حياته المبكرة وتحوله إلى المسيحية
وُلد برنابا في قبرص لعائلة يهودية من سبط لاوي. اسمه الأصلي هو يوسف أو يوسي، ولكن الرسل أطلقوا عليه اسم برنابا، والذي يعني “ابن التشجيع” أو “ابن العزاء” (أعمال الرسل 4: 36-37). يُعتقد أنه كان من بين أوائل المؤمنين بالمسيح في القدس بعد صعود يسوع. يُذكر في سفر أعمال الرسل كشخص باع حقله وأتى بثمنه ووضعه عند أرجل الرسل، مما يدل على إيمانه العميق وتفانيه في خدمة الكنيسة الناشئة.
برنابا وبولس
لعب برنابا دورًا حاسمًا في تقديم بولس (الذي كان يُعرف سابقًا باسم شاول الطرسوسي) إلى الرسل في القدس. بعد تحول بولس إلى المسيحية، كان الرسل متخوفين منه بسبب ماضيه كمضطهد للمسيحيين. ومع ذلك، أخذ برنابا بولس معه وقدمه إلى الرسل، وشهد له بأنه قد رأى الرب وتكلم معه، وأنه كان يبشر بجرأة باسم يسوع في دمشق (أعمال الرسل 9: 27). هذه المبادرة من برنابا ساهمت بشكل كبير في قبول بولس في المجتمع المسيحي.
الرحلة التبشيرية الأولى
انطلق برنابا وبولس معًا في الرحلة التبشيرية الأولى، التي بدأت من أنطاكية. سافروا إلى قبرص، مسقط رأس برنابا، ثم إلى مناطق أخرى في آسيا الصغرى (تركيا الحديثة). خلال هذه الرحلة، بشرا بالإنجيل في المجامع اليهودية وبين الأمم، وأجريا معجزات، وعمدا العديد من المؤمنين. في مدينة لسترة، بعد شفاء رجل أعرج، اعتقد الناس أن برنابا هو الإله زيوس وبولس هو الإله هيرميس. ومع ذلك، قام برنابا وبولس بتمزيق ثيابهما ورفضا هذه العبادة الوثنية، وأعلنا أنهم بشر مثلهم يدعون الناس إلى التوبة والإيمان بالله الحي (أعمال الرسل 14: 8-18).
الخلاف في أنطاكية
بعد عودتهما إلى أنطاكية، نشأ خلاف حول مسألة الختان. أتى بعض الأشخاص من اليهودية وأصروا على أن الأمم يجب أن يختتنوا وفقًا لشريعة موسى ليخلصوا. تسبب هذا في اضطراب كبير في الكنيسة في أنطاكية. تقرر إرسال بولس وبرنابا إلى القدس لمناقشة هذه المسألة مع الرسل والشيوخ (أعمال الرسل 15: 1-2).
مجمع أورشليم
في مجمع أورشليم، ناقش الرسل والشيوخ مسألة الختان. بعد مناقشات طويلة، قرروا أن الأمم الذين يؤمنون بالمسيح ليسوا ملزمين بالختان. كتبوا رسالة إلى الكنائس في أنطاكية وسوريا وكيليكيا، وأرسلوا مع بولس وبرنابا يهوذا الملقب برسابا وسيلا ليؤكدوا هذا القرار (أعمال الرسل 15: 22-29).
الانفصال بين بولس وبرنابا
بعد مجمع أورشليم، خطط بولس وبرنابا للقيام برحلة تبشيرية ثانية. ولكن نشأ خلاف بينهما حول يوحنا الملقب مرقس، الذي كان قد رافقهما في الرحلة التبشيرية الأولى ولكنه تركهما في منتصف الطريق. أراد برنابا أن يأخذ مرقس معه مرة أخرى، بينما رفض بولس ذلك. بسبب هذا الخلاف، انفصل بولس وبرنابا، وذهب بولس مع سيلا، بينما أخذ برنابا مرقس وسافر إلى قبرص (أعمال الرسل 15: 36-41).
رسالة برنابا
تُنسب رسالة برنابا إلى برنابا، على الرغم من أن نسبتها إليه محل خلاف بين العلماء. الرسالة هي عمل مسيحي مبكر مكتوب باللغة اليونانية. تتناول الرسالة مواضيع مختلفة، بما في ذلك تفسير العهد القديم، والعلاقة بين المسيحية واليهودية، وأهمية الحياة المسيحية. تعتبر الرسالة مصدرًا مهمًا لفهم الفكر المسيحي المبكر.
إرث برنابا
يُعتبر برنابا شخصية مهمة في تاريخ المسيحية. لعب دورًا حاسمًا في نشر الإنجيل، وفي قبول بولس في المجتمع المسيحي، وفي حل الخلافات داخل الكنيسة. يُذكر برنابا بتشجيعه وعزائه وتفانيه في خدمة الرب. يُحتفل بذكراه في العديد من الكنائس المسيحية.
مكانته في الكنائس المختلفة
- الكنيسة الكاثوليكية: تعتبر الكنيسة الكاثوليكية برنابا قديسًا وتحتفل بعيده في 11 يونيو.
- الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: تعتبر الكنائس الأرثوذكسية الشرقية برنابا رسولًا وتحتفل بعيده في 11 يونيو.
- الكنائس البروتستانتية: تحترم العديد من الكنائس البروتستانتية برنابا كشخصية مسيحية مهمة، على الرغم من أنها لا تعتبره قديسًا بالمعنى الكاثوليكي أو الأرثوذكسي.
أهمية برنابا في الحوار بين الأديان
تتجلى أهمية برنابا في الحوار بين الأديان من خلال دوره في تسهيل العلاقة بين المسيحيين واليهود في بداية المسيحية. كان برنابا يهوديًا تحول إلى المسيحية، وكان لديه فهم عميق لكلتا الديانتين. استخدم هذا الفهم لسد الفجوة بين المسيحيين واليهود، وتعزيز السلام والتفاهم المتبادل. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر برنابا نموذجًا للتسامح والقبول، حيث كان على استعداد لقبول بولس، الذي كان مضطهدًا سابقًا للمسيحيين، كشريك له في الخدمة. هذه الصفات تجعل برنابا شخصية مهمة في تعزيز الحوار والتفاهم بين الأديان المختلفة في العصر الحديث.
اكتشاف قبر برنابا
وفقًا للتقاليد، تم اكتشاف قبر برنابا في قبرص في القرن الخامس الميلادي. يُقال أن الأسقف أنثيموس رأى رؤيا قادته إلى الموقع، حيث وجد رفات برنابا ونسخة من إنجيل متى مكتوبة بخط يده. تم بناء دير على الموقع لتكريم برنابا، وأصبح مركزًا للحج.
خاتمة
برنابا هو شخصية محورية في تاريخ المسيحية المبكرة، تجسد معاني التشجيع والعزاء والتفاني. من خلال دوره في تقديم بولس إلى الرسل، ورحلاته التبشيرية، وجهوده في حل الخلافات، ترك برنابا بصمة لا تُمحى على الكنيسة الناشئة. تظل قصته مصدر إلهام للمسيحيين في جميع أنحاء العالم.