إيفا موزيس كور: من الضحية إلى المسامحة
ولدت إيفا موزيس كور في رومانيا عام 1934، وفي عام 1944 تم ترحيلها مع عائلتها إلى معسكر أوشفيتز بيركينو. هناك، تم فصلها هي وشقيقتها التوأم ميريام عن والديهما وأخواتهما الأخريات، وأصبحتا جزءًا من مجموعة الأطفال التوأم الذين استخدمهم الدكتور جوزيف منغيله في تجاربه اللاإنسانية. نجت إيفا وميريام من المحرقة، ولكن التجارب التي تعرضتا لها تركتهما تعانيان من آثار جسدية ونفسية مدى الحياة.
بعد سنوات عديدة من المحرقة، بدأت إيفا رحلة شخصية نحو الشفاء والتصالح مع الماضي. في عام 1995، اتخذت قرارًا مثيرًا للجدل بإعلان “عفو” شامل عن جميع النازيين. لم يكن هدفها تبرير أفعالهم الشنيعة، بل التحرر من عبء الغضب والكراهية اللذين أثقلا كاهلها طوال حياتها. اعتقدت إيفا أن المسامحة هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام الداخلي والتحرر من أسر الماضي.
الدكتور جوزيف منغيله: “ملاك الموت”
كان الدكتور جوزيف منغيله، المعروف بلقب “ملاك الموت”، طبيبًا نازيًا أجرى تجارب طبية وحشية على سجناء معسكر أوشفيتز، وخاصة الأطفال التوائم. كان مهووسًا بدراسة التوائم، وكان يجري عليهم تجارب مؤلمة وخطيرة، غالبًا دون تخدير، بهدف فهم التشابهات والاختلافات الوراثية بينهم. تسببت تجارب منغيله في معاناة لا توصف وموت العديد من ضحاياه.
بعد الحرب، هرب منغيله من العدالة وعاش في أمريكا الجنوبية تحت أسماء مستعارة حتى وفاته غرقًا في البرازيل عام 1979. لم يتم تقديمه أبدًا إلى العدالة لمحاكمته على جرائمه.
رحلة الفيلم الوثائقي
يركز فيلم “مسامحة الدكتور منغيله” على رحلة إيفا موزيس كور في نشر رسالة المسامحة. يسافر الفيلم مع إيفا إلى أماكن مختلفة، بما في ذلك معسكر أوشفيتز، حيث تشارك قصتها المؤلمة مع الآخرين. كما يصور الفيلم لقاءاتها مع ناجين آخرين من المحرقة ومع أفراد من الجيل الثاني من الناجين، الذين يكافحون للتعامل مع إرث الصدمة.
يثير الفيلم تساؤلات مهمة حول طبيعة المسامحة وحدودها. هل من الممكن مسامحة شخص ارتكب فظائع مثل الدكتور منغيله؟ هل المسامحة تعني نسيان الماضي أو التغاضي عن الجرائم؟ هل يمكن للمسامحة أن تكون أداة للشفاء والتحرر؟
ردود الفعل على الفيلم ورسالة إيفا
أثار فيلم “مسامحة الدكتور منغيله” جدلاً واسعًا. أيد البعض رسالة إيفا في المسامحة، معتبرين إياها عملاً شجاعًا وقويًا. رأى آخرون أن مسامحة منغيله أمر غير مقبول، لأنه يقلل من شأن معاناة الضحايا ويمنح الجناة فرصة للإفلات من العقاب. انتقد البعض إيفا لأنها زعمت أنها تتحدث باسم جميع الناجين من المحرقة، في حين أن العديد منهم لم يوافقوا على قرارها بالمسامحة.
على الرغم من الجدل، أصرت إيفا على أن المسامحة كانت خيارًا شخصيًا اتخذته من أجل سلامتها العقلية والعاطفية. كانت تعتقد أن الغضب والكراهية لا يخدمان سوى إدامة دائرة العنف والمعاناة. من خلال مسامحة منغيله، كانت تأمل في كسر هذه الدائرة وخلق عالم أكثر سلامًا وتسامحًا.
واصلت إيفا موزيس كور الترويج لرسالة المسامحة حتى وفاتها في عام 2019. أسست مركز “كاندلز” (CANDLES) في تير هوت، إنديانا، وهو متحف ومركز تعليمي يهدف إلى تثقيف الناس حول المحرقة وأهمية المسامحة. لا يزال إرثها يلهم الكثيرين حول العالم.
أسئلة أخلاقية وفلسفية
يطرح فيلم “مسامحة الدكتور منغيله” مجموعة من الأسئلة الأخلاقية والفلسفية المعقدة التي تتجاوز سياق المحرقة. هذه الأسئلة تشمل:
- ما هي المسامحة الحقيقية؟ هل هي مجرد إعلان لفظي أم أنها تتطلب تغييرًا عميقًا في القلب والعقل؟
- هل هناك جرائم لا يمكن مسامحتها؟ هل هناك أفعال شريرة لدرجة أنها تتجاوز القدرة على المسامحة؟
- هل المسامحة تعني النسيان؟ هل يمكننا أن نسامح دون أن ننسى ما حدث؟
- ما هو دور العدالة في عملية المسامحة؟ هل يمكن للمسامحة أن تحل محل العدالة، أم أنها يجب أن تسير جنبًا إلى جنب معها؟
- هل يمكن للمسامحة أن تكون أداة للتحرر والشفاء؟ هل يمكن للمسامحة أن تساعدنا على التغلب على الصدمات والمعاناة؟
لا توجد إجابات سهلة لهذه الأسئلة، والإجابات تختلف باختلاف القيم والمعتقدات الفردية. ومع ذلك، فإن طرح هذه الأسئلة ومناقشتها يمكن أن يساعدنا على فهم أفضل لطبيعة المسامحة وأهميتها في حياتنا.
إرث إيفا موزيس كور
تركت إيفا موزيس كور إرثًا دائمًا من الأمل والمرونة والمسامحة. قصتها تلهمنا للتغلب على التحديات، والتصالح مع الماضي، والعيش في سلام مع أنفسنا والآخرين. على الرغم من المعاناة الرهيبة التي مرت بها، اختارت إيفا أن تركز على الإيجابية والأمل. علمتنا أن المسامحة ليست علامة ضعف، بل هي علامة قوة وشجاعة. من خلال مسامحة الدكتور منغيله، لم تحرر نفسها فحسب، بل ألهمت أيضًا الملايين حول العالم لفعل الشيء نفسه.
خاتمة
فيلم “مسامحة الدكتور منغيله” هو فيلم وثائقي مؤثر ومثير للتفكير يستكشف رحلة إيفا موزيس كور في مسامحة الدكتور جوزيف منغيله، الطبيب النازي الذي أجرى عليها تجارب وحشية في معسكر أوشفيتز. يثير الفيلم تساؤلات مهمة حول طبيعة المسامحة وحدودها، ويقدم رسالة قوية عن الأمل والتحرر. على الرغم من الجدل الذي أثاره الفيلم، إلا أنه يظل شهادة على قوة الروح الإنسانية وقدرتها على التغلب على أقسى الظروف.