<![CDATA[
مقدمة
إتش إم إس بوسيدون (بالإنجليزية: HMS Poseidon (P99))، غواصة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، صُممت وبُنيت بواسطة شركة فيكرز لبناء السفن والهندسة في بارو إن فورنيس، إنجلترا. كانت جزءًا من فئة الغواصات “بارثيان” (Parthian class)، التي صُممت للعمل في المياه البعيدة والقيام بدوريات طويلة الأمد. اشتهرت بوسيدون بغرقها المأساوي في عام 1931، والذي أدى إلى تطوير تقنيات جديدة للإنقاذ البحري.
التصميم والبناء
صُممت غواصات فئة “بارثيان” لتكون قادرة على الإبحار لمسافات طويلة والعمل في ظروف مناخية متنوعة. تميزت بتصميم قوي ومتين، وقدرة على حمل كمية كبيرة من الوقود والإمدادات. بُنيت بوسيدون في حوض بناء السفن التابع لشركة فيكرز، وهي شركة ذات تاريخ طويل في بناء السفن الحربية للأسطول البريطاني. تم إطلاقها في عام 1929 ودخلت الخدمة في البحرية الملكية في عام 1930.
- الإزاحة: 1475 طنًا (أثناء الطفو على السطح)، 2040 طنًا (أثناء الغوص)
- الطول: 84 مترًا
- الشعاع: 8.5 أمتار
- السرعة: 17.5 عقدة (أثناء الطفو على السطح)، 9 عقدات (أثناء الغوص)
- التسليح: 6 × أنابيب طوربيد عيار 21 بوصة (533 ملم)، مدفع واحد عيار 4 بوصات (102 ملم)
- الطاقم: 53 ضابطًا وبحارًا
الخدمة
بعد دخولها الخدمة، شاركت إتش إم إس بوسيدون في تدريبات وأنشطة بحرية مختلفة. خدمت في البداية في المياه البريطانية، ثم أُرسلت إلى محطة الصين في عام 1930، حيث كان من المقرر أن تنضم إلى أسطول الغواصات البريطاني المتمركز في الشرق الأقصى. كانت محطة الصين مهمة استراتيجيًا، حيث كانت البحرية الملكية تسعى للحفاظ على وجود قوي في المنطقة لحماية المصالح التجارية البريطانية ومراقبة التطورات السياسية.
حادثة الغرق
في 9 يونيو 1931، بينما كانت تبحر في بحر الصين قبالة سواحل مقاطعة شاندونغ، الصين، اصطدمت إتش إم إس بوسيدون بسفينة شحن صينية تسمى “يونج سينج” (Yung Sings). تسبب الاصطدام في أضرار جسيمة للغواصة، مما أدى إلى غرقها السريع. نجا عدد قليل من أفراد الطاقم، ولكن معظمهم لقوا حتفهم في الحادث.
محاولات الإنقاذ
بعد غرق بوسيدون، بدأت جهود الإنقاذ على الفور. كان التحدي الأكبر هو عمق الغواصة الغارقة، الذي تجاوز القدرات الحالية لتقنيات الإنقاذ في ذلك الوقت. ومع ذلك، تمكن خمسة من أفراد الطاقم من الهروب من الغواصة باستخدام جهاز تنفس خاص يسمى “جهاز ديفيس للهروب من الغواصات” (Davis Submerged Escape Apparatus). كان هذا الجهاز ابتكارًا جديدًا نسبيًا في ذلك الوقت، وقد أثبت فعاليته في إنقاذ حياة هؤلاء البحارة.
تأثير الحادث على تقنيات الإنقاذ
أدى غرق إتش إم إس بوسيدون إلى تسليط الضوء على الحاجة الماسة إلى تطوير تقنيات إنقاذ أكثر فعالية للغواصات. دفعت هذه المأساة البحرية البحرية الملكية البريطانية إلى استثمار المزيد من الموارد في البحث والتطوير في مجال الإنقاذ البحري. تم إجراء تحسينات كبيرة على أجهزة الهروب من الغواصات، وتم تطوير تقنيات جديدة لتحديد مواقع الغواصات الغارقة والوصول إليها. كما تم إنشاء فرق متخصصة في الإنقاذ البحري للتعامل مع حالات الطوارئ المتعلقة بالغواصات.
