نشأته وبداياته
ولد غلام أحمد برويز في 19 من نوفمبر عام 1903 في باتيالا، البنجاب، الهند البريطانية. تلقى تعليمه المبكر في مدارس تقليدية، ثم التحق بجامعة عليكرة الإسلامية. بدأ اهتمامه بالقرآن الكريم في سن مبكرة، وتعمق فيه من خلال دراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية. تأثر برويز بالعديد من المفكرين الإسلاميين الإصلاحيين في عصره، مما دفعه إلى تبني أفكار تجديدية في فهم الإسلام.
بدأ برويز مسيرته المهنية كصحفي ومحرر في العديد من الصحف والمجلات الإسلامية. وقد ساعده ذلك على نشر أفكاره وتوسيع نطاق تأثيره. في عام 1930، انضم إلى حركة “الخدمة العامة” التي أسسها محمد علي جناح، والتي كانت تهدف إلى خدمة المجتمع وتعزيز الوعي السياسي والاجتماعي.
أفكاره ومنهجه التفسيري
تميز منهج برويز في تفسير القرآن الكريم بالعديد من الخصائص التي جعلته مختلفًا عن المناهج التقليدية. كان يركز على الفهم المباشر للنص القرآني، مع إيلاء اهتمام خاص للسياق التاريخي والاجتماعي للآيات. كما أنه كان يرفض الاعتماد على التفسيرات السابقة التي اعتبرها غير دقيقة أو متعارضة مع روح الإسلام.
من أهم أفكار برويز:
- التركيز على النظام الاجتماعي الإسلامي: رأى برويز أن الإسلام ليس مجرد مجموعة من الطقوس والشعائر، بل هو نظام شامل للحياة ينظم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
- رفض التقليد الأعمى: كان برويز ينتقد بشدة التقليد الأعمى والتفسيرات الخاطئة التي أدت إلى تحريف الإسلام. دعا إلى التفكير النقدي والتحليل المنطقي للنصوص الدينية.
- تفسير القرآن بالقرآن: كان يؤمن بأن أفضل طريقة لفهم القرآن هي تفسيره بالقرآن نفسه، أي من خلال ربط الآيات ببعضها البعض.
- الدولة الإسلامية: اعتبر برويز أن إقامة الدولة الإسلامية هي ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتطبيق الشريعة الإسلامية.
عارض برويز بعض المفاهيم التقليدية، مثل عقيدة الشفاعة والاعتماد على الأحاديث النبوية الضعيفة. رأى أن هذه المفاهيم قد أدت إلى تشويه صورة الإسلام وتجريده من جوهره الأصيل.
أعماله ومؤلفاته
ترك غلام أحمد برويز إرثًا فكريًا غنيًا من خلال مؤلفاته العديدة. من أبرز أعماله:
- “لغة القرآن” (Lughat-ul-Quran): قاموس شامل للمصطلحات القرآنية، يهدف إلى تسهيل فهم معاني القرآن الكريم.
- “مطالب الفرقان” (Maqalat-ul-Furqan): مجموعة من المقالات التي تناقش مختلف القضايا الإسلامية والفكرية.
- “معارف القرآن” (Ma’arif-ul-Quran): تفسير شامل للقرآن الكريم، يعتمد على منهجه التجديدي في الفهم.
- “الإسلام دين” (Islam is Din): كتاب يوضح رؤية برويز للإسلام كدين شامل ونظام حياة.
- “دستور القرآن” (Dastur-e-Quran): عمل يركز على الجوانب الدستورية في القرآن الكريم.
انتشرت مؤلفات برويز على نطاق واسع في الهند وباكستان، وترجمت إلى العديد من اللغات. وقد أثرت أفكاره في عدد كبير من المفكرين والباحثين الإسلاميين.
نقد أفكاره
أثارت أفكار برويز جدلاً واسعًا في الأوساط الإسلامية. تعرض لانتقادات شديدة من قبل العلماء والمفكرين التقليديين، الذين اتهموه بالابتعاد عن المنهج السلفي، والتشكيك في صحة الأحاديث النبوية، وتقديم تفسيرات غير صحيحة للقرآن الكريم.
من أبرز الانتقادات الموجهة إلى برويز:
- التأويل المفرط: اتهمه منتقدوه بالمبالغة في تفسير النصوص الدينية، واستخدام التأويل لتحوير معانيها الأصلية.
- الاعتماد على العقلانية: اعتبر البعض أنه يبالغ في الاعتماد على العقل في فهم الدين، ويقلل من أهمية النقل (أي النصوص الدينية المعتمدة).
- التقليل من شأن السنة: انتقدوه لتشكيكه في صحة بعض الأحاديث النبوية، وعدم اعتماده على التراث الإسلامي بشكل كامل.
على الرغم من هذه الانتقادات، استمر برويز في الدفاع عن أفكاره، مؤكدًا على أهمية التفكير النقدي والاجتهاد في فهم الدين. كما أنه كان يؤمن بأن أفكاره تهدف إلى إصلاح الإسلام وتخليصه من الشوائب التي علقت به عبر التاريخ.
تأثيره وإرثه
ترك غلام أحمد برويز بصمة واضحة في الفكر الإسلامي المعاصر. فقد ساهم في إثارة نقاشات مهمة حول قضايا مثل تفسير القرآن الكريم، والإصلاح الديني، والعلاقة بين الدين والدولة. على الرغم من الجدل الذي صاحب أفكاره، إلا أنه يعتبر من رواد الفكر الإسلامي التجديدي في القرن العشرين.
أثرت أفكار برويز في العديد من الحركات الإسلامية في الهند وباكستان، والتي تبنت بعض أفكاره أو تأثرت بها. كما أن مؤلفاته لا تزال تقرأ وتدرس حتى اليوم، وتثير نقاشات فكرية مستمرة.
رحل غلام أحمد برويز عن عالمنا في 24 من فبراير عام 1985، لكن إرثه الفكري لا يزال حيًا، ويستمر في التأثير على الساحة الفكرية الإسلامية.
خاتمة
غلام أحمد برويز شخصية فكرية مهمة في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر. قدم مساهمات كبيرة في مجال تفسير القرآن الكريم، ودافع عن أفكار تجديدية أثارت جدلاً واسعًا. على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه، إلا أنه يعتبر من رواد الفكر الإسلامي التجديدي، وترك إرثًا فكريًا غنيًا لا يزال يؤثر في الساحة الفكرية الإسلامية حتى اليوم.
المراجع
- Rekhta.org – Ghulam Ahmed Parwez
- Dawn – Remembering Ghulam Ahmed Pervez
- WorldCat – Man al-Quran
- JSTOR – The Qur’an and the Modern Age
“`