خلفية الأحداث
في أوائل الثمانينيات، شهدت جنوب إفريقيا تصاعدًا في التوترات السياسية والاجتماعية. كان نظام الفصل العنصري، الذي يهدف إلى الفصل العنصري والتفوق الأبيض، يواجه مقاومة متزايدة من الداخل والخارج. تصاعدت الاحتجاجات والإضرابات، وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في عام 1985، مما منحها صلاحيات واسعة النطاق لقمع المعارضة.
في عام 1983، تم إدخال دستور جديد يسمح بإنشاء برلمان ثلاثي الغرف، يتضمن غرفًا منفصلة للملونين والهنود، ولكن مع استبعاد السكان السود بشكل كامل. أدت هذه الخطوة إلى تفاقم الاستياء والغضب، حيث اعتبرها الكثيرون محاولة لتعزيز نظام الفصل العنصري بدلاً من إصلاحه.
قبل انتخابات عام 1987، كان الحزب الوطني الحاكم، بزعامة الرئيس بيتر ويليم بوتا، يواجه تحديات متزايدة. كان الاقتصاد يعاني، والعقوبات الدولية تضغط على الحكومة، والانقسامات الداخلية داخل الحزب بدأت تظهر.
الأحزاب المتنافسة
كانت الأحزاب الرئيسية المتنافسة في انتخابات عام 1987 هي:
- الحزب الوطني (NP): الحزب الحاكم، يمثل مصالح البيض الأفريقانرز، ويدافع عن سياسات الفصل العنصري.
- الحزب التقدمي الفيدرالي (PFP): حزب معارض ليبرالي، يدعو إلى إصلاحات تدريجية في نظام الفصل العنصري، ويمثل بشكل رئيسي الناخبين البيض من الطبقة الوسطى.
- الحزب المحافظ (CP): حزب يميني متطرف، انشق عن الحزب الوطني في عام 1982، ويعارض أي شكل من أشكال الإصلاحات في نظام الفصل العنصري، ويدعو إلى العودة إلى الفصل العنصري الصارم.
- حزب إعادة التوحيد الجديد (NHP): حزب صغير، يمثل مصالح البيض الناطقين باللغة الإنجليزية، ويدعو إلى حلول وسط بشأن نظام الفصل العنصري.
سير الانتخابات
جرت الانتخابات في ظل حالة الطوارئ، مما أدى إلى تقييد حرية التعبير والتجمع. تم اعتقال العديد من النشطاء السياسيين، وتم حظر العديد من المنظمات المناهضة للفصل العنصري. على الرغم من هذه القيود، دعا العديد من المنظمات والشخصيات البارزة إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرين أنها غير شرعية وغير ديمقراطية.
كان الإقبال على التصويت منخفضًا نسبيًا، خاصة في المناطق التي يعيش فيها أنصار الأحزاب المعارضة. ومع ذلك، فاز الحزب الوطني بأغلبية ساحقة، مما عزز قبضته على السلطة.
النتائج
حصل الحزب الوطني على 123 مقعدًا في البرلمان، بزيادة قدرها 9 مقاعد عن انتخابات عام 1981. حقق الحزب المحافظ مكاسب كبيرة، حيث حصل على 22 مقعدًا، ليصبح حزب المعارضة الرئيسي. خسر الحزب التقدمي الفيدرالي العديد من المقاعد، وتراجع إلى المركز الثالث.
النتائج التفصيلية:
- الحزب الوطني: 123 مقعدًا
- الحزب المحافظ: 22 مقعدًا
- الحزب التقدمي الفيدرالي: 19 مقعدًا
- حزب إعادة التوحيد الجديد: 5 مقاعد
أظهرت نتائج الانتخابات استقطابًا متزايدًا في المجتمع الجنوب أفريقي. كان الحزب الوطني لا يزال يتمتع بدعم قوي من البيض الأفريقانرز، بينما كان الحزب المحافظ يجذب الناخبين البيض الذين يعارضون أي شكل من أشكال الإصلاحات. كان الحزب التقدمي الفيدرالي يكافح للحفاظ على دعمه، حيث كان العديد من أنصاره يشعرون بالإحباط من بطء وتيرة التغيير.
تداعيات الانتخابات
لم تحل انتخابات عام 1987 الأزمة السياسية في جنوب إفريقيا. استمرت المقاومة ضد نظام الفصل العنصري في الازدياد، وتصاعدت أعمال العنف. ازدادت الضغوط الدولية على الحكومة، وتم فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية.
