<![CDATA[
نشأته وتعليمه
ولد ديفيد ميبري-لويس في 5 مايو 1929 في هيرتفوردشاير، إنجلترا. تلقى تعليمه في مدرسة ريتشموند، ثم التحق بجامعة أكسفورد حيث درس الفلسفة والسياسة والاقتصاد (PPE). بعد تخرجه، توجه إلى جامعة أكسفورد مرة أخرى للحصول على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، حيث درس تحت إشراف إدوارد إيفانز-بريتشارد، أحد أبرز علماء الأنثروبولوجيا في القرن العشرين. كان لتعليم ميبري-لويس الواسع وتدريبه الأكاديمي المبكر دورًا كبيرًا في تشكيل مسيرته المهنية.
عمله الميداني في أمريكا الجنوبية
بدأ ميبري-لويس عمله الميداني في أمريكا الجنوبية في الخمسينيات من القرن العشرين. ركز بشكل خاص على دراسة القبائل الأصلية في البرازيل، بما في ذلك قبائل شيغواني، وكايابو، وسويا. عاش وعمل مع هذه المجتمعات لفترات طويلة، مما سمح له باكتساب فهم عميق لثقافاتهم وأنظمتهم الاجتماعية. كان ميبري-لويس ملتزمًا بالعمل الميداني المكثف، معتبرًا أنه ضروري لفهم تعقيدات المجتمعات البشرية.
من خلال دراساته الميدانية، وثق ميبري-لويس عادات وتقاليد، وهياكل القرابة، والأنظمة الاقتصادية، والمعتقدات الدينية للعديد من القبائل الأصلية. ساهمت أبحاثه في تغيير الطريقة التي ينظر بها إلى هذه المجتمعات، بعيدًا عن النظرة الاستعمارية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. أكد على أهمية احترام الثقافات الأصلية وحقوقها.
مساهماته في الأنثروبولوجيا
قدم ديفيد ميبري-لويس مساهمات كبيرة في علم الأنثروبولوجيا. ركز عمله على عدة مجالات رئيسية:
- دراسة القرابة والزواج: أجرى أبحاثًا مفصلة حول أنظمة القرابة والزواج في المجتمعات الأصلية، وكشف عن تعقيداتها وأهميتها في تنظيم العلاقات الاجتماعية.
- فهم الهويات الثقافية: استكشف الطرق التي تشكل بها المجتمعات هوياتها الثقافية، وكيف تتفاعل مع التغييرات الخارجية.
- تحليل التغيير الاجتماعي: درس كيف تتكيف المجتمعات الأصلية مع الضغوط الخارجية، بما في ذلك الاستعمار، والتنمية، والعولمة.
- الدفاع عن حقوق السكان الأصليين: كان ميبري-لويس مدافعًا قويًا عن حقوق السكان الأصليين، وشارك في العديد من المبادرات التي تهدف إلى حماية أراضيهم وثقافاتهم.
بالإضافة إلى عمله الأكاديمي، لعب ميبري-لويس دورًا مهمًا في نشر الوعي حول قضايا السكان الأصليين. كتب عددًا من الكتب والمقالات التي لاقت جمهورًا واسعًا، وساهم في زيادة فهم الجمهور العام للتنوع الثقافي والظلم الذي يتعرض له السكان الأصليون.
مؤسسة السكان الأصليين (Cultural Survival)
أسس ديفيد ميبري-لويس في عام 1972 مؤسسة السكان الأصليين (Cultural Survival)، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى دعم حقوق السكان الأصليين والدفاع عن ثقافاتهم. لعبت المؤسسة دورًا حاسمًا في توفير الدعم المالي والقانوني للسكان الأصليين، وتقديم الدعم لجهودهم للحفاظ على ثقافاتهم وحماية أراضيهم. لا تزال المؤسسة نشطة حتى اليوم، وتواصل العمل على تحقيق أهدافها.
من خلال مؤسسة السكان الأصليين، عمل ميبري-لويس على:
- المساعدة في حماية الأراضي والموارد الطبيعية: ساعدت المؤسسة السكان الأصليين في الدفاع عن حقوقهم في أراضيهم ومواردهم الطبيعية، ومواجهة التعديات التي تتعرض لها.
