<![CDATA[
تأسيس الرتبة
ظهرت فكرة إنشاء رتبة المشير في ألمانيا الشرقية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين. كانت هذه الفترة تشهد توتراً متزايداً في العلاقات الدولية، وتصاعداً في سباق التسلح بين الكتلتين الشرقية والغربية. في هذا السياق، أرادت ألمانيا الشرقية أن تعزز مكانة جيشها الوطني وتعزيز قدراته الدفاعية. بالإضافة إلى ذلك، كان يُنظر إلى إنشاء رتبة المشير كإشارة إلى الثقة في الولاء والقيادة العليا للقوات المسلحة.
في 25 مارس 1982، أقر مجلس الدولة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية قانوناً بإنشاء رتبة “مشير جمهورية ألمانيا الديمقراطية”. تم تصميم هذا القانون ليتناسب مع النظام السوفيتي في الرتب العسكرية، حيث كان الاتحاد السوفيتي يمتلك أيضاً رتبة “مارشال الاتحاد السوفيتي” كأعلى رتبة في الجيش. الهدف من ذلك كان تعزيز الروابط العسكرية والأيديولوجية مع الاتحاد السوفيتي وحلفائه.
منصب هاينز كسيلر
تم منح رتبة المشير إلى هاينز كسيلر، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في جمهورية ألمانيا الديمقراطية في ذلك الوقت. وُلد كسيلر في 28 نوفمبر 1920، وانضم إلى الحزب الشيوعي الألماني في عام 1937. بعد الحرب العالمية الثانية، انخرط في الجيش الألماني الشرقي، وتدرج في المناصب القيادية حتى أصبح وزيراً للدفاع في عام 1979. كان كسيلر شخصية بارزة في الحزب الشيوعي، وكان معروفاً بولائه للاتحاد السوفيتي وتفانيه في القضية الاشتراكية. كان اختياره لرتبة المشير يعكس التقدير الكبير الذي حظي به من قبل القيادة السياسية والعسكرية في ألمانيا الشرقية.
بعد حصوله على رتبة المشير، استمر كسيلر في لعب دور قيادي في الجيش الألماني الشرقي. أشرف على تطوير الجيش وتحديثه، وعمل على تعزيز قدراته القتالية. كان له دور فعال في الحفاظ على العلاقات العسكرية الوثيقة مع الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو. ظل كسيلر في منصب وزير الدفاع حتى عام 1989، عندما أدت التغيرات السياسية في ألمانيا الشرقية إلى إقالته.
شعار المشير
كان شعار المشير عبارة عن شارة الكتف والياقة التي تميز الرتبة. كانت شارة الكتف عبارة عن نجمة ذهبية كبيرة فوق إكليل من أوراق البلوط الذهبية، ورمز الدولة الألماني الشرقي. أما شارة الياقة، فكانت تتكون من أوراق البلوط الذهبية المتشابكة، وهي رمز تقليدي للقوة والقيادة العسكرية. كان هذا الشعار بمثابة رمز للمكانة الرفيعة والمسؤولية الكبيرة التي تحملها رتبة المشير.
الجدل حول الرتبة
أثارت رتبة مشير جمهورية ألمانيا الديمقراطية بعض الجدل. اعتبرها البعض مبالغة في الاهتمام بالشكليات العسكرية، بينما رأى آخرون أنها خطوة ضرورية لتعزيز مكانة الجيش وتعزيز الروح المعنوية للقوات المسلحة. ومع ذلك، لم يكن هناك شك في أن رتبة المشير كانت بمثابة اعتراف رسمي بالقيادة العليا للجيش وبالدور الحيوي الذي لعبه في الحفاظ على الأمن القومي لألمانيا الشرقية.
بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مسألة تتعلق بتأثير رتبة المشير على العلاقات مع الدول الأخرى. في حين أن ألمانيا الشرقية كانت تسعى إلى تعزيز علاقاتها العسكرية مع الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، إلا أن هذه الرتبة يمكن أن تُنظر إليها على أنها خطوة استفزازية من قبل الدول الغربية. ومع ذلك، لم يؤثر ذلك بشكل كبير على العلاقات الدولية في ذلك الوقت.
