التأسيس والأهداف
تأسست “الاتحاد أو الموت” في البداية تحت اسم “نارودنا أوبرانا” (الدفاع الوطني) عام 1908، كرد فعل على ضم النمسا-المجر للبوسنة والهرسك. كان الهدف الأساسي هو تحرير الصرب الذين يعيشون تحت الحكم الأجنبي، وتوحيدهم في دولة واحدة. ومع ذلك، سرعان ما تطورت المنظمة إلى جمعية سرية أكثر تطرفًا، عُرفت باسم “اليد السوداء”.
كانت أهداف اليد السوداء تتجاوز مجرد توحيد الصرب. فقد سعت إلى تحقيق تغيير جذري في البلقان، وإضعاف الإمبراطوريات الكبرى التي كانت تسيطر على المنطقة، مثل النمسا-المجر والإمبراطورية العثمانية. آمن أعضاء المنظمة بأن العنف والثورة هما الوسيلتان الوحيدتان لتحقيق هذه الأهداف.
من بين الأهداف المعلنة لليد السوداء:
- توحيد جميع الصرب في دولة واحدة.
- تحرير الأراضي الصربية من الحكم الأجنبي.
- مكافحة النفوذ النمساوي المجري في البلقان.
- إضعاف الإمبراطورية العثمانية.
- نشر الوعي القومي بين الصرب.
الهيكل والتنظيم
كانت اليد السوداء منظمة سرية ذات هيكل هرمي. كان على رأسها “المجلس المركزي”، الذي يتألف من كبار الضباط والشخصيات السياسية. كانت المنظمة مقسمة إلى خلايا إقليمية، كل منها مسؤول عن منطقة معينة. كان الأعضاء يخضعون لقسم الولاء الصارم، ويتعهدون بالحفاظ على سرية المنظمة وتنفيذ أوامرها.
كانت اليد السوداء تعتمد على التمويل من مصادر مختلفة، بما في ذلك التبرعات من الأفراد والمنظمات القومية، بالإضافة إلى الدعم السري من بعض المسؤولين الحكوميين الصرب. استخدمت المنظمة هذه الأموال لتدريب وتسليح أعضائها، وتمويل العمليات السرية، ونشر الدعاية.
لعب الضباط في الجيش الصربي دورًا حاسمًا في اليد السوداء. كان العديد من كبار القادة من الضباط، واستخدموا نفوذهم ومواردهم لتوسيع نطاق المنظمة وزيادة قوتها. كان رئيس المخابرات العسكرية الصربية، دراغوتين ديميترييفيتش، المعروف باسم “أبيس”، أحد أبرز قادة اليد السوداء.
الأيديولوجيا
كانت أيديولوجية اليد السوداء مزيجًا من القومية الصربية المتطرفة، والوحدة السلافية، والإرهاب الثوري. آمن أعضاء المنظمة بأن العنف هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافهم، وكانوا على استعداد لاستخدام أي وسيلة ضرورية لتحقيق ذلك.
تأثرت اليد السوداء بأفكار القوميين الروس والمنظمات الثورية الأخرى. كانت المنظمة تؤمن بقوة الإرادة والعزيمة، وأن الثورة يمكن أن تغير العالم. كان أعضاء المنظمة يرون أنفسهم كأبطال يقاتلون من أجل حرية شعبهم.
ومع ذلك، كانت أيديولوجية اليد السوداء مثيرة للجدل حتى داخل الحركة القومية الصربية. كان البعض يعتقد أن العنف والتطرف اللذين تمارسهما المنظمة يقوضان قضية الوحدة الوطنية، ويؤديان إلى عواقب وخيمة على صربيا.
عمليات اليد السوداء
نفذت اليد السوداء عددًا من العمليات السرية، بما في ذلك الاغتيالات والتفجيرات والتحريض على التمرد. كانت المنظمة مسؤولة عن اغتيال عدد من المسؤولين النمساويين المجريين والصرب الذين اعتبرتهم خونة.
كانت عملية اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند في سراييفو عام 1914 هي الأكثر شهرة وتأثيرًا. تم تدريب وتسليح المجموعة التي نفذت الاغتيال من قبل اليد السوداء، وكان الهدف من الاغتيال هو إشعال فتيل الحرب بين النمسا-المجر وصربيا، مما يؤدي في النهاية إلى توحيد جميع الصرب.
بعد الاغتيال، قدمت النمسا-المجر إنذارًا نهائيًا لصربيا، يتضمن شروطًا قاسية وغير مقبولة. رفضت صربيا بعض هذه الشروط، مما أدى إلى إعلان النمسا-المجر الحرب على صربيا، وبداية الحرب العالمية الأولى.
نهاية اليد السوداء
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأت الحكومة الصربية في قمع اليد السوداء. كان رئيس الوزراء الصربي، نيكولا باشيتش، يرى أن المنظمة تشكل تهديدًا لسلطة الدولة، وأن أساليبها المتطرفة تعرض صربيا للخطر.
في عام 1917، تم اعتقال عدد من قادة اليد السوداء، بمن فيهم دراغوتين ديميترييفيتش “أبيس”، بتهمة التآمر للإطاحة بالحكومة. تم إجراء محاكمة صورية، وحكم على ديميترييفيتش وعدد آخر من القادة بالإعدام. تم إعدامهم في وقت لاحق من ذلك العام.
بعد إعدام قادتها، تم حل اليد السوداء رسميًا. ومع ذلك، استمرت أفكارها وأيديولوجيتها في التأثير على الحركة القومية الصربية لسنوات عديدة.
تأثير اليد السوداء
كان لليد السوداء تأثير كبير على تاريخ صربيا والبلقان. لعبت المنظمة دورًا حاسمًا في الأحداث التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، والتي غيرت وجه أوروبا والعالم.
ساهمت اليد السوداء في نشر الوعي القومي بين الصرب، وتعزيز فكرة الوحدة الوطنية. ومع ذلك، كانت أساليبها المتطرفة والعنيفة مثيرة للجدل، وأدت إلى عواقب وخيمة على صربيا.
لا تزال اليد السوداء موضوعًا للجدل والنقاش في صربيا. يعتبرها البعض منظمة بطولية قاتلت من أجل حرية شعبها، بينما يرى فيها البعض الآخر منظمة إرهابية تسببت في معاناة كبيرة.
خاتمة
كانت اليد السوداء منظمة سرية ذات تأثير كبير في تاريخ صربيا والبلقان. تأسست بهدف توحيد الصرب وتحريرهم من الحكم الأجنبي، لكنها اعتمدت أساليب متطرفة وعنيفة لتحقيق أهدافها. لعبت المنظمة دورًا محوريًا في الأحداث التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، ولا تزال موضوعًا للجدل والنقاش حتى اليوم.