<![CDATA[
خلفية تاريخية
بعد تولي فرانكلين روزفلت الرئاسة في عام 1933، أطلق “الصفقة الجديدة” كمجموعة من البرامج والمشاريع التي تهدف إلى معالجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي كانت تعصف بالبلاد. ركزت المرحلة الأولى من الصفقة الجديدة على الإغاثة الفورية والتعافي الاقتصادي الأولي. ومع ذلك، بحلول عام 1935، أصبح من الواضح أن هناك حاجة إلى مزيد من التدخل الحكومي لمعالجة الأسباب الجذرية للكساد وضمان عدم تكراره.
أسباب إطلاق الصفقة الجديدة الثانية
كانت هناك عدة عوامل ساهمت في إطلاق الصفقة الجديدة الثانية:
- عدم كفاية التدابير الأولية: على الرغم من أن المرحلة الأولى من الصفقة الجديدة حققت بعض النجاح في تخفيف حدة الأزمة، إلا أنها لم تنجح في تحقيق التعافي الاقتصادي الكامل. ظل ملايين الأمريكيين عاطلين عن العمل، واستمرت المشاكل الهيكلية في الاقتصاد.
- الضغط السياسي: واجه روزفلت ضغوطًا متزايدة من مختلف الجماعات، بما في ذلك النقابات العمالية والمنظمات الزراعية، للمضي قدمًا في إصلاحات أكثر جذرية.
- المحكمة العليا: ألغت المحكمة العليا بعض التشريعات الرئيسية التي تم إقرارها في إطار الصفقة الجديدة الأولى، مما أدى إلى الحاجة إلى قوانين جديدة تتوافق مع الدستور.
- الانتخابات الرئاسية: مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 1936، سعى روزفلت إلى تعزيز شعبيته من خلال تقديم برامج جديدة تحظى بدعم شعبي واسع.
أهداف الصفقة الجديدة الثانية
كانت الأهداف الرئيسية للصفقة الجديدة الثانية هي:
- تعزيز الأمن الاقتصادي: توفير شبكة أمان اجتماعي للأمريكيين العاطلين عن العمل، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة.
- تحسين ظروف العمل: حماية حقوق العمال وضمان حصولهم على أجور عادلة وظروف عمل آمنة.
- تنظيم الأعمال التجارية: الحد من الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلكين.
- توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة: معالجة التفاوت الكبير في الدخل والثروة في المجتمع الأمريكي.
أبرز برامج ومبادرات الصفقة الجديدة الثانية
تضمنت الصفقة الجديدة الثانية مجموعة واسعة من البرامج والمبادرات، من أبرزها:
- قانون الضمان الاجتماعي (Social Security Act): يُعتبر هذا القانون من أهم إنجازات الصفقة الجديدة الثانية. أنشأ نظامًا للضمان الاجتماعي يوفر معاشات تقاعدية للعمال، ومساعدات للعاطلين عن العمل، وإعانات للأسر التي لديها أطفال معالين، ومساعدات للأشخاص ذوي الإعاقة.
- قانون علاقات العمل الوطنية (National Labor Relations Act) (قانون واغنر): منح هذا القانون العمال الحق في التنظيم وتشكيل النقابات والمفاوضة الجماعية مع أصحاب العمل. كما أنشأ مجلس علاقات العمل الوطنية (NLRB) للإشراف على انتخابات النقابات ومنع الممارسات العمالية غير العادلة.
- إدارة تقدم الأعمال (Works Progress Administration) (WPA): كانت هذه الإدارة أكبر برنامج للتوظيف العام في تاريخ الولايات المتحدة. وظفت ملايين العاطلين عن العمل في مشاريع البنية التحتية مثل بناء الطرق والجسور والمباني العامة والمطارات. كما دعمت WPA الفنانين والكتاب والموسيقيين من خلال مشاريع فنية وثقافية.
- إدارة شباب الوطنية (National Youth Administration) (NYA): وفرت هذه الإدارة فرص عمل وتعليم للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 25 عامًا. سمحت NYA للشباب بالبقاء في المدرسة أو الكلية من خلال توفير وظائف بدوام جزئي، كما قدمت التدريب المهني للشباب الذين تركوا المدرسة.
