<![CDATA[
خلفية تاريخية
لفهم “المشاكل”، من الضروري فهم تاريخ أيرلندا الشمالية المعقد. بعد تقسيم أيرلندا في عام 1921، بقيت ست مقاطعات في الشمال كجزء من المملكة المتحدة، بينما أصبحت بقية الجزيرة دولة مستقلة. أدى هذا التقسيم إلى مجتمع منقسم، حيث يمثل البروتستانت الأغلبية ويحتفظون بالسلطة السياسية والاقتصادية، بينما يمثل الكاثوليك الأقلية، وغالبًا ما يواجهون التمييز في مجالات مثل الإسكان والتوظيف والتصويت. أدى هذا التمييز إلى الشعور بالظلم والإحباط بين الكاثوليك، مما أدى إلى ظهور الحركات المدنية التي طالبت بالمساواة في الحقوق.
بداية “المشاكل” (1960–1969)
شهدت الستينيات تصاعد التوتر في أيرلندا الشمالية. ظهرت حركة الحقوق المدنية في أواخر الستينيات، مستلهمة من حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، والتي طالبت بإنهاء التمييز ضد الكاثوليك. نظمت هذه الحركة مسيرات ومظاهرات سلمية، غالبًا ما واجهت رد فعل عنيفًا من الشرطة والملكيين. كانت هناك عدة أحداث رئيسية مهدت الطريق لاندلاع “المشاكل”:
- 1967: تأسيس جمعية حقوق الإنسان في أيرلندا الشمالية (NICRA)، التي ركزت على الحصول على حقوق مدنية متساوية لجميع المواطنين.
- 1968: مسيرة الحقوق المدنية في ديري (لندنديري)، والتي شهدت عنفًا من الشرطة.
- 1969: أعمال شغب في بلفاست و ديري، مما أدى إلى تدخل الجيش البريطاني.
التصعيد (1969–1972)
مع تدخل الجيش البريطاني، كان من المفترض أن يهدئ الوضع، لكنه أدى إلى تصعيده. لم ينجح الجيش في تحقيق السلام، وسرعان ما وجد نفسه عالقًا بين الجماعات المتناحرة. بدأ المتطرفون الجمهوريون، مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت (Provisional IRA)، في شن هجمات على أهداف الدولة والأهداف المدنية. رد المتطرفون الملكيون، مثل قوات الدفاع عن أولستر (Ulster Defence Association) و قوة متطوعي أولستر (Ulster Volunteer Force)، بهجمات انتقامية.
شهدت هذه الفترة تصاعدًا في العنف، بما في ذلك:
- 1971: تفجير حانة ماكغورك في بلفاست، والتي قتل فيها 15 مدنياً كاثوليكياً.
- 1972: “الأحد الدامي” (Bloody Sunday)، عندما أطلق جنود بريطانيون النار على متظاهرين سلميين في ديري، مما أسفر عن مقتل 14 شخصًا.
- 1972: تعليق حكم البرلمان في أيرلندا الشمالية، وتولي الحكم المباشر من قبل المملكة المتحدة.
الحرب الأهلية (1972–1985)
بعد تعليق الحكم الذاتي، دخلت أيرلندا الشمالية في مرحلة من الحرب الأهلية الفعلية. استمر الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت في حملته العسكرية، مستهدفًا الجيش البريطاني والشرطة والسياسيين والاقتصاديين. قام الملكيون بتكثيف هجماتهم، مستهدفين الكاثوليك والجمهوريين. أدت هذه الفترة إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين والنشطاء. كان العنف في ذروته في السبعينيات، وشمل هجمات بالقنابل، وعمليات إطلاق نار، والاغتيالات.
شهدت هذه الفترة عدة أحداث رئيسية:
- 1973: استفتاء على وضع أيرلندا الشمالية، والذي أيد فيه غالبية السكان البقاء جزءًا من المملكة المتحدة.
- 1974: تفجيرات في دبلن وموناهان، والتي قتل فيها 34 مدنيًا.
- 1981: إضراب عن الطعام في سجن Maze، والذي توفي فيه عشرة سجناء جمهوريين.