- دعم الثقافة واللغة: قدمت المؤسسة الدعم للبرامج التي تهدف إلى الحفاظ على اللغات والثقافات الأصلية، وتشجيع التعليم والتدريب في المجتمعات الأصلية.
- التوعية والدعوة: عملت المؤسسة على زيادة الوعي العام بقضايا السكان الأصليين، والدعوة إلى السياسات التي تدعم حقوقهم.
السنوات الأخيرة وميراثه
في السنوات الأخيرة من حياته، واصل ميبري-لويس الكتابة والتدريس والعمل من أجل حقوق السكان الأصليين. تقاعد من التدريس في جامعة هارفارد، لكنه ظل نشطًا في مؤسسة السكان الأصليين، وقدم المشورة والدعم للعديد من المشاريع. توفي في 2 ديسمبر 2007، تاركًا وراءه إرثًا دائمًا كعالم أنثروبولوجيا ومدافع عن حقوق الإنسان.
إن إسهامات ميبري-لويس في علم الأنثروبولوجيا، وخاصةً في مجال دراسة المجتمعات الأصلية، لا تزال ذات أهمية كبيرة. أعماله قدمت رؤى قيمة حول التنوع الثقافي، وأهمية احترام حقوق الإنسان، وحماية البيئة. استمرت مؤسسة السكان الأصليين في العمل على تحقيق أهدافه، وبناءً على إرثه كرمز للعدالة الاجتماعية.
أعماله البارزة
ترك ديفيد ميبري-لويس وراءه عددًا من الأعمال المنشورة التي لا تزال تُقرأ وتُدرس على نطاق واسع. تشمل بعض أعماله البارزة:
- The Savage and the Innocent (1961): وصف لتجربته مع قبائل شيغواني في البرازيل.
- Akwe-Shavante Society (1967): دراسة متعمقة للمجتمع الشافانتي.
- Indians of Central Brazil (1967): مجموعة مقالات عن القبائل الأصلية في البرازيل.
- The Persistence of Myth (1973): تحليل لدور الأساطير في المجتمعات الأصلية.
- Tribes, States, and the World (1997): استكشاف للعلاقات بين القبائل، والدول، والعالم.
تُظهر هذه الأعمال التزام ميبري-لويس بالبحث الأكاديمي الدقيق، وقدرته على توصيل تعقيدات الثقافة الإنسانية للقراء من جميع الخلفيات.
تقييم إرثه
يمكن تلخيص إرث ديفيد ميبري-لويس في عدة نقاط:
- عالم أنثروبولوجيا رائد: ساهمت أبحاثه في توسيع فهمنا للتنوع الثقافي، وأنظمة القرابة، والعمليات الاجتماعية في المجتمعات الأصلية.
- مدافع عن حقوق السكان الأصليين: عمل بلا كلل للدفاع عن حقوق السكان الأصليين، وحماية أراضيهم، وثقافاتهم.
- مؤسس ورائد مؤسسة السكان الأصليين: أنشأ منظمة لعبت دورًا حاسمًا في دعم حقوق السكان الأصليين في جميع أنحاء العالم.
- ملهم: ألهم عمله العديد من الطلاب والباحثين والناشطين، وساهم في تشكيل جيل جديد من المدافعين عن حقوق الإنسان.
لقد أثرت أفكاره وأعماله على مسار الأنثروبولوجيا، وعززت من الوعي بأهمية حماية التراث الثقافي والتنوع البيولوجي، وأعطت صوتًا لمن حرموا من حقوقهم.
خاتمة
كان ديفيد ميبري-لويس عالم أنثروبولوجيا استثنائيًا، ومدافعًا عن حقوق الإنسان، ورائدًا في مجال دراسة المجتمعات الأصلية. من خلال عمله الميداني المكثف، وأبحاثه الأكاديمية، وتأسيس مؤسسة السكان الأصليين، قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للتنوع الثقافي وحقوق السكان الأصليين. إرثه مستمر في التأثير على عالمنا، ويذكره كشخصية مهمة في تاريخ الأنثروبولوجيا والعدالة الاجتماعية.