشكل خاص، على الرغم من تاريخها المضطرب. انتحر مغنيها، Dead، في عام 1991، وعثر عليه زميله في الفرقة، Euronymous. أدت وفاة Dead والأفعال اللاحقة لـ Euronymous إلى مزيد من الدعاية السيئة للفرقة وللمشهد بأكمله. قُتل Euronymous لاحقًا على يد Varg Vikernes من Burzum في عام 1993.
كان Darkthrone فرقة مؤثرة أخرى من الموجة الثانية. بعد بداياتهم في موسيقى الديث ميتال، تحولوا إلى بلاك ميتال بصوت خام وبسيط. أصبح ألبومهم “Transilvanian Hunger” (1994) كلاسيكيًا في هذا النوع.
أما Burzum، بقيادة Varg Vikernes، فقد ساهمت في تطوير بلاك ميتال الجوي والملحمي. غالبًا ما استكشفت موسيقاه الموضوعات الوثنية والفولكلورية الإسكندنافية. ومع ذلك، فقد كان شخصية مثيرة للجدل بسبب آرائه السياسية اليمينية المتطرفة وإدانته بالقتل.
Emperor، بقيادة Ihsahn و Samoth، كانت فرقة أخرى مهمة من الموجة الثانية. جمعت بين بلاك ميتال والعديد من العناصر من أنواع أخرى، مثل الموسيقى الكلاسيكية والميتال التقدمي، لإنشاء صوت معقد وملحمي.
الخصائص الموسيقية
يتميز بلاك ميتال بعدة خصائص موسيقية مميزة:
- الإيقاعات السريعة: غالبًا ما يتميز بلاك ميتال بالإيقاعات السريعة للغاية، وغالبًا ما يتم عزف الطبول بتقنية “blast beat”.
- الغناء الصارخ: أسلوب الغناء الصارخ، أو “shrieking”، هو سمة مميزة لبلاك ميتال. غالبًا ما يكون الغناء غير مفهوم ويهدف إلى خلق جو من المعاناة واليأس.
- التوزيعات الصوتية المشوهة: تستخدم فرق بلاك ميتال غالبًا توزيعات صوتية مشوهة بشكل كبير لخلق صوت عدواني وخام.
- الهارمونيات المتنافرة: غالبًا ما يتميز بلاك ميتال بالهارمونيات المتنافرة وغير التقليدية، والتي تساهم في الجو المزعج وغير المريح للموسيقى.
- الإنتاج الخام: غالبًا ما يكون لبلاك ميتال إنتاج صوتي خام ومتعمّد، مما يساهم في جماليته القاسية وغير المصقولة.
الموضوعات الغنائية
تستكشف كلمات بلاك ميتال عادةً مجموعة متنوعة من الموضوعات المظلمة والمثيرة للجدل، بما في ذلك:
- معاداة المسيحية: معاداة المسيحية هي موضوع متكرر في بلاك ميتال. غالبًا ما تسخر الفرق من المسيحية أو تهاجمها بشكل مباشر.
- الوثنية: تستكشف العديد من فرق بلاك ميتال الموضوعات الوثنية، وغالبًا ما تستلهم من الأساطير والفولكلور القديم.
- الشيطانية: الشيطانية هي موضوع آخر شائع في بلاك ميتال. غالبًا ما تستخدم الفرق صورًا شيطانية لخلق جو مظلم وشرير.
- الموت والفساد: الموت والفساد هما موضوعان متكرران في بلاك ميتال. غالبًا ما تستكشف الفرق الجوانب المظلمة من الوجود البشري.
- العدمية: العدمية هي موضوع رئيسي في بلاك ميتال، حيث تعبر العديد من الفرق عن شعور باليأس وعدم وجود معنى للحياة.
الجدل والانتقادات
واجه بلاك ميتال الكثير من الجدل والانتقادات على مر السنين. غالبًا ما يُنتقد بسبب موضوعاته العنيفة والمعادية للمسيحية، بالإضافة إلى ارتباطه بجرائم حقيقية. أدت أفعال بعض الشخصيات البارزة في مشهد بلاك ميتال، مثل Varg Vikernes، إلى مزيد من الدعاية السلبية.
ومع ذلك، يجادل المدافعون عن بلاك ميتال بأنه شكل من أشكال التعبير الفني ويجب ألا يؤخذ حرفيًا. يجادلون بأن الموضوعات المظلمة والمثيرة للجدل تستخدم لاستكشاف الجوانب المظلمة من الوجود البشري وتحدي الأعراف المجتمعية.
التأثير والإرث
على الرغم من الجدل المحيط به، كان لبلاك ميتال تأثير كبير على موسيقى الميتال وأنواع أخرى. لقد ألهم عددًا لا يحصى من الفرق والفنانين، وساعد في تشكيل المشهد الموسيقي المتطرف. ساهم بلاك ميتال أيضًا في تطوير أنواع فرعية أخرى من الميتال، مثل الدث ميتال الأسود والديث كور الأسود.
اليوم، لا يزال بلاك ميتال نوعًا فرعيًا مزدهرًا مع قاعدة جماهيرية عالمية مخصصة. تستمر الفرق الجديدة في الظهور، وتدفع حدود هذا النوع وتستكشف مناطق صوتية وموضوعية جديدة.
أنواع فرعية من بلاك ميتال
تطورت العديد من الأنواع الفرعية المختلفة من بلاك ميتال على مر السنين، ولكل منها خصائصها المميزة:
- الديث ميتال الأسود (Blackened Death Metal): يجمع بين عناصر بلاك ميتال والديث ميتال، ويتميز بالإيقاعات السريعة والتوزيعات الصوتية المشوهة والغناء الوحشي.
- الديث كور الأسود (Blackened Deathcore): يجمع بين عناصر بلاك ميتال والديث كور، ويتميز بالانهيارات والتوزيعات الصوتية الثقيلة والغناء الصارخ.
- بلاك ميتال الجوي (Atmospheric Black Metal): يركز على خلق جو ملحمي وشامل، وغالبًا ما يستخدم المؤثرات الصوتية والمناظر الصوتية لخلق شعور بالمساحة والعمق.
- بلاك ميتال التجريبي (Experimental Black Metal): يدفع حدود هذا النوع ويستكشف مناطق صوتية غير تقليدية، وغالبًا ما يدمج عناصر من أنواع أخرى مثل الموسيقى الإلكترونية والموسيقى الطليعية.
- بلاك ميتال الوطني الاشتراكي (National Socialist Black Metal – NSBM): هو نوع فرعي مثير للجدل للغاية من بلاك ميتال يرتبط بالإيديولوجيات اليمينية المتطرفة والعنصرية. غالبًا ما يتم نبذ هذا النوع من قبل معظم مشجعي بلاك ميتال.
خاتمة
بلاك ميتال هو نوع فرعي متطرف ومثير للجدل من موسيقى الهيفي ميتال. يتميز بالإيقاعات السريعة والغناء الصارخ والتوزيعات الصوتية المشوهة والموضوعات المظلمة. على الرغم من الجدل المحيط به، كان لبلاك ميتال تأثير كبير على موسيقى الميتال وأنواع أخرى، ولا يزال نوعًا فرعيًا مزدهرًا مع قاعدة جماهيرية عالمية مخصصة.