خلفية تاريخية
في خمسينيات القرن الماضي، كانت بريطانيا تسعى جاهدة للحفاظ على مكانتها كقوة نووية رادعة. كانت قاذفات القنابل من طراز “في” (V bombers) العمود الفقري لقوة الردع النووي البريطانية، ولكن مع تطور الدفاعات الجوية السوفيتية، أصبح اختراق هذه الدفاعات مهمة محفوفة بالمخاطر. ظهرت الحاجة إلى سلاح يسمح للقاذفات بإطلاق أسلحتها من مسافة بعيدة، وبالتالي تقليل خطر إسقاطها.
في البداية، كانت هناك خطط لتطوير صاروخ باليستي جوي يُعرف باسم “بلو بولت” (Blue Bolt)، ولكن تم إلغاء هذا المشروع بسبب التكاليف الباهظة والمشاكل التقنية. بدلاً من ذلك، تم التركيز على تطوير صاروخ “بلو ستيل”، الذي كان أقل طموحًا من الناحية التكنولوجية، ولكنه كان أكثر واقعية من حيث التنفيذ.
التصميم والتطوير
بدأ تطوير صاروخ “بلو ستيل” في عام 1954 بواسطة شركة أفرو (Avro). كان الصاروخ يعمل بمحرك صاروخي يعمل بالوقود السائل، مما منحه مدى يصل إلى حوالي 160 كيلومترًا. كان الصاروخ مزودًا بنظام توجيه بالقصور الذاتي، والذي كان يعتبر تقنية متقدمة في ذلك الوقت.
كان “بلو ستيل” صاروخًا كبيرًا وثقيلًا، حيث يبلغ طوله حوالي 10.7 أمتار ووزنه حوالي 7.7 طن. كان تصميمه انسيابيًا لتقليل مقاومة الهواء وزيادة المدى. تم حمل الصاروخ تحت جسم قاذفة القنابل “فيكرز فالينت” (Vickers Valiant) و “هاندلي بيج فيكتور” (Handley Page Victor) و “أفرو فولكان” (Avro Vulcan).
واجه تطوير “بلو ستيل” العديد من التحديات التقنية، بما في ذلك مشاكل في المحرك الصاروخي ونظام التوجيه. ومع ذلك، تم التغلب على هذه التحديات، ودخل الصاروخ الخدمة في عام 1963.
الخصائص التقنية
- الطول: 10.7 متر
- الوزن: 7.7 طن
- المدى: 160 كيلومتر
- الرأس الحربي: نووي
- نظام التوجيه: بالقصور الذاتي
- المحرك: صاروخي يعمل بالوقود السائل
الخدمة التشغيلية
دخل صاروخ “بلو ستيل” الخدمة في عام 1963، وتم نشره مع أسراب قاذفات القنابل “فيكرز فالينت” و “هاندلي بيج فيكتور” و “أفرو فولكان”. كان الهدف من هذا الصاروخ هو السماح للقاذفات بإطلاق أسلحتها النووية من مسافة آمنة، بعيدًا عن الدفاعات الجوية السوفيتية.
كانت “بلو ستيل” بمثابة رادع مهم خلال فترة الحرب الباردة. ومع ذلك، كان الصاروخ يعاني من بعض العيوب، بما في ذلك مداه المحدود ودقته غير الكاملة. بالإضافة إلى ذلك، كان الصاروخ عرضة للتشويش الإلكتروني.
بحلول أواخر الستينيات، أصبح من الواضح أن “بلو ستيل” أصبح قديمًا بسبب تطور الدفاعات الجوية السوفيتية. في عام 1968، قررت الحكومة البريطانية استبدال “بلو ستيل” بصاروخ “سكاي بولت” (Skybolt) الأمريكي، وهو صاروخ باليستي جوي أكثر تطوراً. ومع ذلك، تم إلغاء مشروع “سكاي بولت” لاحقًا من قبل الولايات المتحدة، مما ترك بريطانيا في موقف صعب.
في نهاية المطاف، تم استبدال “بلو ستيل” بصواريخ “وي إيه-177” (WE.177) النووية، وهي قنابل جاذبية نووية ذات مدى أطول ودقة أفضل. تم سحب “بلو ستيل” من الخدمة في عام 1970.
النماذج
كان هناك نموذجان رئيسيان من صاروخ “بلو ستيل”:
- بلو ستيل مارك 1 (Blue Steel Mk.1): النسخة الأصلية من الصاروخ.
- بلو ستيل مارك 2 (Blue Steel Mk.2): نسخة محسنة من الصاروخ، مع مدى أطول ونظام توجيه أكثر دقة. ومع ذلك، لم يتم تطوير هذه النسخة أبدًا.
التأثير والإرث
على الرغم من أن “بلو ستيل” كان سلاحًا قصير الأجل نسبيًا، إلا أنه لعب دورًا مهمًا في استراتيجية الردع النووي البريطانية خلال فترة الحرب الباردة. كان الصاروخ بمثابة رادع قوي ضد الاتحاد السوفيتي، وساعد في الحفاظ على السلام في أوروبا.
كان “بلو ستيل” أيضًا بمثابة نقطة انطلاق لتطوير أسلحة نووية أكثر تطوراً في المستقبل. ساهمت الخبرة المكتسبة من تطوير “بلو ستيل” في تطوير صواريخ نووية أخرى، مثل “ترايدنت” (Trident).
أماكن العرض
يمكن رؤية عدد قليل من صواريخ “بلو ستيل” المتبقية في المتاحف في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بما في ذلك:
- متحف القوات الجوية الملكية كوزفورد (Royal Air Force Museum Cosford)
- متحف حرب الطيران الإمبراطوري دكسفورد (Imperial War Museum Duxford)
خاتمة
كان صاروخ “بلو ستيل” سلاحًا نوويًا بريطانيًا بعيد المدى، يُطلق من الجو، صُمم لتسليح قوة قاذفات القنابل من طراز “في” خلال فترة الحرب الباردة. على الرغم من أنه كان سلاحًا قصير الأجل نسبيًا، إلا أنه لعب دورًا مهمًا في استراتيجية الردع النووي البريطانية وساهم في تطوير أسلحة نووية أكثر تطوراً في المستقبل. يظل “بلو ستيل” جزءًا مهمًا من تاريخ الحرب الباردة والتكنولوجيا العسكرية البريطانية.