<![CDATA[
نشأته وبداياته
ولد أنتوني نوريس جروفز في بورتسموث، إنجلترا، لعائلة ثرية. تلقى تعليمًا جيدًا، وكان بارعًا في العديد من المجالات، بما في ذلك العلوم والفنون. في شبابه، كان مهتمًا في البداية بالطب، وبدأ دراسته في هذا المجال. ومع ذلك، تحول مسار حياته بشكل كبير عندما مر بتجربة تحول ديني عميق. أدت هذه التجربة إلى تغييره في حياته، حيث شعر بدعوة قوية للخدمة المسيحية. تخلى عن طموحاته في مجال الطب، وبدأ في البحث عن طرق لخدمة الله.
التحول الديني والالتزام
في عام 1820، أثناء زيارته لدير في إنجلترا، مر جروفز بتجربة تحول ديني عميقة. أدرك الحاجة إلى تغيير حياته والالتزام بتعليمات الكتاب المقدس. أدت هذه التجربة إلى تحوله الكامل في حياته. ترك جروفز مهنته كطبيب أسنان، وبدأ في التركيز على دراسة الكتاب المقدس. انضم إلى مجموعة من المؤمنين الذين كانوا يبحثون عن طريقة للعودة إلى مسيحية العهد الجديد، ودرس معهم الكتاب المقدس بعمق. أصبحت هذه المجموعة تُعرف باسم “إخوة بليموث”. بدأ جروفز في الوعظ والتبشير، وأظهر اهتمامًا كبيرًا بالتبشير في الخارج.
الرحلات التبشيرية في الخارج
في عام 1829، قرر جروفز وعائلته، بالإضافة إلى مجموعة من المؤمنين، الذهاب إلى الخارج كمرسلين. اختاروا السفر إلى الهند، حيث شعروا بوجود حاجة ماسة إلى التبشير بالإنجيل. كانت هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر، حيث سافروا لمسافات طويلة في ظروف صعبة. وصلوا إلى الهند في عام 1830، وبدأوا عملهم التبشيري على الفور. عمل جروفز وزوجته، مع زملائهم، على تأسيس المدارس والمستشفيات، والوعظ بالإنجيل.
اتسمت رحلات جروفز التبشيرية بالعديد من الميزات الفريدة. أولاً، شدد على الاعتماد على الروح القدس في قيادة العمل التبشيري. ثانيًا، آمن بأهمية العيش في مجتمعات محلية، وليس الانفصال عن السكان المحليين. ثالثًا، ركز على تدريب القادة المحليين وتمكينهم من نشر الإنجيل في مجتمعاتهم. ورابعًا، كان لديه رؤية عالمية للتبشير، وسعى للوصول إلى جميع الأمم والشعوب.
في الهند، واجه جروفز العديد من التحديات. عانى من صعوبة في تعلم اللغة الهندية، وتعرض لبعض الأمراض. ومع ذلك، استمر في عمله بإخلاص وتفانٍ. قام جروفز وزملائه بتأسيس العديد من الكنائس والمدارس، وترجموا الكتاب المقدس إلى العديد من اللغات المحلية. أثر عملهم في حياة آلاف الهنود، وألهم العديد منهم ليصبحوا مسيحيين.
بعد فترة في الهند، توجه جروفز إلى العراق وبلاد فارس، حيث واصل عمله التبشيري. في هذه المناطق، واجه تحديات جديدة، بما في ذلك صعوبة الوصول إلى السكان المحليين بسبب القيود الدينية والثقافية. ومع ذلك، استمر في عمله بإصرار، وأسس كنائس ومدارس في هذه المناطق. كان جروفز يؤمن بأهمية التبشير في كل مكان، بغض النظر عن الصعوبات.
فلسفة التبشير
كانت لدى جروفز فلسفة تبشيرية واضحة ومحددة. آمن بأهمية التبشير المبني على الكتاب المقدس، والتأكيد على الحقائق الأساسية للإنجيل. كما آمن بأهمية العمل الجماعي، وتشجيع المؤمنين على العمل معًا لتحقيق هدف مشترك. بالإضافة إلى ذلك، كان يؤمن بأهمية تعليم القادة المحليين، وتدريبهم على قيادة الكنائس في مجتمعاتهم. كان جروفز يعتقد أن التبشير يجب أن يكون شاملاً، ويشمل كل جوانب حياة الإنسان.
ركز جروفز على عدة مبادئ أساسية في عمله التبشيري:
- العودة إلى الكتاب المقدس: دعا جروفز إلى العودة إلى الممارسات المسيحية المبكرة التي وردت في الكتاب المقدس، ورفض التقاليد التي اعتبرها غير ضرورية.
- الإيمان بالروح القدس: آمن جروفز بدور الروح القدس في حياة المؤمنين، وفي قيادة الكنيسة، وفي تحقيق النجاح في التبشير.
- التبشير المحلي: آمن جروفز بأهمية تبشير السكان المحليين، وتدريبهم على أن يصبحوا قادة في الكنيسة.
- التبشير العالمي: كان جروفز يؤمن بضرورة نشر الإنجيل في جميع أنحاء العالم، والوصول إلى جميع الأمم والشعوب.
مساهماته وإرثه
كان لأنتوني نوريس جروفز تأثير كبير على تاريخ التبشير المسيحي. يُنظر إليه على أنه رائد في مجال التبشير الحديث، وألهم عددًا لا يحصى من الأشخاص ليتبعوا طريقه. كان لعمله تأثير كبير في الهند والعراق وبلاد فارس، وساعد في تأسيس العديد من الكنائس والمدارس. قدم جروفز مساهمات كبيرة في تطوير فلسفة التبشير، وأثرت أفكاره على العديد من المبشرين الآخرين.
يعتبر جروفز رائدًا في مجال التبشير لأنه:
- وضع نموذجًا جديدًا للتبشير: ابتعد عن التبشير التقليدي الذي كان يعتمد على جمع الأموال وتوظيف المبشرين، وركز على إرسال المبشرين الذين يعتمدون على الإيمان والروح القدس.
- ركز على التدريب والتمكين: آمن بأهمية تدريب القادة المحليين، وتزويدهم بالأدوات اللازمة لنشر الإنجيل في مجتمعاتهم.
- كان له رؤية عالمية: وسع نطاق التبشير ليشمل العالم كله، ووصل إلى أماكن لم يسبق للمبشرين الوصول إليها.
ترك جروفز إرثًا دائمًا في تاريخ التبشير المسيحي. ألهم عمله المبشرين في جميع أنحاء العالم، وساهم في انتشار الإنجيل في العديد من البلدان. لا تزال أفكاره ومبادئه تلهم المؤمنين حتى يومنا هذا.
وفاته
توفي أنتوني نوريس جروفز في 20 مايو 1853 في بريستول، إنجلترا. على الرغم من وفاته، إلا أن إرثه استمر في التأثير على التبشير المسيحي. لا يزال يُذكر كشخصية مؤثرة في تاريخ التبشير، وكشخصية ألهمت الآخرين للعيش حياة مكرسة لخدمة الله.
خاتمة
أنتوني نوريس جروفز كان شخصية محورية في تاريخ التبشير المسيحي. من خلال تفانيه، وشجاعته، وإيمانه الراسخ، ترك بصمة لا تمحى في العالم. لقد ألهم عمله المبشرين في جميع أنحاء العالم، ولا يزال إرثه حيًا حتى يومنا هذا. يعتبر جروفز مثالًا على التفاني والالتزام بالدعوة المسيحية، وإرثه يذكرنا بأهمية نشر الإنجيل في جميع أنحاء العالم.