مقدمة
كانت حملة كمبوديا (المعروفة أيضًا باسم التوغل الكمبودي أو التحرير الكمبودي) سلسلة من العمليات العسكرية التي نُفذت في كمبوديا من قبل القوات الأمريكية وقوات جمهورية فيتنام (ARVN) في الفترة من 29 أبريل إلى 22 يوليو 1970، خلال حرب فيتنام. كان الهدف من هذه الحملة هو تطهير الملاذات الآمنة للقوات الفيتنامية الشمالية (NVA) وفيت كونغ (VC) التي كانت تعمل عبر الحدود في كمبوديا، وتقويض قدرة العدو على شن هجمات في جنوب فيتنام.
الأسباب والدوافع
كانت كمبوديا، تحت حكم الأمير نورودوم سيهانوك، رسميًا دولة محايدة في حرب فيتنام. ومع ذلك، سمح سيهانوك ضمنيًا للقوات الفيتنامية الشمالية باستخدام الأجزاء الشرقية من البلاد كملاذات آمنة وقواعد إمداد. كانت هذه المناطق بمثابة نقطة انطلاق لشن هجمات عبر الحدود إلى جنوب فيتنام، مما أدى إلى تزايد الإحباط لدى القادة العسكريين الأمريكيين.
في مارس 1970، أطاح لون نول، رئيس الوزراء الكمبودي آنذاك، بنورودوم سيهانوك في انقلاب. أدت الإطاحة بسيهانوك إلى زعزعة استقرار كمبوديا، مما خلق فراغًا في السلطة سمح للقوات الفيتنامية الشمالية بتوسيع نفوذها في البلاد. رأى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون فرصة للقضاء على الملاذات الآمنة للعدو في كمبوديا وتقويض جهود الحرب الفيتنامية الشمالية.
أصدر نيكسون قرارًا بتنفيذ عمليات عسكرية سرية في كمبوديا في الفترة التي سبقت الحملة الرسمية. شملت هذه العمليات قصفًا جويًا مكثفًا لمواقع العدو، بالإضافة إلى عمليات برية صغيرة النطاق نفذتها القوات الخاصة الأمريكية.
العمليات العسكرية الرئيسية
بدأت حملة كمبوديا رسميًا في 29 أبريل 1970، عندما عبرت القوات الأمريكية وقوات جمهورية فيتنام الحدود إلى كمبوديا. تم تقسيم الحملة إلى عدة عمليات عسكرية رئيسية، كل منها استهدف منطقة مختلفة من البلاد:
- عملية مينيلون (Operation Menu): كانت سلسلة من الغارات الجوية السرية التي استهدفت الملاذات الآمنة للقوات الفيتنامية الشمالية في كمبوديا. بدأت هذه الغارات في مارس 1969 واستمرت حتى مايو 1970.
- عملية الحرية (Operation Freedom Deal): كانت حملة قصف جوي واسعة النطاق استهدفت مواقع العدو في جميع أنحاء كمبوديا. بدأت هذه الحملة في مايو 1970 واستمرت حتى أغسطس 1973.
- عملية ضربة شاملة الأولى (Operation Toan Thang I): كانت عملية برية واسعة النطاق نفذتها القوات الأمريكية وقوات جمهورية فيتنام في منطقة “منقار الببغاء” في كمبوديا. استهدفت هذه العملية تدمير قواعد الإمداد ومخازن الأسلحة التابعة للقوات الفيتنامية الشمالية.
- عملية ضربة شاملة الثانية (Operation Toan Thang II): كانت عملية برية أخرى نفذتها القوات الأمريكية وقوات جمهورية فيتنام في منطقة “السنارة” في كمبوديا. استهدفت هذه العملية أيضًا تدمير قواعد الإمداد ومخازن الأسلحة التابعة للقوات الفيتنامية الشمالية.
