<![CDATA[
نشأته وبداياته العسكرية
ولد إنريكي بيرموديز في مدينة ليون، نيكاراغوا. نشأ في بيئة ميسورة الحال، وتلقى تعليمًا جيدًا. انضم في شبابه إلى الجيش النيكاراغوي، حيث صعد في الرتب. عرف عنه انضباطه والتزامه، مما ساعده في بناء مسيرة عسكرية ناجحة. اكتسب خبرة كبيرة في مجال القيادة والعمليات العسكرية، وهو ما سيفيده بشكل كبير في مسيرته اللاحقة كقائد للمتمردين.
بدأت مسيرة بيرموديز العسكرية الفعلية بالصعود في صفوف الجيش النيكاراغوي في عهد الدكتاتور أناستاسيو سوموزا ديبايل، وذلك قبل الثورة الساندينية. كان ولاؤه في البداية موجهًا إلى الحكومة، لكن مع تزايد نفوذ الجبهة الساندينية وتدهور الأوضاع السياسية، تغيرت وجهة نظره بشكل كبير.
الثورة الساندينية وظهور الكونترا
في عام 1979، أطاحت الجبهة الساندينية للتحرير الوطني بحكم سوموزا. بالنسبة لبيرموديز، مثل هذا التحول تحولًا دراماتيكيًا في حياته. وبالرغم من مشاركته الأولية في الجيش، فقد عارض بشكل متزايد سياسات الحكومة الساندينية الجديدة، خاصة في ما يتعلق بالشيوعية والعلاقات مع كوبا والاتحاد السوفيتي. شعر بيرموديز بالقلق من النفوذ المتزايد للشيوعية وتأثيرها على استقلالية نيكاراغوا.
بدأ بيرموديز في تنظيم المعارضة المسلحة للحكومة الساندينية. وبمرور الوقت، تكونت جماعة من المتمردين عرفت باسم “الكونترا”، وهي كلمة تعني “ضد” بالإسبانية. كانت الكونترا تتألف في الغالب من جنود سابقين في الحرس الوطني التابع لسوموزا، بالإضافة إلى مدنيين آخرين شعروا بالإحباط من سياسات الساندينيين. حصلت الكونترا على دعم مالي ولوجستي من الولايات المتحدة، في إطار الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي وحلفائه.
قيادة الكونترا
برز إنريكي بيرموديز كقائد رئيسي لقوات الكونترا. كان يتمتع بشخصية قوية ومهارات قيادية كبيرة، مما ساعده على توحيد صفوف المتمردين وتوجيههم في عملياتهم العسكرية. عرف باسم “القائد 380” كرمز لموقعه في الحرس الوطني السابق. قاد بيرموديز الكونترا في سلسلة من العمليات ضد الحكومة الساندينية، وشملت هذه العمليات الهجمات على القواعد العسكرية والمنشآت الحكومية، وكذلك محاولات لتعطيل الاقتصاد النيكاراغوي.
شهدت فترة قيادة بيرموديز للكونترا صراعًا عنيفًا وطويلًا. تكبد الطرفان خسائر فادحة، وأثر الصراع على حياة المدنيين بشكل كبير. كانت الكونترا متهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الهجمات على المدنيين. في المقابل، اتهمت الحكومة الساندينية الكونترا بالإرهاب والعمل كوكلاء للولايات المتحدة.
الدعم الأمريكي والجدل المحيط بالكونترا
لعب الدعم الأمريكي دورًا حاسمًا في تمكين الكونترا. قدمت الولايات المتحدة الدعم المالي والتدريب العسكري والأسلحة والذخيرة. في المقابل، كانت الولايات المتحدة تهدف إلى إضعاف الحكومة الساندينية والإطاحة بها، وذلك في إطار سياسة الاحتواء التي تبنتها في الحرب الباردة. ومع ذلك، أثار الدعم الأمريكي للكونترا جدلاً واسعًا في الداخل الأمريكي وفي المجتمع الدولي.
أثار دعم الولايات المتحدة للكونترا انتقادات واسعة النطاق. انتقد الكثيرون انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الكونترا، وكذلك عدم شرعية التدخل الأمريكي في شؤون نيكاراغوا. في عام 1984، رفعت نيكاراغوا دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بانتهاك القانون الدولي. حكمت المحكمة لصالح نيكاراغوا، لكن الولايات المتحدة رفضت الالتزام بالحكم.
السلام والانتخابات
في نهاية المطاف، أدت الضغوط الدبلوماسية والسياسية إلى بدء مفاوضات السلام بين الحكومة الساندينية والكونترا. في عام 1988، وقع الطرفان على اتفاقية سلام، مهدت الطريق لإجراء انتخابات ديمقراطية. شارك بيرموديز في المفاوضات، ولعب دورًا في ضمان مشاركة الكونترا في العملية السياسية.
أجريت الانتخابات في عام 1990. فازت تحالف المعارضة، الذي دعمته الكونترا، بقيادة فيوليتا باريوس دي تشامورو، بالانتخابات. مثل فوز تشامورو نهاية للحرب الأهلية وبداية حقبة جديدة في تاريخ نيكاراغوا. تم حل قوات الكونترا بعد الانتخابات، وبدأ البلد في عملية إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية.
اغتياله
في 16 فبراير 1991، بعد أقل من عام على تنصيب تشامورو كرئيسة، اغتيل إنريكي بيرموديز في ماناغوا. ظل مرتكبو الجريمة مجهولين إلى حد كبير، على الرغم من وجود تكهنات مختلفة حول الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال. أثار الاغتيال موجة من الصدمة والحزن في نيكاراغوا، وخلّف إرثًا معقدًا لبيرموديز.
إرثه
يعتبر إرث إنريكي بيرموديز مثيرًا للجدل. ينظر إليه البعض على أنه بطل، حيث دافع عن الديمقراطية والحرية ضد نظام استبدادي. ويعتبره آخرون مجرد دمية للولايات المتحدة، ومسؤولاً عن انتهاكات حقوق الإنسان والتدمير الذي لحق بنيكاراغوا خلال الحرب الأهلية. ومع ذلك، فلا يمكن إنكار أن بيرموديز كان شخصية محورية في تاريخ نيكاراغوا في القرن العشرين. لقد ترك بصمة كبيرة على الأحداث التي شكلت البلاد، وستظل مساهماته مثارًا للجدل والنقاش لسنوات عديدة قادمة.
الخاتمة
كان إنريكي بيرموديز شخصية معقدة ومؤثرة في تاريخ نيكاراغوا. كجندي ومتمرد، لعب دورًا أساسيًا في صراع الثمانينيات. قيادته لقوات الكونترا، بدعم من الولايات المتحدة، واجهت حكومة الساندينيين وأدت إلى حرب أهلية دموية. أدى دوره في المفاوضات إلى السلام والانتخابات، وساهم في تغيير مسار نيكاراغوا. اغتياله المبكر ترك إرثًا مثيرًا للجدل، مع استمرار النقاش حول دوره وتأثيره على تاريخ نيكاراغوا.