- قانون سلطة الكهرباء الريفية (Rural Electrification Act) (REA): هدف هذا القانون إلى توفير الكهرباء للمناطق الريفية التي كانت محرومة من هذه الخدمة الأساسية. قدمت REA قروضًا منخفضة الفائدة لشركات الكهرباء التعاونية التي تقوم بتمديد خطوط الكهرباء إلى المزارع والمنازل الريفية.
- قانون الإسكان الوطني (National Housing Act): أنشأ هذا القانون إدارة الإسكان الفيدرالية (FHA) لتوفير التأمين على قروض الرهن العقاري، مما جعل شراء المنازل في متناول المزيد من الأسر. كما دعم القانون بناء المساكن العامة لذوي الدخل المنخفض.
نتائج وتأثيرات الصفقة الجديدة الثانية
كان للصفقة الجديدة الثانية تأثير عميق ودائم على المجتمع والاقتصاد الأمريكيين. من بين أهم نتائجها وتأثيراتها:
- تحسين الأمن الاقتصادي: ساهمت برامج الضمان الاجتماعي والبطالة والإعانات في توفير شبكة أمان اجتماعي للأمريكيين، مما خفف من آثار الكساد على الأفراد والأسر.
- تعزيز حقوق العمال: ساعد قانون علاقات العمل الوطنية في تمكين العمال ومنحهم المزيد من القوة في مواجهة أصحاب العمل، مما أدى إلى تحسين ظروف العمل وزيادة الأجور.
- تطوير البنية التحتية: ساهمت مشاريع WPA في تحسين البنية التحتية للبلاد، مما أدى إلى تحسين النقل والاتصالات والخدمات العامة.
- توسيع دور الحكومة: وسعت الصفقة الجديدة الثانية دور الحكومة الفيدرالية في الاقتصاد والمجتمع، وأرست الأساس لدولة الرفاهية الحديثة في الولايات المتحدة.
- إعادة تنظيم السياسة الأمريكية: ساهمت الصفقة الجديدة الثانية في إعادة تنظيم السياسة الأمريكية، حيث تحول تحالف روزفلت الديمقراطي إلى قوة مهيمنة في السياسة الوطنية لعقود قادمة.
انتقادات للصفقة الجديدة الثانية
على الرغم من نجاحاتها العديدة، واجهت الصفقة الجديدة الثانية أيضًا انتقادات من مختلف الجهات:
- المحافظون: انتقد المحافظون الصفقة الجديدة الثانية باعتبارها تدخلًا مفرطًا من قبل الحكومة في الاقتصاد، وتقويضًا للمبادرة الفردية والحرية الاقتصادية. زعموا أن برامج الصفقة الجديدة أدت إلى زيادة الدين العام وتثبيط الاستثمار الخاص.
- الاشتراكيون والراديكاليون: انتقد الاشتراكيون والراديكاليون الصفقة الجديدة الثانية باعتبارها غير كافية لمعالجة الأسباب الجذرية للكساد. زعموا أن الصفقة الجديدة لم تفعل ما يكفي لتوزيع الثروة بشكل أكثر عدالة أو لتحدي سلطة الشركات الكبرى.
- فعالية محدودة: يجادل بعض المؤرخين بأن الصفقة الجديدة الثانية لم تنجح في إنهاء الكساد الكبير، وأن الاقتصاد الأمريكي لم يتعاف تمامًا إلا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.
إرث الصفقة الجديدة الثانية
لا تزال الصفقة الجديدة الثانية موضوع نقاش وجدل حتى اليوم. ومع ذلك، لا يمكن إنكار تأثيرها العميق والدائم على المجتمع والاقتصاد الأمريكيين. أرست الصفقة الجديدة الثانية الأساس لدولة الرفاهية الحديثة في الولايات المتحدة، وساهمت في تحسين الأمن الاقتصادي وحقوق العمال والبنية التحتية في البلاد. كما ساهمت في إعادة تنظيم السياسة الأمريكية وتشكيل المشهد السياسي لعقود قادمة.
خاتمة
تعتبر الصفقة الجديدة الثانية مرحلة حاسمة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث شهدت توسعًا كبيرًا في دور الحكومة الفيدرالية في الاقتصاد والمجتمع. على الرغم من الانتقادات التي واجهتها، حققت الصفقة الجديدة الثانية العديد من النجاحات في تخفيف آثار الكساد الكبير وتعزيز الأمن الاقتصادي وتحسين ظروف العمل وتطوير البنية التحتية. لا يزال إرث الصفقة الجديدة الثانية يتردد صداه في السياسة والمجتمع الأمريكيين حتى اليوم.