تأثير سقوط جدار برلين
مع انهيار جدار برلين في نوفمبر 1989، بدأت جمهورية ألمانيا الديمقراطية في الانهيار. أدت التغيرات السياسية والاقتصادية إلى حل جيش الشعب الوطني في عام 1990، مع إعادة توحيد ألمانيا. بعد ذلك، تم إلغاء رتبة مشير جمهورية ألمانيا الديمقراطية، ولم يتم استخدامها مرة أخرى. يمثل هذا الحدث نهاية فصل في تاريخ ألمانيا، حيث كان جيش الشعب الوطني رمزاً للسيادة الألمانية الشرقية والنظام الشيوعي.
خلال الفترة القصيرة التي كانت فيها رتبة المشير موجودة، لم تُمنح سوى لشخص واحد، وهو هاينز كسيلر. هذا الأمر يعكس الأهمية الكبيرة لهذه الرتبة، حيث لم يكن من السهل الحصول عليها. يعكس هذا أيضاً الدور المركزي الذي لعبه كسيلر في الجيش الألماني الشرقي والنظام السياسي بشكل عام.
مقارنة مع الرتب الأخرى
للمقارنة، يمكن النظر إلى رتبة مشير جمهورية ألمانيا الديمقراطية في سياق الرتب العسكرية الأخرى. في الاتحاد السوفيتي، كانت رتبة “مارشال الاتحاد السوفيتي” هي الرتبة الأعلى. في العديد من البلدان الأخرى، توجد أيضاً رتبة “مشير” أو “مارشال” كأعلى رتبة عسكرية. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، توجد رتبة “جنرال الجيش” كأعلى رتبة في الجيش. تختلف تفاصيل هذه الرتب في الشارات والمسؤوليات، لكنها تشترك في كونها تعبر عن أعلى مستويات القيادة والمسؤولية.
في حالة ألمانيا الشرقية، كانت رتبة المشير تهدف إلى تحقيق عدة أهداف. أولاً، كانت تهدف إلى تعزيز مكانة الجيش في المجتمع. ثانياً، كانت تهدف إلى تعزيز العلاقات مع الاتحاد السوفيتي. ثالثاً، كانت تهدف إلى الاعتراف بالقيادة العليا للجيش. من خلال فهم هذه الأهداف، يمكننا تقدير الأهمية التاريخية لهذه الرتبة.
التراث
بعد إعادة توحيد ألمانيا، تم نسيان رتبة مشير جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى حد كبير. ومع ذلك، لا تزال تمثل جزءاً مهماً من التاريخ العسكري الألماني. يمكن دراسة هذه الرتبة لفهم سياسات ألمانيا الشرقية وعلاقاتها مع الاتحاد السوفيتي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن دراسة رتبة المشير لفهم تطور الرتب العسكرية في العالم.
لا تزال هناك بعض الآثار المادية لرتبة المشير. على سبيل المثال، يمكن العثور على صور ووثائق تتعلق بها في المتاحف والمجموعات الخاصة. يمكن أيضاً رؤية شارات الرتبة في بعض المعروضات التاريخية. من خلال دراسة هذه الآثار، يمكننا الحصول على فهم أعمق لتاريخ ألمانيا الشرقية.
خاتمة
كانت رتبة مشير جمهورية ألمانيا الديمقراطية أعلى رتبة عسكرية في ألمانيا الشرقية، والتي لم تُمنح إلا لوزير الدفاع هاينز كسيلر. تم إنشاء هذه الرتبة في عام 1982 كرمز للقيادة العليا للجيش وتعزيز العلاقات مع الاتحاد السوفيتي. على الرغم من قصر فترة وجودها، إلا أنها تمثل جزءاً مهماً من التاريخ العسكري الألماني، وتعكس سياسات ألمانيا الشرقية خلال الحرب الباردة. بعد سقوط جدار برلين وإعادة توحيد ألمانيا، تم إلغاء هذه الرتبة، ولكنها تظل رمزاً لتلك الحقبة التاريخية.