نشأته وتعليمه
ولد جون م. دارلي في منيابوليس، مينيسوتا. حصل على درجة البكالوريوس من جامعة كارلتون في عام 1960، ثم حصل على درجة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي من جامعة هارفارد في عام 1965. كان دارلي طالبًا لدى عالم النفس الاجتماعي الشهير ليون فستنجر، الذي كان له تأثير كبير على تفكيره ومنهجه البحثي.
مسيرته الأكاديمية
بعد حصوله على الدكتوراه، انضم دارلي إلى هيئة التدريس في جامعة نيويورك. في عام 1968، انتقل إلى جامعة برينستون، حيث بقي حتى وفاته في عام 2018. خلال مسيرته المهنية الطويلة والمتميزة في برينستون، شغل دارلي العديد من المناصب القيادية، بما في ذلك رئيس قسم علم النفس وعميد كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية. كان معروفًا بتفانيه في التدريس والإرشاد، وقد ألهم أجيالًا من طلاب علم النفس.
أبحاث تأثير المتفرج
ربما يكون جون دارلي الأكثر شهرة بأبحاثه حول تأثير المتفرج، وهي ظاهرة اجتماعية نفسية تحدث عندما يقل احتمال تدخل الأفراد في حالة طوارئ عندما يكون هناك آخرون حاضرون. أجرى دارلي، بالتعاون مع بيBibb Latané، سلسلة من التجارب الرائدة التي أظهرت أن وجود متفرجين آخرين يمكن أن يقلل من شعور الفرد بالمسؤولية الشخصية للتدخل، مما يؤدي إلى تأخير أو حتى منع المساعدة.
أحد أشهر هذه التجارب كانت دراسة “نوبة الصرع”، حيث تم إخبار المشاركين بأنهم سيشاركون في مناقشة جماعية عبر نظام الاتصال الداخلي. تم إخبار بعض المشاركين بأنهم سيكونون وحدهم مع الضحية المحتملة، بينما تم إخبار آخرين بأن هناك متفرجين آخرين حاضرين. أظهرت النتائج أن المشاركين الذين اعتقدوا أنهم وحدهم مع الضحية كانوا أكثر عرضة للتدخل بسرعة وتقديم المساعدة. أما المشاركون الذين اعتقدوا أن هناك آخرين حاضرين فكانوا أبطأ في الاستجابة وأقل عرضة للتدخل على الإطلاق.
أوضحت هذه الأبحاث أن تأثير المتفرج ليس مجرد نتيجة للجبن أو اللامبالاة، بل هو نتيجة لعمليات نفسية معقدة مثل:
- تشتت المسؤولية: عندما يكون هناك العديد من المتفرجين، يفترض كل فرد أن شخصًا آخر سيتدخل، مما يقلل من شعورهم بالمسؤولية الشخصية.
- الجهل الجمعي: غالبًا ما يعتمد الأفراد على ردود أفعال الآخرين لتحديد ما إذا كانت الحالة تمثل حالة طوارئ حقيقية. إذا بدا أن الآخرين غير قلقين، فقد يستنتج الفرد أن الوضع ليس خطيرًا كما يبدو.
- الخوف من التقييم: قد يتردد الأفراد في التدخل خوفًا من ارتكاب خطأ أو الظهور بمظهر أحمق أمام الآخرين.
أثرت أبحاث دارلي ولاتانيه حول تأثير المتفرج بشكل كبير على فهمنا للسلوك الاجتماعي، وقد أدت إلى تطوير استراتيجيات للحد من تأثير المتفرج وتشجيع التدخل في حالات الطوارئ.
علم نفس القانون
بالإضافة إلى أبحاثه حول تأثير المتفرج، ساهم دارلي أيضًا بشكل كبير في مجال علم نفس القانون. اهتم بشكل خاص بكيفية تأثير السياق الاجتماعي على الإدراك والحكم في النظام القانوني. درس دارلي مجموعة متنوعة من الموضوعات المتعلقة بالقانون، بما في ذلك:
- تأثير التأطير: كيف يمكن للطريقة التي يتم بها تقديم المعلومات أن تؤثر على قرارات المحلفين.
- العدالة الإجرائية: كيف تؤثر عدالة الإجراءات القانونية على رضا الناس عن النظام القانوني.
- الوصم الاجتماعي: كيف يؤثر الوصم المرتبط بالإجرام على إعادة تأهيل المجرمين.
