حياته وتعليمه
ولد دانكو غرليتش في قرية ليبوفاك بالقرب من مدينة غولييتش في كرواتيا. خلال الحرب العالمية الثانية، انضم إلى حركة المقاومة المناهضة للفاشية، وبعد الحرب، انخرط في الحياة السياسية والفكرية في يوغوسلافيا الاشتراكية. تلقى غرليتش تعليمه في جامعة زغرب، حيث درس الفلسفة وتخرج منها. لاحقًا، حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من نفس الجامعة.
مسيرته الفكرية والفلسفية
تميزت مسيرة دانكو غرليتش الفكرية والفلسفية بالانخراط العميق في قضايا الإنسان والمجتمع، والدفاع عن قيم الحرية والعدالة والمساواة. كان غرليتش مدافعًا قويًا عن الماركسية الإنسانية، التي تركز على الإنسان الفرد، وإمكاناته الإبداعية، وحقه في المشاركة الفعالة في تشكيل مصيره. انتقد غرليتش بشدة الأشكال البيروقراطية والسلطوية للماركسية التي ظهرت في الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية، ورأى فيها انحرافًا عن المبادئ الأساسية للماركسية الأصلية.
كان غرليتش من أبرز المساهمين في مدرسة براكسيس الفلسفية، وهي حركة فكرية ماركسية إنسانية ظهرت في يوغوسلافيا في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. ضمت مدرسة براكسيس مجموعة من الفلاسفة والعلماء الاجتماعيين الذين انتقدوا الأوضاع القائمة في يوغوسلافيا الاشتراكية، ودعوا إلى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تحقيق المزيد من الديمقراطية والمشاركة الشعبية.
من بين الأفكار الرئيسية التي دافع عنها غرليتش:
- التحرر الإنساني: رأى غرليتش أن الهدف الأسمى للماركسية هو تحقيق التحرر الإنساني الكامل، أي تحرير الإنسان من جميع أشكال الاستغلال والقمع والتشويه.
- الديمقراطية الاشتراكية: دعا غرليتش إلى إقامة نظام اشتراكي ديمقراطي، يقوم على المشاركة الشعبية الواسعة في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- النقد الذاتي: أكد غرليتش على أهمية النقد الذاتي في تطوير الفكر الماركسي، وتجنب الوقوع في الدوغمائية والجمود.
- الإبداع والحرية الفكرية: دافع غرليتش عن حرية الإبداع والتعبير، ورأى فيها شرطًا ضروريًا لتحقيق التقدم الاجتماعي والثقافي.
أعماله ومؤلفاته
ترك دانكو غرليتش وراءه مجموعة كبيرة من الأعمال الفلسفية والفكرية الهامة، التي تناولت قضايا متنوعة مثل الماركسية، والإنسانية، والديمقراطية، والأخلاق، والفن، والثقافة. من بين أبرز مؤلفاته:
- “الفن والثورة” (1968)
- “من أجل الإنسانية” (1970)
- “الجدل حول الماركسية” (1971)
- “اختيارات” (1973)
- “التفكير والوجود” (1978)
- “أسباب البديل” (1982)
تُرجمت أعمال غرليتش إلى العديد من اللغات الأجنبية، وأثرت في الفكر الماركسي الإنساني في جميع أنحاء العالم.
مدرسة براكسيس
كان دانكو غرليتش شخصية محورية في مدرسة براكسيس، وهي حركة فلسفية ماركسية إنسانية مؤثرة ظهرت في يوغوسلافيا خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. ضمت مدرسة براكسيس مجموعة من المفكرين والفلاسفة اليوغوسلافيين البارزين، مثل ميلان كانغراغا، وغايو بتروفيتش، وبرانكو بوشنياك، ورودولف سوهي، وميهالو ماركوفيتش، الذين انتقدوا الأوضاع السياسية والاجتماعية في يوغوسلافيا الاشتراكية، ودعوا إلى إصلاحات جذرية تهدف إلى تحقيق المزيد من الديمقراطية والمشاركة الشعبية.
نشرت مدرسة براكسيس مجلة فلسفية تحمل نفس الاسم (“Praxis”)، والتي أصبحت منبرًا هامًا للنقاش الفكري والسياسي في يوغوسلافيا وخارجها. استقطبت المجلة مساهمات من مفكرين وفلاسفة من مختلف أنحاء العالم، وساهمت في نشر الأفكار الماركسية الإنسانية على نطاق واسع.
واجهت مدرسة براكسيس انتقادات وضغوطًا من السلطات اليوغوسلافية، التي اتهمتها بالتحريفية والانحراف عن الماركسية اللينينية. في عام 1975، تم حظر مجلة “Praxis”، وتم فصل العديد من أعضاء المدرسة من وظائفهم في الجامعات والمؤسسات البحثية.
على الرغم من هذه الصعوبات، استمرت مدرسة براكسيس في ممارسة تأثيرها الفكري والسياسي، وساهمت في تشكيل الوعي النقدي لدى الأجيال الشابة في يوغوسلافيا.
إرثه وتأثيره
لا يزال دانكو غرليتش يُعتبر من أبرز المفكرين اليوغوسلافيين في القرن العشرين. لقد ترك وراءه إرثًا فكريًا غنيًا، يتمثل في أعماله الفلسفية والفكرية التي تناولت قضايا الإنسان والمجتمع، والدفاع عن قيم الحرية والعدالة والمساواة. أثرت أفكاره في العديد من المفكرين والباحثين في يوغوسلافيا وخارجها، ولا تزال ذات صلة حتى اليوم.
تعتبر مدرسة براكسيس التي كان غرليتش أحد أبرز أعضائها، من أهم الحركات الفكرية في تاريخ يوغوسلافيا. لقد ساهمت المدرسة في تطوير الفكر الماركسي الإنساني، وانتقدت الأشكال البيروقراطية والسلطوية للماركسية، ودعت إلى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تحقيق المزيد من الديمقراطية والمشاركة الشعبية.
خاتمة
دانكو غرليتش، الفيلسوف الماركسي الإنساني البارز، ترك بصمة لا تُمحى في الفكر الفلسفي والاجتماعي في يوغوسلافيا وخارجها. من خلال كتاباته ومشاركته الفعالة في مدرسة براكسيس، دافع عن قيم الحرية والعدالة والمساواة، وانتقد الأشكال الدوغمائية للماركسية. سيظل إرثه الفكري مصدر إلهام للأجيال القادمة من المفكرين والباحثين.