عملية السلام (1985–1998)
بدأت عملية السلام في منتصف الثمانينيات، مع الاعتراف بأن الحل العسكري وحده لن يحقق السلام. بدأت الحكومات البريطانية والأيرلندية في إشراك الأحزاب السياسية في أيرلندا الشمالية في الحوار. كان اتفاقية أنغلو أيرلندية (Anglo-Irish Agreement) في عام 1985 علامة فارقة، حيث منحت حكومة جمهورية أيرلندا دورًا استشاريًا في شؤون أيرلندا الشمالية. بدأت الهدنة التي أعلنها الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت في عام 1994 في إنهاء العنف إلى حد كبير، وأعطت دفعة كبيرة لعملية السلام.
شهدت هذه الفترة عدة أحداث رئيسية:
- 1993: تفجير شارع شيبين في وورينغتون، والذي قتل فيه طفلان.
- 1994: إعلان الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت عن وقف إطلاق النار.
- 1998: اتفاقية الجمعة العظيمة، وهي اتفاقية سلام رئيسية أنهت رسميًا “المشاكل”.
اتفاقية الجمعة العظيمة والسنوات اللاحقة (1998-حتى الآن)
تم التوقيع على اتفاقية الجمعة العظيمة (Good Friday Agreement) في 10 أبريل 1998، من قبل الحكومة البريطانية والحكومة الأيرلندية ومعظم الأحزاب السياسية في أيرلندا الشمالية. تضمنت الاتفاقية عددًا من البنود الرئيسية، بما في ذلك:
- تقاسم السلطة: إنشاء حكومة تقاسم السلطة في أيرلندا الشمالية، تضم ممثلين عن الجمهوريين والملكيين.
- نزع السلاح: نزع سلاح الجماعات المتطرفة.
- الإصلاح الأمني: إصلاح قوات الشرطة.
- الإفراج عن السجناء: الإفراج عن السجناء السياسيين.
- حق تقرير المصير: حق سكان أيرلندا الشمالية في تحديد وضعهم الدستوري.
أدت اتفاقية الجمعة العظيمة إلى إنهاء العنف إلى حد كبير، لكنها لم تقضي تمامًا على التوترات. استمرت بعض الجماعات المتطرفة في المعارضة للاتفاقية، ووقعت بعض الهجمات المتفرقة. ومع ذلك، فقد جلبت الاتفاقية فترة من السلام النسبي والازدهار في أيرلندا الشمالية.
بعد اتفاقية الجمعة العظيمة، واجهت أيرلندا الشمالية العديد من التحديات:
- تقاسم السلطة: استمرار صعوبة تقاسم السلطة بين الأحزاب المختلفة، مما أدى إلى فترات من الجمود السياسي.
- المصالحة: الحاجة إلى تحقيق المصالحة بين المجتمعات المنقسمة.
- الجرائم المرتبطة بالصراع: التعامل مع قضايا الضحايا والناجين من العنف.
- الخروج من الاتحاد الأوروبي (Brexit): أثار Brexit تحديات جديدة لأيرلندا الشمالية بسبب موقعها الحدودي مع جمهورية أيرلندا.
على الرغم من هذه التحديات، فقد قطعت أيرلندا الشمالية خطوات كبيرة نحو السلام والمصالحة. لا تزال أيرلندا الشمالية مجتمعًا منقسمًا، ولكنها أصبحت مكانًا أكثر أمانًا وسلمية للعيش فيه.
خاتمة
كانت “المشاكل” فترة طويلة ومؤلمة من الصراع في أيرلندا الشمالية، والتي أدت إلى مقتل الآلاف من الأشخاص وإصابة الآلاف. كان الصراع معقدًا، مع جذوره في التاريخ والسياسة والطائفية. على الرغم من العنف والدمار، شهدت أيرلندا الشمالية تحولًا كبيرًا نحو السلام والمصالحة في السنوات الأخيرة. اتفاقية الجمعة العظيمة، التي وقعت في عام 1998، أنهت رسميًا “المشاكل” وأعطت الأمل بمستقبل سلمي ومزدهر. لا تزال هناك تحديات تواجه أيرلندا الشمالية، لكن التقدم الذي أحرز قد غير بشكل كبير حياة الناس في المنطقة.