نتائج الحملة
حققت حملة كمبوديا بعض النجاحات التكتيكية. تمكنت القوات الأمريكية وقوات جمهورية فيتنام من تدمير العديد من قواعد الإمداد ومخازن الأسلحة التابعة للقوات الفيتنامية الشمالية، مما أدى إلى تعطيل عمليات العدو في جنوب فيتنام. ومع ذلك، كانت للحملة أيضًا عواقب سلبية كبيرة:
- تصاعد الحرب في كمبوديا: أدت الحملة إلى تصاعد الحرب الأهلية في كمبوديا، حيث انضم المزيد من الكمبوديين إلى حركة الخمير الحمر الشيوعية.
- زيادة المعارضة للحرب في الولايات المتحدة: أثارت الحملة احتجاجات واسعة النطاق في الولايات المتحدة، حيث اتهم المتظاهرون نيكسون بتوسيع الحرب إلى كمبوديا.
- إضعاف حكومة لون نول: أدت الحملة إلى إضعاف حكومة لون نول، مما جعلها أكثر عرضة للخطر من قبل حركة الخمير الحمر.
الجدل والانتقادات
أثارت حملة كمبوديا جدلاً واسعًا في الولايات المتحدة. اتهم منتقدو نيكسون بأنه وسع الحرب بشكل غير قانوني إلى كمبوديا دون موافقة الكونجرس. جادلوا بأن الحملة أدت إلى زعزعة استقرار كمبوديا وساهمت في صعود حركة الخمير الحمر.
دافع أنصار نيكسون عن الحملة، قائلين إنها كانت ضرورية لحماية القوات الأمريكية في جنوب فيتنام وتقويض جهود الحرب الفيتنامية الشمالية. جادلوا بأن الحملة حققت بعض النجاحات التكتيكية وساهمت في المفاوضات التي أدت في النهاية إلى انسحاب القوات الأمريكية من فيتنام.
التأثير على حرب فيتنام
كان لحملة كمبوديا تأثير كبير على حرب فيتنام. على الرغم من النجاحات التكتيكية التي حققتها القوات الأمريكية وقوات جمهورية فيتنام، إلا أن الحملة أدت إلى تصاعد الحرب في كمبوديا وزيادة المعارضة للحرب في الولايات المتحدة. ساهمت الحملة أيضًا في إضعاف حكومة لون نول، مما مهد الطريق لصعود حركة الخمير الحمر إلى السلطة في عام 1975.
التأثير على كمبوديا
كان لحملة كمبوديا تأثير مدمر على كمبوديا. أدت الحرب الأهلية التي تلت ذلك إلى مقتل ملايين الكمبوديين وتدمير البنية التحتية للبلاد. أدت فترة حكم الخمير الحمر الوحشية (1975-1979) إلى تفاقم معاناة الشعب الكمبودي.
لا تزال كمبوديا تعاني من آثار الحرب الأهلية وفترة حكم الخمير الحمر. لا تزال البلاد تواجه تحديات كبيرة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إرث الحملة
تعتبر حملة كمبوديا حلقة مثيرة للجدل في تاريخ حرب فيتنام. لا يزال المؤرخون والخبراء يناقشون ما إذا كانت الحملة كانت ضرورية وما إذا كانت حققت أهدافها المعلنة. بغض النظر عن الآراء المختلفة حول الحملة، لا يمكن إنكار أنها كان لها تأثير كبير على كل من حرب فيتنام وكمبوديا.
خاتمة
كانت حملة كمبوديا عملية عسكرية معقدة ومثيرة للجدل نفذتها القوات الأمريكية وقوات جمهورية فيتنام في كمبوديا عام 1970. على الرغم من بعض النجاحات التكتيكية، أدت الحملة إلى تصاعد الحرب في كمبوديا وزيادة المعارضة للحرب في الولايات المتحدة. كان للحملة أيضًا تأثير مدمر على كمبوديا، حيث ساهمت في الحرب الأهلية وصعود حركة الخمير الحمر.