جهاز ديفيس للهروب من الغواصات
جهاز ديفيس للهروب من الغواصات (DSEA) هو جهاز تنفس دائرة مغلقة يستخدمه أفراد الطاقم للهروب من الغواصة الغارقة. يتكون الجهاز من كيس تنفس يحتوي على الأكسجين، وعلبة امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وقناع وجه. يسمح الجهاز للبحار بالتنفس أثناء صعوده إلى السطح، ويحميه من آثار الضغط المتزايد. كان استخدام هذا الجهاز من قبل أفراد الطاقم الناجين من بوسيدون بمثابة شهادة على فعاليته وأهميته في إنقاذ الأرواح.
تراث بوسيدون
على الرغم من نهايتها المأساوية، تركت إتش إم إس بوسيدون إرثًا دائمًا في تاريخ البحرية الملكية البريطانية. سلط الحادث الضوء على المخاطر التي يواجهها أفراد الطاقم في الغواصات، وأدى إلى تحسينات كبيرة في تقنيات الإنقاذ البحري. لا تزال قصة بوسيدون بمثابة تذكير بأهمية السلامة والتدريب في العمليات البحرية.
اكتشاف الحطام
في عام 1972، تم اكتشاف حطام إتش إم إس بوسيدون من قبل غواصين صينيين. يقع الحطام على عمق حوالي 40 مترًا (130 قدمًا) في بحر الصين. وقد أظهرت الصور والتقارير اللاحقة أن الغواصة لا تزال سليمة نسبيًا، على الرغم من مرور سنوات عديدة على غرقها. يعتبر موقع الحطام الآن موقعًا تاريخيًا محميًا.
الأهمية التاريخية
يعتبر غرق إتش إم إس بوسيدون حدثًا مهمًا في تاريخ البحرية الملكية البريطانية. لم تكن المأساة بمثابة خسارة فادحة في الأرواح فحسب، بل كانت أيضًا حافزًا لتطوير تقنيات إنقاذ بحري أكثر فعالية. لا تزال قصة بوسيدون تُروى حتى اليوم في أكاديميات البحرية ومدارس التدريب، وهي بمثابة تذكير بأهمية السلامة والاستعداد في العمليات البحرية.
الدروس المستفادة
من بين الدروس الرئيسية المستفادة من غرق إتش إم إس بوسيدون ما يلي:
- أهمية التدريب: يجب أن يتلقى أفراد الطاقم تدريبًا شاملاً على إجراءات السلامة والهروب من الغواصات.
- الحاجة إلى معدات إنقاذ موثوقة: يجب أن تكون الغواصات مجهزة بأحدث أجهزة الهروب والإنقاذ.
- أهمية البحث والتطوير: يجب الاستمرار في الاستثمار في البحث والتطوير في مجال الإنقاذ البحري لتحسين تقنيات الإنقاذ.
- التعاون الدولي: يجب أن يكون هناك تعاون دولي في مجال الإنقاذ البحري لضمان الاستجابة الفعالة لحالات الطوارئ.
خاتمة
كانت إتش إم إس بوسيدون غواصة تابعة للبحرية الملكية البريطانية لعبت دورًا هامًا في تطوير تقنيات الإنقاذ البحري. على الرغم من نهايتها المأساوية، إلا أن إرثها لا يزال حيًا حتى اليوم. تُعد قصة بوسيدون بمثابة تذكير بأهمية السلامة والتدريب في العمليات البحرية، وبأهمية الاستمرار في تطوير تقنيات الإنقاذ البحري لحماية الأرواح في البحر.