في عام 1989، استقال الرئيس بوتا من منصبه، وخلفه فريدريك ويليم دي كليرك. أدرك دي كليرك أن نظام الفصل العنصري لم يعد قابلاً للاستمرار، وبدأ في التفاوض مع قادة الحركة المناهضة للفصل العنصري، بما في ذلك نيلسون مانديلا، الذي كان يقضي عقوبة بالسجن المؤبد.
في عام 1990، تم إطلاق سراح نيلسون مانديلا من السجن، وتم رفع الحظر عن المنظمات المناهضة للفصل العنصري. بدأت المفاوضات بشأن دستور جديد، وفي عام 1994، أُجريت أول انتخابات ديمقراطية غير عنصرية في جنوب إفريقيا، وفاز بها المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة نيلسون مانديلا.
تعتبر انتخابات عام 1987 علامة فارقة في تاريخ جنوب إفريقيا. لقد كشفت عن الانقسامات العميقة في المجتمع، وأظهرت أن نظام الفصل العنصري كان ينهار. مهدت الانتخابات الطريق للتغيير السياسي، وأدت في النهاية إلى إنشاء جنوب إفريقيا ديمقراطية وغير عنصرية.
الجدل والمقاطعة
كانت انتخابات عام 1987 مثيرة للجدل إلى حد كبير، حيث قاطعتها العديد من المنظمات والشخصيات البارزة المناهضة للفصل العنصري. كان السبب الرئيسي للمقاطعة هو أن الانتخابات استبعدت السكان السود، الذين كانوا يشكلون غالبية السكان. اعتبرت هذه المنظمات أن الانتخابات غير شرعية وغير ديمقراطية، وأنها تهدف فقط إلى تعزيز نظام الفصل العنصري.
كما انتقدت منظمات حقوق الإنسان الدولية الانتخابات، واعتبرتها غير عادلة وغير حرة. أشارت هذه المنظمات إلى القيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع، وإلى اعتقال النشطاء السياسيين، وإلى حظر المنظمات المناهضة للفصل العنصري.
على الرغم من هذه الانتقادات والمقاطعة، أصرت الحكومة الجنوب أفريقية على إجراء الانتخابات، معتبرة أنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار والنظام. ومع ذلك، فإن المقاطعة الواسعة النطاق أضعفت مصداقية الانتخابات، وأظهرت أن نظام الفصل العنصري كان يفقد الدعم.
تأثير حالة الطوارئ
لعبت حالة الطوارئ التي كانت مفروضة في جنوب إفريقيا قبل وأثناء انتخابات عام 1987 دورًا كبيرًا في تشكيل المناخ السياسي وتحديد نتائج الانتخابات. منحت حالة الطوارئ الحكومة صلاحيات واسعة النطاق لقمع المعارضة، وتقييد حرية التعبير والتجمع، واعتقال النشطاء السياسيين.
تم استخدام هذه الصلاحيات لقمع المنظمات والشخصيات المناهضة للفصل العنصري، ومنعهم من التعبير عن آرائهم، وتنظيم الاحتجاجات، والمشاركة في العملية الانتخابية. كما تم استخدام حالة الطوارئ لفرض الرقابة على وسائل الإعلام، ومنعها من نشر معلومات تنتقد الحكومة أو تدعم الحركة المناهضة للفصل العنصري.
أدت حالة الطوارئ إلى خلق مناخ من الخوف والترهيب، مما أثّر على قرار العديد من الأشخاص بالتصويت أو المقاطعة. كان العديد من الأشخاص يخشون التعبير عن آرائهم السياسية، أو المشاركة في الأنشطة السياسية، خوفًا من الاعتقال أو المضايقة.
بشكل عام، كان لحالة الطوارئ تأثير سلبي على العملية الانتخابية، حيث قوضت حريتها وعدالتها، وساهمت في تعزيز سلطة الحزب الحاكم.
خاتمة
كانت انتخابات جنوب إفريقيا العامة لعام 1987 حدثًا مهمًا في تاريخ البلاد، جرت في ظل ظروف سياسية واجتماعية مضطربة. تميزت الانتخابات بمقاطعة واسعة النطاق، وجدل كبير، وتأثير كبير لحالة الطوارئ. على الرغم من فوز الحزب الوطني الحاكم، إلا أن الانتخابات كشفت عن الانقسامات العميقة في المجتمع، وأظهرت أن نظام الفصل العنصري كان ينهار. مهدت الانتخابات الطريق للتغيير السياسي، وأدت في النهاية إلى إنشاء جنوب إفريقيا ديمقراطية وغير عنصرية.