أظهرت أبحاث دارلي أن الطريقة التي يتم بها تقديم الأدلة، والطريقة التي يتم بها التعامل مع المتهمين، والطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى الجريمة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على نتائج القضايا القانونية. ساعدت أعماله على تحسين فهمنا للتحيزات المحتملة في النظام القانوني وأدت إلى تطوير استراتيجيات لتعزيز العدالة والإنصاف.
نظرية الحكم الأخلاقي
ساهم جون دارلي أيضًا في فهمنا للحكم الأخلاقي من خلال تطوير نموذج نفسي لكيفية اتخاذ الناس للقرارات الأخلاقية. يعتمد نموذج دارلي على فكرة أن الحكم الأخلاقي يتضمن سلسلة من العمليات المعرفية المتميزة، بما في ذلك:
- التعرف على المشكلة الأخلاقية: إدراك أن هناك قضية أخلاقية مطروحة.
- إصدار الحكم الأخلاقي: تحديد ما هو المسار الصحيح للعمل.
- التغلب على الضغوط الظرفية: مقاومة الضغوط الظرفية التي قد تدفع الفرد إلى التصرف بشكل غير أخلاقي.
- اتخاذ قرار التصرف: اتخاذ قرار بالتصرف بناءً على الحكم الأخلاقي.
يشدد نموذج دارلي على أهمية العمليات الظرفية والشخصية في الحكم الأخلاقي. وفقًا لدارلي، فإن الأفراد ليسوا مجرد مفكرين عقلانيين يتخذون القرارات الأخلاقية بناءً على مبادئ مجردة. بدلاً من ذلك، يتأثرون بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك السياق الاجتماعي، والضغوط الظرفية، وخصائصهم الشخصية.
لقد كان لنموذج دارلي تأثير كبير على مجال علم النفس الأخلاقي، وقد استخدم لشرح مجموعة متنوعة من الظواهر، بما في ذلك سلوك المارة، والخداع، والعنف.
مؤلفاته
نشر جون دارلي عددًا كبيرًا من الكتب والمقالات العلمية خلال مسيرته المهنية. تشمل بعض أبرز أعماله:
- “من المارة إلى المنقذين: الإدراك الظرفي لما يشكل حالة طوارئ” (1978) بالاشتراك مع بيBibb Latané. يستكشف هذا الكتاب بشكل معمق ديناميكيات تأثير المتفرج.
- “العدالة الظرفية: الدور الحاسم للظروف في الحكم الأخلاقي” (2001). يوضح هذا الكتاب كيف تؤثر الظروف على القرارات الأخلاقية للأفراد.
- “لماذا يطيع الناس القواعد” (2009) بالاشتراك مع Tom R. Tyler, Peter Degoey, and Robert J. Robinson. يحلل هذا الكتاب العوامل التي تجعل الناس يلتزمون بالقوانين والقواعد الاجتماعية.
الجوائز والتكريمات
حصل جون دارلي على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لمساهماته البارزة في علم النفس. من بين هذه الجوائز:
- جائزة المساهمات العلمية المتميزة من الجمعية الأمريكية لعلم النفس (1993).
- جائزة جمعية علم النفس الاجتماعي التجريبي المتميزة في مجال البحث (1999).
- انتخابه للأكاديمية الوطنية للعلوم.
تأثيره وإرثه
كان لجون دارلي تأثير عميق ودائم على مجال علم النفس الاجتماعي. ساهمت أبحاثه في تغيير فهمنا للسلوك الاجتماعي، وخاصةً في مجالات تأثير المتفرج، وعلم نفس القانون، والحكم الأخلاقي. لقد ألهم أجيالًا من طلاب علم النفس، وقد كان له دور فعال في تطوير العديد من البرامج البحثية الجديدة. سيظل إرث دارلي حيًا من خلال عمل طلابه وزملائه الذين يواصلون استكشاف الأفكار التي بدأها.
خاتمة
كان جون دارلي عالم نفس اجتماعي بارزًا ترك بصمة لا تُمحى في هذا المجال. من خلال أبحاثه الرائدة حول تأثير المتفرج، وعلم نفس القانون، والحكم الأخلاقي، قدم دارلي رؤى قيمة حول تعقيدات السلوك البشري في السياقات الاجتماعية. ستبقى مساهماته في علم النفس الاجتماعي مرجعًا أساسيًا للباحثين والطلاب لعقود قادمة، وسيظل إرثه مصدر إلهام للأجيال القادمة من علماء النفس.